الحيوانات الأليفة في سوريا من ضحايا الحرب أيضاً
Mimi the cat waiting for Saiid.
"لا يوجد أعداد دقيقة للأطباء البيطريين في دمشق الآن، لكن نسبة 50 بالمئة من الأطباء البيطريين لم يعودوا يزاولون المهنة هنا"
ريم (22 عاماً) وقبيل وصولها إلى الحي الذي تقطنه في كفرسوسة عائدة من جامعتها الواقعة في المزة، ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة، وتبدأ بالتلويح بيديها لمستقبليها. المستقبلون ليسوا من أهل الحي بل هم قطط كفرسوسة.
قطط حي كفرسوسة اعتادت ملاقاة ريم والجري خلفها عند الساعة الثانية ظهراً حيث تقوم بإحضار الطعام لهم. تدخل ريم إلى البيت، وتبدأ بإفراغ الطعام للقطط. نحو 12 قطة تبدأ بالتهام الطعام. انه بيت الدالاتي، وهو منزل قديم بتصميمه العربي وداره الواسعة، في هذا الحي الذي غزته الأبراج السكنية.
تقول ريم: “كان هذا المنزل مليئاً بالبشر، فقد كان منزلاً لعائلة مؤلفة من سبعة أشخاص إضافة إلى جدتي وجدي، لكن منذ عام 2013 توزعت العائلة بين ألمانيا وبيروت. بقيت هنا أنا وجدي والقطتين اللواتي كانوا جزءاً من بيتنا”.
تضيف ريم بابتسامتها العريضة: “رحل الجميع وبقينا انا وجدي والقطتين، أخرج في الصباح إلى الجامعة بينما يبقى جدي في البيت. بدأت إحدى القطط بالقدوم إلى بيتنا لمشاركة قططنا الطعام، وبعدها بدأ جدي بمشروع تربية القطط في الحي”.
وتتابع ريم حديثها: “هذا مشروع جدي الآن، تربية القطط في الحي، منذ رحيل عائلتي أصبح بيتنا مكاناً تزوره القطط، فهي التي تؤنسنا وتسلينا ونهتم بها، نتابع ولاداتها، مرضها، ونوعية طعامها”. وتختم ريم ضاحكة ًكلامها: أصبح المنزل ملكاً للقطط، أصبحنا نحن الضيوف”.
ليس بعيداً عن بيت ريم تعيش عائلة أبو كريم عياش في حي الميدان الدمشقي، العائلة التي تركت بيتها قبل ثلاثة أعوام في مدينة سقبا، تركت خلفها أحد أفراد عائلتها بحسب ما تذكر العائلة، وهو كلب المنزل.
جمال( 18 عاماً) يقول: “خرجنا في أبريل/نيسان من عام 2014 أنا وعائلتي، بينما بقي الكلب بيل، الذي يعد أحد أفراد أسرتنا هناك، كنا نتوقع أن نخرج لمدة أسبوع لم نعلم أننا سوف نبتعد عن بيتنا وعن بيل”.
يتابع جمال حديثه مستعرضاً صور بيل على جواله، والتي بعثت إليه منذ يومين عن طريق النت ويقول: “أحياناً أحلم به أثناء نومي، بعد خروجنا سكن عمي مع عائلته في منزلنا، وبقي بيل الكلب الأمين الذي يحرس البيت. يرسلون لي صوره جالساً في الحديقة أو واقفاً أمام باب المنزل، حيث يبدأ بالنباح عند تحليق الطائرات الحربية في السماء”.
ويضيف جمال: “استطاعت الحرب أن تبعدني عن صديقي بيل، اشتاق إليه كما اشتاق لمنزلنا، أعتقد أننا عندما سنعود سأكون سعيداً بلقائنا وسأشكره لأنه بقي وفياً في عمله في حراسة المنزل”.
عند دخولك الى منزل ابراهيم في منطقة الدويلعة قرب دمشق يستقبلك الكلب جاك. ابراهيم يدين بحياته إلى جاك بحسب ما يقول. ابراهيم يربت على ظهر كلبه قائلاً: “كل هذه الحواجز التي تحيط بنا، والجنود الذين يطوقوننا لم يتمكنوا من حمايتي مثل ما فعل جاك”.
يعود ذلك إلى صيف 2014 عندما كان يجلس ابراهيم على الشرفة يشرب قهوة الصباح، وفجأة هاجمه كلبه و بدأ بالنباح وبدأ يدفعه فجأة إلى الداخل. يكشف ابراهيم عن ساقه حيث الآثار الي خلفتها العضة التي أجبرته على الدخول الى الغرفة.
