الجوامع نقطة التقاء المصلين والمتظاهرين

لم يكن بهاء الشاب الوحيد الذي ينتظر انتهاء الصلاة في الجامع الكبير في حي القابون بدمشق، بل كان مع بهاء المئات الذين انتشروا بطريقة عشوائية في الشارع يترقبون بدء المظاهرة فور إنتهاء صلاة الجمعة. ابتسم الشاب حين سألناه عن عدم وجوده داخل الجامع مع المصلين، وفضل عدم الجواب، لكنه وبعد أن أسند ظهره إلى شجرة كبيرة قريبة من المسجد واشعل سيجارته عاد إلى السؤال وقال: “حقيقة أنا لا أصلي رغم أنني أعرف أن الصلاة فرض. هذا شأن خاص بي لا أريد مناقشته مع أحد” واستطرد بهاء قائلا بأنه يأتي إلى الجامع للمشاركة في المظاهرة ضد نظام لا يوفر جهداً في قمع المظاهرات السلمية، ولايميز بين رجل وامرأة بين طفل وشاب: “أتظاهر ضد نظام لا يميز في القمع بين المسلم والمسيحي ولا بين المسلم السني أو العلوي أو من أي طائفة كانت، نظام يحمل صفة العصابة التي تسرق البلد وهذه العصابة فيها من كل الطوائف والملل”.

عيون الشبان الذين يرافقون بهاء متسمرة على باب الجامع الكبير في القابون ينتظرون لحظة تكبير المصلين وخروجهم إلى المظاهرة التي تطالب بإسقاط النظام، ذلك النظام الذي كان يطلق على نفسه صفة النظام “العلماني”.

عملت السلطة منذ الثمانيات من القرن الماضي وتحديداً بعد قمعها حركة الإخوان المسلمين في سوريا على ربط الإسلام بشخص القائد “المفدى” والقائد “الملهم” من السماء من خلال افتتاح عشرات دور تدريس القرآن والتي سميت بمعاهد “الأسد لتعليم القرآن”. وسعت منذ ذلك الحين إلى السيطرة الأمنية شبه الكاملة على الجوامع وأئمتها من خلال التدخل في تعينيهم. وكان المقياس دائماً مدى ولاء الشيخ أو الإمام للسلطة .

وتراقب وزارة الأوقاف بشكل مخابراتي الجوامع وتوافق على دخول عدد من العناصر الأمنية لمراقبة خطب الجمعة ومن الممكن أن تستدعي هذه العناصر الإمام إلى فرع المخابرات في أي لحظة كانت، عدا عن إجبار الأئمة على الدعاء لحافظ أسد أو لاحقاً لابنه بشار بالتوفيق وطول العمر. رغم هذه الرقابة المشددة على الجوامع والمساجد في العقود الماضية، إلا أن الدور الذي تلعبه هذه الأمكنة في حركة الاحتجاجات الحالية تشير إلى فقدان السلطة ووزارة الأوقاف السيطرة على جزء منها.

ماجد، صديق بهاء، ينتظر أيضاً خارج المسجد، يتدخل في حديثنا قائلاً: “أنتم تعرفون أنه لا مكان في سوريا للتجمع إلا المساجد، وهذا أمر مفهوم بسبب قانون الطوارئ، وأنا أرى أنه من الطبيعي أن يخرج ثوار سوريا ضد النظام من هذه الأمكنة، أما نحن الذين لا نصلي فلا نختلف عن أخواننا في الداخل ونتفق معهم في الهدف وهو إسقاط نظام آل الأسد”.

في حي برزة بدمشق كان سمير مع ما يقارب الخمسمائة شخص يقفون قرب المسجد لاستكمال مراسم عزاء احد الشهداء الذين سقطوا برصاص الأمن السوري في برزة، بينما كانت الصلاة قائمة داخل المسجد وسمير حسب ما علمنا فيما بعد من الطائفة العلوية الذي يوحي لها النظام بأنه إذا ما ذهب ذهبت هي لا بل عوقبت من قبل الطوائف الأخرى.

