الجيش السوري الحر أمر واقع

“الجيش الحر الله يحميك” شعار رفعه متظاهرون في عدة مناطق سورية بعد أن يأسوا من أن يقوم الجيش النظامي بحمايتهم، لا بل قصف مناطق سكنهم بالأسلحة الثقيلة، وذهبوا أبعد من ذلك عندما سموا إحدى الأسابيع بـ ” الجيش الحر يحميني”، لتدخل الثورة السورية بعد مرور أحد عشر شهراً إلى منزلق يجده الكثيرون بأنه الأخطر في تاريخ سورية لما له تهديد على السلم الأهلي.

يعلم كل مهتم بالشأن العام السوري أن أهم داعمي الجيش الحر سياسياً هو “المجلس الوطني السوري” الذي يحظى بتأييد شعبي وعربي ودولي واسع. ويؤكد عضو المكتب التنفيذي في “المجلس الوطني السوري” الدكتور عبد الباسط سيدا في تصريح خاص حول طبيعة علاقة المجلس مع “الجيش السوري الحر” والآلية المناسبة للتعامل مع هذا الجيش بالقول: “لدينا تفاهم وتنسيق، ولدينا لجنة مشتركة”. ويصف سيدا الجيش بأنه ما زال ضعيفاً غير منظم، ويحتاج إلى تمويل: “نحن نحاول مساعدته، نطالبه بضرورة الإكتفاء بحماية السكان وليس القيام بأعمال هجومية”. ولا يخفي الدكتور عبد الباسط سيدا مخاوفه وخشيته من عسكرة الثورة كما هو الحال في ليبيا بالقول: “العسكرة خطر قائم. ولكن نعمل من أجل تحاشيه. هنا في سوريا يحمي الجيش الحر المدنيين من دون التدخل في السياسة عكس ما حصل في ليبيا”.

لا يستطيع احد في سورية بعد كل هذا القمع الأمني والقتل المستمر من قبل أجهزة النظام السوري أن يعمي بصره عن رؤية “الجيش الحر”. فقد أصبح أمراً واقعاً يجب التعامل معه بسلبياته وإيجابياته. هذا ما يؤكده عبد الكريم عضو “المجلس الوطني الكردي” الذي يضم أغلبية أطراف المعارضة الكردية عبر القول: “الجيش الحر أصبح أمراً واقعاً، علماً بأننا نصّر على سلمية الثورة. ولكن العنف الممارس من قبل الأجهزة الأمنية وإقحام الجيش في قمع الحراك التظاهري تسبب في إنشقاقات كرّد فعل طبيعي على قتل أهلهم وإخوتهم”. ويرى عبد الكريم أن المنشقين يقومون بمهام حماية المتظاهرين من بطش الأجهزة الأمنية، ولكن يشير أيضاً إلى أنهم قاموا في الآونة الأخيرة بهجمات على حواجز للجيش: “اعتقد هذا يجعلني أقول إنهم يحاولون فرض وجودهم كطرف في العملية التغيرية القادمة وهذا ما لا احمد عقباه”.

هناك أطراف كثيرة في المعارضة السورية الداخلية كالمجلس الوطني الكردي مثلاً تجد أن الجيش الحر خطراً على سلمية الثورة، وأن هذا الجيش بحمله السلاح بوجه الأجهزة الأمنية والجيش ومؤسسات الدولة يهدد مستقبل البلاد. الدكتور عبد الباسط سيدا عضو المكتب التنفيذي في “المجلس الوطني السوري”  يذّكر بأن “الجيش الحر” لم يُشكل بقرار سياسي من “المجلس الوطني السوري”: “ولكنه بات أمراً واقعاً وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع بعقل منفتح وبأسلوب عملي حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة”.

ومع الإنتشار الواسع لأفراد “الجيش السوري الحر” في المناطق الأكثر توتراً خاصةً في حمص وإدلب وحماة وريف دمشق، زاد النظام السوري من قمعه عبر إستخدام الأسلحة الثقيلة لضرب تلك المناطق التي تأوي أفراد هذا الجيش إلا أنه لم ينجح في القضاء عليه بسبب تواجدهم في المناطق السكنية الشعبية وشنهم ضربات فجائية على الحواجز الأمنية. هذا ما يؤكده رياض: “أحد أفراد الجيش السوري الحر” البالغ من العمر 24 سنة: “إنتسبت إلى الجيش السوري الحر بعد مقتل أخي في مدينة دوما بريف دمشق وأصبحت من المطلوبين بسبب نشاطي الداعم للثورة، وخروجي في مظاهرات مطالبة بإسقاط النظام. نحن نقوم حالياً بحماية المظاهرات بأسلحتنا الخفيفة والبسيطة”. وحول كيفية تدبر أمورهم من حيث المعيشة والسلاح يقول رياض: “نحن نعتمد على المواطنين الداعمين لنا، فهم من يقومون بتقديم الطعام واللباس لنا. أما بالنسبة للأسلحة فالكثير من العائلات السورية تملك مسدساً أو بندقية، فنحن لا نملك الأسلحة الثقيلة، ولو إمتلكناها لما صمد النظام السوري أسبوعاً واحد وكان مصيره السقوط!”.

وعلى الرغم من خوف بعض النشطاء السياسيين من عسكرة الثورة إلا إن “الجيش السوري الحر” أصبح أحد الركائز والدعائم الأساسية للثورة السورية، ولولاه لما إستطاعت الكثير من المناطق الخروج في تظاهرات مطالبة بإسقاط النظام. فهم يقومون بحماية المظاهرات التي تخرج عبر سد الطرق المؤدية إلى مكان التظاهر وإنشاء حواجز بشرية فيها. حسن كامل الناطق بإسم المجموعة الشبابية “الحراك الشعبي للحرية والعدالة” التي تنسق لمظاهرات إحتجاجية يرى أن “الجيش الحر” جزء أساسي من الثورة السورية ويجب أن تنحصر مهمته في الدفاع عن المتظاهرين السلميين: “أستطيع القول بأنه النواة الأولى للجيش الوطني بعد سقوط النظام. هكذا نرى “الجيش الحر” وعلى هذا الأساس نبني العلاقة معه”. ويتعاون “الحراك الشعبي” مع “الجيش الحر” في مناطق تواجدهما. ويقول حسن كامل: “طلبنا منهم أن يشكلوا الدفاعات المدنية الآمنة وأن تنحصر مهامهم بالضابطة العدلية، أي أن يشكلوا لجنة تقوم بتوثيق جرائم النظام في الدائرة”. كما يقدم أعضاء “الحراك الشعبي” مساعدات إغاثية وطبية: “مثلما نفعل في كافة المناطق المنكوبة في البلاد. نحن في حالة حرب حقيقية، لا بل استطيع القول حرب إبادة بحق الشعب السوري”.