ويتابع ابراهيم روايته: “بعد دقائق على دخولي الغرفة بعد أن عضني كلبي سقطت قذيفة هاون على الشرفة لتخترق الشظايا جميع الأغراض هناك. لقد أنقذني كلبي حيث سمع صوت القذيفة وعلم أنها متجهة نحونا قبل أن أدرك أنا أن الكلاب لديها من الإنسانية أكثر من بني البشر، وهو الآن بطل في نظري”.
الحرب التي فرقت العديد من السوريين، أيضاً أبعدت الكثيرين منهم عن الحيوانات التي ربوها. سعيد(25 عاماً) يذهب إلى مرسمه يومياً، لإطعام القطة التي أصبح المرسم مكانا جديدا لها. يقول سعيد: “هذه القطة ليست لي، ولكن اضطر أحد أصدقائي إلى السفر هرباً من الحرب ووضعها أمانة عندي لاهتم بها، لكن عائلتي لا تحبذ وجود الحيوانات في المنزل لذلك اضعها في مرسمي”.
يخرج سعيد من جيبه هاتفه المحمول و يستعرض محادثاته مع صديقه يقول في كل يوم يطلب مني أن أصور قطته وأن ارسل له مقاطع فيديو لها.
ويضيف سعيد: “دائما وكل أسبوع أقف أنا والقطة ميمي أمام شاشة الكمبيوتر، يتحدث صديقي إليها وهي تحدق بعينيها في الشاشة. يخبرني صديقي بأنه يشتاق إلى قطته أكثر من العديد من الناس، يواظب على التواصل معها. تعلق صديقي بقطته اكثر من تعلقه بالكثير من الناس هنا”.
لم تسلم الحيوانات من الحرب الدائرة في سوريا فضلاً عن التهجير. في ساحة السبع بحرات، يعمل إدوارد كطبيب بيطري في عيادته. يقول إدوارد: “ازدادت معاناة الحيوانات بعد الحرب، فزاد ذلك من الصعوبات حتى على الواقع الطبي، حيث كثيراً ما ينقل إلينا حيوانات تتعرض لرصاص طائش هنا أو هناك”.
يضيف إدوارد: “الحرب تركت أثرها على سلوك الحيوانات كثيراً. هناك العديد من الحيوانات التي تأتي إلينا قد امتنعت أياماً عن الطعام، وذلك بسبب صدمة نفسية بعد الابتعاد عن صاحبها، أو تعرضها لصدمة جراء انفجار قوي”.
يتابع إدوارد: “حتى الواقع الطبي يعاني، فأغلب الأدوية يصعب الحصول عليها، ونسبة 75% من أدوية الحيوانات أصبحت مفقودة يمكن الحصول عليها عن طريق االتهريب، حيث يصعب معرفة المصدر ومدى فعالية الدواء، وخصوصا أدوية القطط و الكلاب”.
وبحسب ادوارد يضطر الأطباء إلى تعديل الأدوية المستخدمة للبشر بحيث تتناسب مع القطط والكلاب.
ويقول إدوارد: “أن تكلفة اقتناء كلب اليوم في دمشق قد تصل إلى 3 آلاف ليرة سورية كل يوم أي ما يعادل 6 دولارات يومياً، في حين أن راتب الموظف لا يتجاوز 100 دولار. هذا عداك عن نظام المكافآت التي تعطى للحيوان لتحفيزه على عمل معين”.
تبدأ أسعار الكلاب ب 25 ألف ليرة سورية، لتصل إلى نحو مليون ليرة، أما القطط فتتراوح اسعارها بين 5 آلاف ومئة ألف ليرة سورية.
ويختم الدكتور ادوارد كلامه عن الواقع البيطري في دمشق: “لا يوجد أعداد دقيقة للأطباء البيطريين في دمشق الآن، لكن نسبة 50 بالمئة من الأطباء البيطريين لم يعودوا يزاولون المهنة هنا، إما بسبب السفر أو بسبب الخدمة الإلزامية، والكثير منهم تركها بسبب صعوبات العمل التي فرضتها الحرب”.
صفحة حيوانات أليفة على موقع فايسبوك تهتم بالحيوانات في مختلف المناطق السورية. ماهر (39 عاماً) والمقيم في ألمانيا يقول : “أسسنا المجموعة قبل حوالي 3 سنوات وهي الآن تضم ما يفوق ستة ألاف مشترك”.
يعمل ماهر بشكل تطوعي وهو مختص بعلاج القطط فيما يختص زميل له بتقديم النصائح الطبية للكلاب. يوضح ماهر الغاية من صفحة فايسبوك بالقول: “يقوم الأشخاص في المجموعة بوضع صور لقططهم مع وضع شرح تفصيلي للأعراض، حيث أقوم انا بتوجيه الأسئلة لهم قبل أن اقدم لهم النصائح الطبية عن بعد.