الدفاع المدني في ريف إدلب: تحديات وعراقيل وأزمة ثقة

عبد الله كليدو

(كفرنبل ومعرة النعمان، سوريا) – على الجانب الآخر من الوادي الذي تقع عليه مدينة كفرنبل، يقضي نحو ثلاثة رجال متوسطي العمر معظم أيامهم في كهف خوفاً من تجدد القصف على المدينة. أحد هؤلاء الأشخاص الشرطي المتقاعد علي البشير (55عاماً). يرفع البشير إصبعه باتجاه الطائرات الحربية التي لم تغادر السماء منذ مدة، بسبب اشتداد المعارك حول معسكر وادي الضيف حيث  تتمركز قوات حكومية، على بعد 11 كيلومتر شرق كفرنبل.

“لا أريد الموت تحت الركام. أريد الموت كما يموت كل الناس، موتاً طبيعياً”، يقول البشير، على الرغم من أن آخر غارة جوية استهدفت كفرنبل كانت بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2013، راح ضيحتها ثلاث أشخاص من عائلة واحدة.

متطوعو الدفاع المدني في كفرنبل يستعرضون معداتهم اثناء الإغعلان عن تشكيل فريقهم. المصدر: يوتيوب/ klc.kafranbel klc
متطوعو الدفاع المدني في كفرنبل يستعرضون معداتهم اثناء الإغعلان عن تشكيل فريقهم. . klc.kafranbel klc /المصدر: يوتيوب

 

أما البقال أبو عمر (45عاماً) فهو يرفض ترك منزله، على الرغم من أنه يعي جيداً خطر تجدد القصف، ويقول: “إن سقط فوقي منزلي أتمنى من الله أن يأخذ روحي ولا أدفن تحت ركامه”.

ليست كفرنبل الوحيدة التي تعيش هذا الواقع، فجميع المدن والبلدات في ريف إدلب الجنوبي عانت من المشكلة نفسها. بعد كل غارة، يتوجه الأهالي إلى الموقع المستهدف، يخلون القتلى ويخمدون النار بما تيسر، ولكن التحدي الأكبر هو إخراج من بقي تحت الركام.

يقول عبد الكريم حاج حميدو(31 عاماً)، الموظف في منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” التي تُعنى بالإغاثة الغذائية والنشاط الاجتماعي: “عندما قصف الطيران الحربي (في 28 آب/ أغسطس 2012) السوق الرئيسي توجهت مسرعاً إلى موقع القصف وساهمت في إسعاف أحد الأشخاص الذي توفي قبل وصوله إلى المشفى”.

الحاجة إلى توفير الإنقاذ الفعال كانت وراء تشكل فريق الدفاع المدني في كفرنبل في أيلول/ سبتمبر 2013، وهو تابع لمركز الدفاع المدني لمنطقة غربي مدينة معرة النعمان الذي يقع بدوره تحت إدارة المركز الرئيسي للدفاع المدني لمحافظة إدلب، الذي يعارض النظام.

ولكن فرق الدفاع المدني في ريف إدلب الجنوبي تعاني العديد من العراقيل التي تحول دون عملها بشكل مرضٍ للأهالي وحتى لفرق العمل نفسها. فهذه الفرق لا تمتلك المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض، ولا حتى سيارات الإطفاء والإسعاف أو حتى سيارات لنقل الفرق، وجل ما تمتلكه هي معدات خفيفة، مثل المعول والمنشار ومعدات طبية شخصية وبعض عبوات الإطفاء الخفيفة المحمولة على الظهر.

وعن هذا الأمر يقول مدير الدفاع المدني لمحافظة إدلب رائد الصالح: “من أصعب التحديات التي تواجهنا خلال عمليات الإنقاذ عدم قدرة الفرق على الحضور إلى موقع القصف بسرعة بسبب عدم توفر الآليات المناسبة لنقلها”، ويضيف الصالح:” كل ما نملكه وفي جميع المراكز هو سيارتين قدمتهما “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للائتلاف (الوطني المعارض)، ومع هذا قمنا بخمس عشرة عملية إنقاذ في مختلف أنحاء ريف ادلب الجنوبي”.

هذه الشكوى يؤكدها أحد العناصر في فريق الدفاع المدني في كفرنبل الذي لم يشأ ذكر اسمه، ويقول إنه لم يتمكن من إنقاذ أرواح بعض الناس بسبب التأخر في الوصول إلى موقع القصف: “عندما قصفت الطائرات الحربية منزلين بالقرب من مدرسة التوجيه الابتدائية (في 1 كانون الأول/ ديسمبر2013) كنت أنا والعناصر في مقرنا ولم نجد وسيلة تنقلنا إلى موقع القصف، فتوجهت مع البعض منهم إلى هناك على الدراجات النارية ولكن وصلنا متأخرين”.