قال سمير: “أنا أقف هنا مع باقي المتظاهرين لنكمل مراسم العزاء وأقول أن “الثورة” لكل السوريين وأن المساجد المكان الوحيد للتجمع في سوريا لأن النظام يمنع أي تجمع فيه أكثر من ثلاثة أشخاص، والأمر طبيعي أن نقف قرب الجامع وأن نشارك في الثورة السورية، ونقول لكل العالم إن هذا النظام لا يمثل أبداً الطائفة العلوية بل يمثل نفسه فقط”.

أشار سمير بيده إلى حي عش الورور القريب من برزة وهو الحي المعروف بأكثرية علوية قال: “في بداية المظاهرات عمل النظام على تعبئة أهالي هذا الحي وقال لهم إن أهل برزة “السنية” سيأتون إلى قتلكم وتهجيركم، وبالفعل عمل الكثير من الشبان في حي عش الورور على مساعدة قوات الأمن في القمع ولكن بعد فترة اكتشفوا خطأهم. يشارك بعضهم اليوم في المظاهرة ضد النظام وبعضهم التزم الصمت خوفاً”.

رواية النظام عن امارات سلفية يعمل على تشكيلها المتظاهرون في البلدات والمدن السنية اصبحت على ما يبدو رواية مكشوفة الأهداف. فالشابة نورما وهي مسيحية ترجع أصولها إلى قرى محافظة درعا تقول إنها تعرف أن النظام يعمل على إخافة المسحيين والدروز والعلويين بروايته ولكن كل من يراقب حركة التظاهر عن قرب يكتشف سريعاً كذب النظام. نورما أكدت لنا أنها شاركت في أول مظاهرة بدمشق قرب الجامع الأموي التي امتدت فيما بعد إلى ساحة المرجة وأنها تلقت من أحد عناصر الأمن شتائم قبيحة.

تقول نورما شارحة: “هذا النظام يكذب دائماً، وأنا متأكدة أن المصلين وأصحاب الدين الإسلامي لديهم أخلاق ونحن لا نخاف منهم بل نخاف على أنفسنا من نظام مجرم”. وتستطرد نورما قائلة انها شاركت في مظاهرات في داريا وفي حرستا وفي حي الميدان: “كل مرة كان عدد كبير من الشبان ينتظرون خارج أسوار المسجد بدء المظاهرة. ما أريد قوله أن المسجد كان المكان الرئيس للانطلاق وكان هناك شبان يجلسون ويحملون لافتات خارج المسجد أيضاً، وكل هؤلاء لديهم يتبنون هدفاً واحداً وهو اسقاط عصابة آل الأسد ومخلوف وشاليش وابعادهم عن التحكم بمصير وحياة السوريين”.

في مدن بنش وسراقب ومعرة النعمان التابعة لمحافظة ادلب لا يختلف المشهد كثيراً عن مدن وأحياء دمشق وريفها أو حتى حماة وحمص ودير الزور او الحسكة واللاذقية وبانياس وجبلة حيث في كثير من الأحيان يتساوى عدد المتظاهرين الذين داخل المسجد مع خارجه.

يؤكد أدهم وهو من مدينة بنش أنه وزملاء له في الثورة يحملون اللافتات وينتظرون خارج المسجد الكبير في المدينة حتى يجتمعوا مع الخارجين من الصلاة لبدء مظاهرتهم. ويشير أدهم إلى أعداد كبيرة خارج المسجد ما يدل حسب رأيه إلى كذب السلطات السورية بأن الثورة هي ثورة للسنة أو حتى ثورة المصلين المتشددين: “لا يوجد عندنا تشدد في سوريا على عكس الكثير من البلدان. وما يُروى عن متشددين وسلفيين كلام عار عن الصحة، لأن الثورة فيها من كل الطوائف والملل”.