البضائع المغشوشة: ملاذ السوريين بعد ارتفاع الأسعار

سلام السعدي

(دمشق، سوريا) – يتحلق بضعة أشخاص حول بسطة  لبيع مواد التنظيف في شارع الثورة وسط دمشق. يرتفع صوت رجل أربعيني وهو يخوض جدالاً عقيماً مع البائع، يتهمه بالغش بعد أن اشترى منه سائلاً للتنظيف “عديم الفعالية”، يرفض البائع إعادة المنتج ويسمح للزبون باستبداله بمنتج آخر في محاولة لاحتواء غضبه. وعلى مقربة من هذا الجدال تصطف بسطات أخرى تشغل الرصيف وتبيع أصناف مختلفة من المواد الغذائية، بأسعار زهيدة بصورة تحمل على الشك في مدى جودتها أو كونها مغشوشة.

سوق باب سريجة - "يوتيوب"/ سانا
سوق باب سريجة – “يوتيوب”/ سانا

قبل العام 2011، كان الطلب على السلع متدنية الجودة التي تباع على البسطات (أماكن على الرصيف أو في حيز من الشارع تبيع منتجات متنوعة) منخفضاً، واقتصر على السوريين الفقراء. لكن انهيار الوضع الاقتصادي وما حمله من ارتفاع كبير في معدل البطالة ووصولها إلى 42 في المئة بحسب آخر تقرير لـ “الاسكوا”، واتساع دائرة الفقراء ومحدودي الدخل، كل ذلك رفع من أعداد السوريين الذين يقبلون على تلك الأسواق والمنتجات، التي توسعت بدورها واستوعبت الارتفاع الحاد في الطلب عليها.

تنتشر البسطات في العديد من شوارع دمشق وعلى أرصفتها، وتتركز في الأسواق الشعبية، كشارع الثورة وطرقات فرعية في منطقة الفحامة والمرجة، وسوق الهال القديم وسوق باب سريجة. في هذه الأماكن يحصل السوريون على المنتجات بأسعار مغرية جداً. وعلى سبيل المثال يباع الشامبو وسائل الجلي بدون أي علامة تجارية بسعر يترواح بين 100 و200 ليرة سورية، فيما يتراوح سعره في الأسواق بين 300 و400 ليرة، كما يباع كيلو الحليب بنحو 90 ليرة في مقابل 135 ليرة، الجبن البلدي بـ600 ليرة مقابل 850، اللبنة بـ250 ليرة مقابل 400، القهوة بـ 700 ليرة مقابل 1000.

يقول أبو رامي (45 عاماً)، وهو موظف حكومي اعتاد التسوق من البسطات: “اعلم بالطبع أن منتجاتها أقل جودة، وبعضها مغشوش، لكن أسعارها أقل أيضاً، وهي تناسب دخلي المتواضع”.

فيما تحاول سهاد (35 عاماً)، وهي ربة أسرة، “الاختيار” في خضم تلك الغابة من المنتجات. على مدى عامين، جربت سهاد عدداً كبيراً من منتجات الأسواق الشعبية المتدنية الجودة، وتكونت لديها خبرة تقوم على أساسها بالشراء من “بسطات ومحال محددة، خصوصاً بعض المواد الغذائية التي لا يمكن أن تؤدي عمليات الغش فيها إلى ضرر بالصحة، مثل الألبان والاجبان، والزيوت والبقوليات، فيما امتنع عن شراء اللحوم مثلاُ”.

في سوقي الهال القديم وباب سريجة، تنتشر محال صغيرة تبيع اللحم البقري بسعر يتراوح بين 900 و1100 ليرة للكيلو، فيما يبلغ سعرها في محال أخرى نحو 1500 ليرة. يطلب أبو زياد (50 عاماً) من الجزار في سوق الهال القديم كيلو لحم مفروم من النوعية الجيدة التي تقل فيها كمية الدهون، يقول أبو زياد: “لدي عائلة مكونة من ستة أفراد، ولولا وجود هذه المحال لما تمكنا من تناول اللحوم”. ويضيف: “يقول الجزار أنها لحمة بلدية طازجة، لكن الجميع يعرف أنها لحوم مخلوطة بالدهون، أو لحوم مستوردة، وهو ما يفسر تغيّر أسعارها مع تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية”.

