الدور الحراكي للأكراد في الثورة الشعبية السورية
الثورة الشعبية السورية ومنذ انطلاقتها احتوت كافة أطياف المجتمع السوري. ولم يكن الأكراد كقومية ثانية وجزء اساسي من هذا الوطن بمنأى عن تلك الاحتجاجات التي بدأت بتاريخ 1532011 من درعا، وامتدت شرارتها لكافة المدن السورية حتى وصلت لأقصى المدن الشمالية الشرقية ذات الاغلبية الكردية مثل القامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين والحسكة وديريك. وربما كانت مدينة عامودا السباقة في المشاركة بالاحتجاجات، حيث لم يقف سكان المدينة جمعة واحدة عن الخروج، لتصير من أكثر المدن المشاركة في التظاهرات.
إن خروج الأكراد وإصرارهم على المشاركة لم يكن وليد صدفة. فقد تعرضوا للقمع طيلة أربعة عقود في كافة مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. فعلى المستوى السياسي قمعت كافة الحركات الوطنية الكردية والجمعيات، وشلت الحياة الاقتصادية في المنطقة من خلال الإحصاء الاستثنائي الجائر في ستينيات القرن الماضي الذي حرمهم من التمتع بالجنسية السورية. يضاف إلى ذلك “الحزام العربي” الذي طبق بحق الأكراد. فقد تم الاستيلاء على أراض زراعية ممتدة على الشريط الحدودي في محافظة الحسكة وتوزيعها على سكان محافظة الرقة الذين غمرت أراضيهم بعد إنشاء سد الفرات وجاءت الدولة بهم إلى المناطق الكردية. كما حرمهم النظام الحاكم من ممارسة طقوسهم الاجتماعية والفلكلورية ومنها عيد النوروز، والتحدث بلغتهم الأم الكردية وتداولها وتعليمها في المدارس. وكان آخر اجحاف بحقهم المرسوم رقم 49 لعام 2008 السيء الصيت الذي منعهم من بيع وشراء الأراضي الزراعية والعقارات والحصول على سندات ملكية مما أدى إلى شلل اقتصادي تام تأثرت به معظم المنطقة.
وكثرت في الآونة الأخيرة أصوات غير كردية منتقدة ضعف مشاركة الأكراد بالاحتجاجات. لهذا الانتقاد جانب من الصحة ولكن فقط في بداية الأحداث. وهذا الفتور الأولي في المشاركة يعود إلى الحذر بسبب التجارب التي عاشها الأكراد في الماضي. فلم ينسوا الجراح التي سببت لهم في أحداث انتفاضة “آذار 2004″، عندما خرجوا ضد النظام لتمتد رقعة احتجاجاتهم وتتسع في الجزيرة أجمع وحلب وعفرين وكوباني ولتصل إلى بعض المناطق في قلب العاصمة دمشق. ولم تتأنى السلطة آنذاك في اتهامهم بالخيانة، وربط احتجاجاتهم بأجندات خارجية كما تفعل اليوم في ظل الثورة السورية. وكل تلك الاتهامات بحق الأكراد أوجدت حالة من العقلانية لدى أحزاب الحركة الكردية في التريث وعدم الإقحام السريع للأكراد في هذا الحراك، خشية عدم استمرارية الثورة وفشلها واتهامهم بالمطالبة بالانفصال.
ولم يفتأ عن مخيلة النظام لحظة واحدة بأن موجة الاحتجاجات الشعبية إذا وصلت إلى المناطق الكردية فإنها ستنتشر مثل النار في الهشيم وهي لم تنس تجربة آذار 2004. لذا حاول النظام مغازلة الأكراد بإحداث مرسوم جمهوري في شهر نيسان 2011 يتضمن إعادة الجنسية لأكثر من 500 ألف كردي مجرد من الجنسية نتيجة الإحصاء الاستثنائي عام 1962، ظناً من النظام أن تحقيق هذا المطلب هو كل أماني الأكراد. ولكن لم تدرك السلطة أن مطلب الأكراد ليس إعادة جنسية لكل مواطن سوري الحق بها، بل هناك مطالب قومية وسياسية واقتصادية وثقافية، بالإضافة إلى تثبيت كافة حقوقهم دستورياً. لذا كان رد الأكراد سريعاً بالبدء بانطلاقة حقيقية في التظاهر تضامناً مع باقي أطياف الشعب السوري.
كانت بدايات الحراك الكردي في عامودا والقامشلي على يد شباب أكراد لديهم اهتمامات ثقافية وسياسية مستقلة عن الأحزاب الكردية وبعض القواعد الحزبية النشطة التي لم تأبه بانتظار مواقف أحزابها بأخذ قرار المشاركة. ولعب الشباب دوراً كبيراً أيضا من خلال تشكيل لجان محلية شبابية والمشاركة في تشكيل تنسيقيات توحد عملهم ونشاطهم التظاهري، وهي “تنسيقية شباب الكرد سوا” و”المنسقية العامة لحركة الشباب الكرد في سوريا” و” تجمع منسقية شباب الكرد”. وهم يعملون الآن من أجل توحيد عمل التنسيقيات الثلاث تحت مسمى “اتحاد تنسيقيات شباب الكرد في سوريا” والانضمام إلى “الهيئة العامة للثورة السورية”. ويرفع المتظاهرون الأكراد شعار الحرية والديمقراطية والتشاركية والتعددية، مع المطالبة بضمان حقوقهم في المستقبل كجزء من هذه الأرض ومكون ثاني في البلاد وبتثبيتها دستورياً، مع منحهم كافة حقوقهم الثقافية والاقتصادية والسياسية والفكرية المغتصبة من قبل النظام.
