الخيمة بيتي ومدرستي
- أنشطة الرسم الترفيهية التي تقدمها المعلمات للأطفال في مركز الدعم النفسي "فسحة طفل" في حي بستان القصر بحلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"ومدرسة منار الجديدة مكوّنة من ثلاث خِيام في أحد مخيمات ريف إدلب الجنوبي في قرية ترملا. وبذلك يكون منزل أطفال المخيمات خيمة، ومدرستهم كذلك"
تسكن منار (10 سنوات) في الخيمة منذُ سنتين مع عائلتها، وتذهب كل يوم إلى المدرسة الجديدة حيث تتلقى الدروس مع رفاقها”. ومدرسة منار الجديدة مكوّنة من ثلاث خِيام في أحد مخيمات ريف إدلب الجنوبي في قرية ترملا. وبذلك يكون منزل أطفال المخيمات خيمة، ومدرستهم كذلك…
يتربَّعُ عشرون طفلاً على الأرض داخل تلك الخيمةٍ الصغيرةٍ وأمامهم لوح خشبي، فتتساقط بين التارة والأخرى حبيبات المطر الباردة من سقف الخيمة المهترئ وتحط على بعض أوراق كتبهم.
يقع مخيم أبو لوليد كما يطلقون عليه، على أرضٍ زراعية غير صالحة للسكن، وفيه عشرون عائلة من ريف حماة، هُجّروا من منازلهم قسراً بسبب قصف قوات النظام وحلفائه. فحطّوا رحالهم في العراء بعيداً عن منازلهم ومدارس أطفالهم التي تركوها وهربوا ودُمّرت أكثرها. المقاعد في قرى الأطفال بقيت فارغة، وها هم يتربّعون الآن على أرضٍ طينية ليتعلّموا…
الأستاذ صافي هو صاحب فكرة المدرسة في المخيم، ويقول لموقعنا: “بدأت الفكرة بأنه يجب العمل لمنع كارثة الأمّيّة من ضرب أطفال المخيم، لذا كان لا بدّ من بديلٍ كي يتعلّموا… ولأننا لا نمتلك الإمكانيات، وبالأساس نحنُ نسكنُ في خيم فتحولت الفكرة على أرض الواقع إلى مدرسة مكوّنة من ثلاث خيام. عرضنا المشروع المتواضع على جهاتٍ معنية ووافقت على مدّنا بما نحتاج من خيام وكتب وقرطاسية، وللعلم، لم يحصل ذلك إلاّ بعد جهدٍ جهيد!”
يقبع في كل خيمة عشرون طفلاً من طالبي العلم موزّعين بحسب فئاتهم العمرية، كما يأتي أطفالٌ آخرون من المخيمات والقرى المجاورة كي يلتحقوا بالدروس.
يحاولُ صافي صاحب فكرة المشروع تأمين ما تحتاجه مدرسته الجديدة من مقومات التعليم الأساسية، كالمقاعد الخشبية والحقائب بالإضافة الى الكتب والقرطاسية… ويتم تأمين هذه الأشياء تباعاً.
أمّا عن كادر التعليم، فهو يضم ّبالإضافة إلى صافي، مدرِّستين إحداهما تدعى حنان (25 عاماً).
تقولُ حنان لموقع حكايات سوريا: “يعاني أطفال المخيم من مشكلة كبيرة وهي انقطاع بعضهم عن التعليم، والبعض الآخر لم يدخل المدرسة بعد… وحتى الأطفال الذين كانوا ملتحقين بالمدارس قبل نزوحهم باتوا ينسون ما تعلّموه من أُصول الكتابة والقراءة”.
خطورة هذا الواقع دفعت حنان للمشاركة في المشروع، وها هي تعلّم الأطفال أُصول القراءة والكتابة. وتحاول تذكير الأطفال الذين سبق أن كانوا في المدارس للعمل على رفع مستواهم، و”تفادي خطر الجهل”.
قسم كبير من أطفال المخيم كانوا قد فقدوا أحد والديهم نتيجة القصف، أو نتيجة اعتقال الأب الذي صارَ مجهولَ المصير… هؤلاء، بالإضافة إلى ظروف الحرب والقصف والخوف والجوع وفقدان الأب أو الأم، يُجابهون البرد والطين من أجل تحصيل حقهم بالتعليم. وجلَّ الحكاية تحت سقف خيمة.
أم حسين وهي أم لخمسة أطفال وزوجها مُعتقل تقول لموقعنا: “يصعب علَي تأمين الحاجيات اليومية لأطفالي، وأنا هنا بلا أبيهم المعتقل منذُ سنتين… وعلى الرغم من ذلك يجب أن يتعلّموا، لذا أُرسلهم يومياً الى المدرسة”.
تقولُ أم حسين: “بين الفترة والأُخرى أحاول أن أُشجّع أبنائي على التعلُّم عبرَ القول لهم أنَّ والدهم سيخرج من المعتقل ويراهم ناجحين في تعليمهم… أفعل ذلك لتشجيعم مع أني لا أُعلّق آمالاً في خروج زوجي من معتقلات النظام”.
بدوره رئيس المجلس المحلي في قرية ترملا إبراهيم سطيف يقول: “إنَّ وضع المخيم هنا صعب للغاية، لكننا نقدّم ما يتوفّر لدينا من مساعدات، بما في ذلك تقديم إحدى الخيام للمدرسة ونشجّع على هذا المشروع”.
يشهد ريف إدلب الجنوبي تجمعات هائلة للنازحين من مناطق تشهد قصفاً كثيفاً من قوات النظام وحلفائه. وبعض الخيام تُقام على أراضي قُرى وممتلكات خاصة، فيحصل أهالي القرى على إيجار الأرض من النازحين…
ظروفٌ صعبة، تجعلُ قلم الطالب ومبراته وسيلته الوحيدة التي ترسم لهُ خطَّ أمانٍ لمستقبلٍ فيه العلم والمعرفة في وسط الصعوبات الهائلة. مستقبلٌ يُرسم من خيَمة أمست البيت والمدرسة في آن…