الحلبيون ينامون في “كراج” كيليس التركية هرباً من البراميل المتفجرة

عارف حاج يوسف

ملاحظة: تم تعديل هذا التقرير في 17 شباط/ فبراير 2014.

(كيليس، تركيا) – في مدينة كيليس التركية على الحدود مع سوريا، ليس من الصعب ملاحظة الأعداد الهائلة من الهاربين من البراميل المتفجرة التي تلقيها القوات الحكومية على حلب، فهم يفترشون أيّ مكان – المساجد والحدائق ومحطة النقل البري. وجوههم المُتعبة تتحدث عن كلّ التفاصيل المؤلمة التي واجهوها قبل وصولهم هنا، مع ما استطاعوا حمله من بيوتهم التي تركوها ورائهم.

لاجئون سوريون يصلون إلى محطة النقل البري في كيليس. تصوير: عارف حاج يوسف
لاجئون سوريون يصلون إلى محطة النقل البري في كيليس. تصوير: عارف حاج يوسف

أبو أحمد، وهو من سكان حي الأنصاري في حلب، الذي تعرض للقصف، تمكّن من العبور مع زوجته، وهو يفترش الأرض في محطة النقل البري، أو “الكراج” كما يطلق عليها السوريون، التي تبعد تقريباً كيلومتر واحد عن الحدود. ينتظر أبو أحمد عبور باقي أفراد عائلته. 

“أولادي وبناتي ما زالوا على الشريط الحدودي منذُ يومين وأنا وزوجتي هنا ننتظرهم”، يقول أبو أحمد.

عبد الأحد وهو أبٌ كفيفٌ لسبعة أولاد، لم يجد سوى “الكراج” مأوى له ولعائلته هو الآخر.

يروي عبد الأحد ظروف نزوحه مع عائلته، قائلاً: “كنا نقطن منطقة الصالحين، وهربنا تحت وابل البراميل. ابني البِكر لا يزال في حلب لأنه لم يكن في المنزل لحظة خروجنا، وليس لنا أحد هنا. مضى على وجودنا هنا ليلتان وننتظر فرجاً من الله”.

منذ تصاعدت الغارات الجوية اليومية على القسم الذي تسيطر عليه المعارضة، شرقي حلب، يوم 19 كانون الثاني/ يناير، نزح معظم سكان تلك المناطق. منهم من التجأ إلى الطرف الآخر من المدينة الخاضع لسيطرة قوات النظام، ومنهم من توجّه صَوبَ الريف، الذي يُقصف أيضاً ويشهد اشتباكات عنيفة بين تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) وباقي الفصائل المسلحة. لكنّ عدداً كبيراً من سُكان المناطق المنكوبة في حلب نزحوا إلى الحدود السورية- التُركية، محاولين الدخول عبر المسالك الحدودية غير الشرعية، لأن السلطات التركية لم تسمح بدخول من لا يملك أوراقاً ثبوتية. أعداد الذين ينتظرون على الجانب السوري من الحدود بالآلاف، كما يروي بعض ممن نجحوا بالعبور.

قبل اشتداد القصف والغارات الجوية، كان يقطن القسم الشرقي من حلب ما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة. لم يكن هذا الجزء من المدينة ينعم بالهدوء، ولكن القصف السابق لم يكُن عنيفاً إلى درجة دفع الناس إلى ترك بيوتهم وأشغالهم.

أبو عبدو الذي يقف في “الكراج” منتظراً الباص الذي سيقلّه إلى اسطنبول للعيش عند ابنه، يقول: “لقد وصلت للتو من حلب! يُمكن للناس أن يعتقدوا أنّ كلامي هذا مُبالغٌ فيه، لكنّ ما يحدث في حلب الآن هو كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى، إنها مدينة أشباح”. ثُمّ يضيف: “سأقول كلمة الحق ولو كلّفني ذلك حياتي؛ الطرفان هما السبب في ما يحصل للمدنيين الأبرياء”.

يتواجَد في “كراج” كيليس منذ نحو أسبوعين يومياً ما يُقارب 300 شخص. في الليل، ينام النساء والأطفال داخل “الكراج” حيث الجو دافئ نسبياً، بالمقارنة مع الخارج حيث يبيت الرجال على الأرصفة والأعشاب.

رغم هذه الأحوال الصعبة، تقول الطفلة شهد البالغة من العمر سبع سنوات بضحكة طفوليّة، مصحوبة بقليل من الخجل، إنها تفضل “الكراج” على البقاء في حلب. “هُنا أشعر بالفرح أكثر ولا أريد الرجوع، لأن (في حلب) قصف وطيران”.

مخيم كيليس الذي يأوي نحو15000  سورياً توقف عن استقبال المزيد من اللاجئين.

في المنطقة المحيطة بـ”الكراج”، يقف طابور من اللاجئين السوريين ليأخذ كلّ فردٍ منهم حصّته من الغذاء الذي يقدمه موظفون إغاثيون حكوميون: قطعة من الخبر التركي، وقليل من الأرز، وبعض الفاصولياء البيضاء. يقول أحد الواقفين في الطابور إنه سعيد بتأمين بعض الطعام لعائلاته.

غلاء المعيشة في تركيا يجعل هؤلاء الوافدين الفقراء غير قادرين على تحمل كلفة وجبة غداء عائلية في مطعم، قد يصل سعرُها إلى 40 ليرة تركية أي ما يعادل 2800 ليرة سورية. معظم السوريين الذي وفدوا إلى كيليس قبل موجة النزوح الأخيرة يعيش على مبلغ شهري يبلغ 10 آلاف ليرة سورية أو حتى أقلّ، ومنهم من يعيش على الحصص الإغاثية التي تُقدّم له من مجلس الحي.

العديد من السوريين ممن لم يتمكن من تأمين مأوى في كيليس عاد أدراجه إلى الجانب السوري من الحدود، محاولين إيجاد سكن جديد في مخيمات النازحين قرب معبر باب السلامة الحدودي.

مخيم باب السلامة بدوره قد عانى مع تدفق النازحين من حلب. وقد أنشئ مخيم جديد في منطقة شمارين أوائل شباط/ فبراير، ليستوعب القادمين من حلب، يبعد نحو خمسة كيلومترات عن مخيم باب السلامة.

أبو الريم شابٌ سوري يعمل مع إحدى المنظمات الإغاثية تحدّث عن وضع مخيّم باب السلامة: “الوضع الخدمي سيئ للغاية. لا توجد مياه أو كهرباء والخيام أصبحت قديمة جداً واهترأت. اليوم وصل إلى ساحة المخيّم 800 شخص وأغلب الظن أنهم سينامون ليوم أو يومين على باب المخيّم قبل أن يصل دورهم بالدخول”.