يقول رئيس المجلس المحلي لمدينة كفرنبل عدنان القاسم إن المجلس يسعى إلى تشكيل فريق مستقل من الدفاع المدني: “نحن نسعى إلى فريق دفاع مدني خاص بمدينة كفرنبل ووعدنا بالدعم لفريقنا من حملة بالأخضر“.

إلا أن رائد الصالح يشدد على ترابط فريق كفرنبل مع الإدارة المركزية للدفاع المدني في محافظة إدلب. يقول الصالح: “لدينا خمسة مراكز رئيسية… والمراكز الفرعية كمركز مدينة كفرنبل تتبع للمراكز الرئيسية. أي دعم، إن كان من “وحدة تنسيق الدعم” أو غيرها للدفاع المدني لمحافظة إدلب يأتي عن طريق المجلس المحلي للمحافظة، الذي بدوره كلفني بإدارة هذا المشروع”.

وبحسب الصالح أيضاً، هذه المراكز لديها هيكلية تنظيمية تعتمد على التقسيمات الإدارية للمجالس المحلية وجميع عناصر الدفاع المدني من المتطوعين، حيث خضع 175 شخصاً لدورات تدريبية على عمليات البحث والإنقاذ داخل سوريا وخارجها، ولكنهم بحاجة إلى تدريب متقدم.

يتساءل الخياط أسامة محمد الوردة (29 عاماً) من مدينة معرة النعمان “أحقاً لدينا دفاع مدني؟ شهدت العديد من عمليات القصف، والإنقاذ كان يتم على أيدي من حضر ولم أشاهد أي عنصر من عناصرهم”. تساؤلات أسامة يشاركه إياها ياسر (25 عاماً)، وهو حلاق من مدينة كفرنبل: “أعتقد بأن هناك دفاع مدني ولكن أين هو؟ وماذا قدم؟ وماذا فعل؟”.

وعن هذه التساؤلات يقول مدير مركز الدفاع المدني في معرّة النعمان عبدالله الطويل (35عاماً) “لم نكن نملك زياّ موحداً ليتم التعرّف علينا، لهذا يعتقد البعض أننا لم نشارك حتى الآن بعمليات الإنقاذ، ولكن الحقيقة أننا قمنا بالعديد من عمليات الإنقاذ وبالمعدات المتواضعة التي بين أيدينا”.

ماضي العكل (32عاماً)، أحد عناصر الدفاع المدني في مدينة كفرنبل، يشرح واقع الحال: “تشكل المركز قبل (فترة وجيزة) فقط ومنذ تشكله قمنا بعمليتي إنقاذ. عندما قصفت الطائرات موقعين في المدينة  (في 1 و15 كانون الأول ديسمبر 2013) توجهنا بسرعة إلى موقع القصف ولأسباب لوجستية تأخرنا عن عملية الإنقاذ ومع هذا قمنا بواجبنا”.

لا توجد مشافي محددة تتعامل معها فرق الدفاع المدني، فعندما يتعرض أحد المواقع للقصف ويقع جرحى ينقلون إلى أقرب مشفى. وعن هذا يقول الصالح: “من الطبيعي أن ينقل الجرحى إلى المشافي القريبة من موقع القصف، وهناك تنسيق محدود مع بعض المشافي لنقل الجرحى إليها”، ويضيف العكل:” نقوم فقط بعمليات الإنقاذ، لا نستطيع نقل الجرحى إلى المشافي لأننا لا نملك سيارة لتنقلنا إلى موقع القصف فكيف سننقل الجرحى؟ نحن فقط ننقذهم ونضعهم في سيارات مدنية تقوم بنقلهم إلى أقرب مشفى”.

الشرطي المتقاعد علي أحمد البشير (55 عاماً) ليس متفائلاً ويقول: “بدفاع مدني أو بدونه لن أتزحزح قيد أنملة من كهفي هذا، فما فائدة الدفاع المدني الذي لم أره وأعتقد أنني لن أراه إن سقط فوقي منزلي؟”. يخالفه الرأي صاحب محل البقالة أبو عمر (45عاماً):”إن سقط علي منزلي قد أتمنى الموت، ولكن إن سقط على أبنائي أتمنى أن يخرجهم أحد، لذا يجب أن يكون الدفاع المدني فاعلاً في مدينتي كفرنبل”.