وإذا تحدثنا عن دور الأكراد بشكل عام والشباب بشكل خاص، لابد أن نتطرق إلى دور أحزاب الحركة الوطنية الكردية في الثورة الشعبية السورية، حيث يمكن وصف هذه الحركة الكردية ومنذ تشكيل أول حزب لها في سورية عام 1957 كجزء من معارضة تطمح إلى نيل حقوق الشعب الكردي ضمن إطار وحدة سوريا وإرساء الديمقراطية فيها. إلا أن السلطات المتعاقبة منعت من تشكيل الأحزاب بشكل علني مما أدى إلى انعدام الحياة السياسية وعدم توفر جو مناسب لممارسة النشاط السياسي. اليوم هناك 11 حزباً، لها توجهات مختلفة يسارية ومعتدلة وقومية، أكثرها انتشاراً وجماهيرية “الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)” و”الحزب التقدمي الكردي في سوريا” و”حزب العمال الكردستاني pyd” و”حزب الوحدة الكردي في سوريا”.
ولم تقف الحركة الكردية في وجه الشباب الذين يشاركون في المظاهرات، مع عدم إبداء موقف سياسي صريح منها حتى الآن، مثلها مثل الجيل القديم من المعارضة السورية. ولكن هذا الموقف برأي الشباب الكرد كان مناسباً فقط في الفترة الأولى من عمر الثورة وليس بعد مرور ستة اشهر، حتى أن الإدانات والبيانات التي كان مجموع الاحزاب الكردية يصرح بها لم ترق لشباب الثورة وتضمن مطالبهم، مما زاد من إدانة الشباب الكرد لهم. لتدارك خطر الشروخ بينها وبين الشباب، قامت بعض قيادات الأحزاب بالخروج عن صمتهم في الشهرين الماضيين. هذه الاصوات التي خرجت من قبل شخصيات حزبية كبيرة في الآونة الاخيرة أدركت أن المرحلة تقدمت ويجب اتخاذ موقف واضح من الثورة، وهي التي كانت سباقة في مشاركة القوى العربية في ائتلافات منها “إعلان دمشق” التي شارك فيها أحزاب لها ثقلها في الشارع الكردي.
وتلك المواقف التي طفت على السطح من قبل بعض قيادي الأحزاب الكردية أثمرت بمشاركة أعضاء قيادية في الصف الأول من مظاهرات المناطق الكردية، كما ظهرت بعض التصريحات العلنية من رؤساء أحزاب كردية منهم الدكتور عبد الحكيم بشار سكرتير “الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي” الذي دعا في بداية شهر آب/أغسطس المنصرم للمطالبة بقيام مؤتمر كردي يوحد موقف الأكراد وكلمتهم في ظل هذه الثورة بالإضافة إلى إصراره على وجوب وقوف الحركة الكردية مع الثورة السورية.
كما كان للأستاذ عبد الحميد حاج درويش سكرتير “حزب التقدمي الديمقراطي الكردي” رأي واضح في لقاءه مع جريدة الشرق الأوسط في أواخر آب/أغسطس 2011 قال فيه: “إن سوريا ما بعد الانتفاضة ستكون لكل مواطنيها وخالية من الاضطهاد القومي”، كما دافع كنائب لرئيس إعلان دمشق عن “دور الأكراد في الانتفاضة ووقوفهم إلى جانب الشعب السوري وأنه ليس من الإنصاف أن يتهم الأكراد بأن موقفهم مختلف عن موقف باقي مكونات الشعب السوري، فهم عانوا كثيراً من هذا النظام الشمولي والشوفييني، كما يجب أن يعلم الكل أن للأكراد وضعاً خاصاً في المناطق التي يعيشون فيها خشية أن يواجهوا في بداية الأحداث بتهم الانعزالية والانفصالية”. وأضاف أن “نضال الأكراد ينضب على إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا، وهذا الحل وشكله سيتم بأسلوب توافقي بين العرب والكرد.”، كما لم يكن حاج درويش متفائلاً بأن السلطة الحالية ستجد الحل المناسب للقضية الكردية. وأشار الناشط السياسي الكردي إلى أن “السلطة الحاكمة في سوريا باعتمادها الحل الأمني حتى الآن ترتكب خطأ فادحاً يدفع بالبلاد إلى مزالق خطيرة، ولكن ذلك لا يعني أن يتم حمل السلاح في وجه السلطة”.
وربما هذان التصريحان من زعيمين كرديين لأحزاب لها ثقلها، يدل على أن الحركة الكردية ستأخذ دوراً فاعلاً في الثورة والمشاركة الفاعلة في وضع خارطة سياسية جديدة لسوريا، مع إصرارها على حصول الأكراد على حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية والقومية.