يرفض صاحب إحدى البسطات الإقرار بوجود أي غش في منتجاته، ويفسر الانخفاض اللافت في الأسعار بالقول: “أنا اشتري كميات كبيرة وأبيع هنا بسعر الجملة”. يبدي عادل (40 عاماً) استياءه وسخريته من هذا “الادعاء”، وهو تاجر جملة في سوق باب سريجة يبيع مختلف أنواع المواد الغذائية. يقول عادل: “إذا كان هؤلاء تجار جملة فماذا أقول عن نفسي؟!”. ويشرح:   “بالنسبة للمنظفات فهم يخفضون المادة الفعالة أثناء صناعتها، بينما تخلط بعض مساحيق الغسيل بالملح، واللبنة بالنشاء، واللحوم بالدهون، كما يخلطون زيت الزيتون بزيت نباتي أو بزيت الصويا، وقس على ذلك”. ولا يعرف عادل من يقوم بالضبط بعملية الغش إذ “ربما يقوم أصحاب البسطات أنفسهم بذلك”، ولا يستبعد “وجود ورشات غير علنية تُصنّع المنتجات المغشوشة وتوزعها على البسطات”.

عمليات الغش المتزايدة ليست خارج الأضواء. رئيس “اتحاد الحرفيين في دمشق” مروان دباس صرح لصحيفة “الثورة” الحكومية أن “الفوضى والاستهتار والغش في معظم الأسواق وصلت حالة هستيرية”. دباس استهجن غياب الرقابة التموينية عن عمليات الغش مثل “إنقاص وزن عبوة كيلو اللبن 200 غرام وبنفس السعر المرتفع”، متسائلاً: “على أي أساس سمح لهم القانون؟ وكيف استبدل زيت السيرج الداخل في صناعة الحلاوة الطحينية بالزيت النباتي، والطحينية نفسها بالأرز الرخيص المطحون وهو بالأساس يحتوي على بعض المواد الضارة مثل السوس والأشياء أخرى”.‏

كما أكد رئيس “جمعية حماية المستهلك “عدنان دخاخني في تصريح لصحيفة الوطن أن “الأزمة أدت لدخول عدد كبير من المواطنين ممن لا عمل لهم، للمتاجرة بمواد التنظيف والبيع على الأرصفة والطرقات، مستغلين خروج العديد من المعامل عن الخدمة وقلة الإنتاج، ما أدى للترويج لمواد تنظيف منعدمة المواصفات ومغشوشة ومضرة، إضافة للجوء بعض المحال للترويج لهذه المنتجات للكسب المادي الكبير مقارنة بالمواد الأخرى”.

الحكومة أيضاً ليست بعيدة عن ذلك، إذ تعلن بصورة متواترة عن ضبط عمليات غش في أسواق دمشق، وإغلاق عدد من المحال التي تمارس الغش، سواء في بيع اللحوم، أو في صناعة الألبان والاجبان، أو بالنسبة لصناعة المنظفات وحتى الأدوية. كما أعلنت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” مطلع هذا العام بحسب ما نقل موقع “سيريانديز” عن ضبط “مستودع يحتوي كميات كبيرة من المواد الغذائية والمواد الأولية لصناعة المنتجات الغذائية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستهلاك البشري تقدر بــ 5 أطنان بمنطقة الجزماتية، وقد تم مصادرة الكميات وإغلاق المحل بالشمع الأحمر وإحالة صاحب المحل إلى القضاء “.

بين إجراءات الحكومة ومصلحة التجار، للمواطن موقف واحد يعبّر عنه أبو زياد قائلاً: “إذا كانت الحكومة حريصة علينا كما تدعي، فإن عليها أن ترفع الأجور وتؤمن فرص العمل وتلاحق من يرفع الأسعار من التجار. لا مشكلة حقيقية لدينا مع البسطات، مشكلتنا مع ارتفاع الأسعار ومع جشع التجار”.