الإعلاميون في ظل “الدولة الإسلامية” بين هارب ومبايع
تنظيم “الدولة الإسلامية” يفرض قيوداً خانقة على إعلاميّي دير الزور.
صهيب أحمد*
“دماسكوس بيورو” – اندلعت في مطلع كانون الثاني/ يناير معارك طاحنة في محافظة دير الزور الغنية بالنفط، بين تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة و”جبهة النصرة” وبضع فصائل مقاتلة من جهة أخرى، ودامت المعارك لعدة أشهر سقط خلالها قتلى كثر من الطرفين وطال القتل المدنيين أيضاً. واستمر القتال حتى منتصف شهر تموز/ يوليو، إلى أن حسمت المعركة لصالح “الدولة الإسلامية” التي بسطت نفوذها على مدينة دير الزور ومناطق واسعة شرقي المحافظة، التي أعادت تسميتها “ولاية الخير”، لتضيفها إلى مناطق واسعة تحت سيطرتها في محافظة الرقة وريف حلب.
كما في المناطق الأخرى، كان الإعلاميون في مدينة دير الزور هدفاً لرقابة صارمة فرضها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
أحد النشطاء الإعلاميين في المدينة الذي عرّف عن نفسه باسم أبو رامي، ورفض ذكر اسم المؤسسة التي يعمل لديها لأسباب أمنية، قال في مقابلة مع “دماسكوس بيورو” عبر الإنترنت إن من أصل نحو 75 إعلامياً في دير الزور، لم يبقَ بعد دخول “الدولة الإسلامية” سوى حوالي 20، بينما فر الباقون إلى تركيا أو تواروا عن الأنظار.
يقول أبو رامي إن في فجر 2 آب/ أغسطس بين الساعة الخامسة والسادسة صباحاً، داهمت مجموعة مسلحة من التنظيم عدداً من المراكز الإعلامية والشبكات الإخبارية وصادرت أجهزتها، بالإضافة إلى معدات بعض الناشطين المستقلين. من هذه المراكز “وكالة سمارت”، و”تجمع شباب الحقيقة”. وكان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد صادر معدات “قناة دير الزور الفضائية” في وقت سابق وأغلقت القناة مكتبها في دير الزور ونقلته إلى غازي عنتاب في تركيا.
أعيدت المعدات إلى المكاتب الإعلامية التي تعهد العاملون فيها بـ”مبايعة الدولة الإسلامية” بصفتهم الشخصية. أما من رفض، فمُنع من مزاولة الصحافة نهائياً وفقد حقه باستعادة المعدات المُصادرة، مثل “تجمع شباب الحقيقة” وبعض الإعلاميين المستقلين.
يصف أبو رامي عملية المبايعة، قائلاً: “حدد التنظيم الساعة الخامسة عصر اليوم التالي (3 آب/ أغسطس) موعداً للمبايعة، وحضر 15 إعلامياً إلى أحد الأقبية التي حدد فيها اللقاء السري لكن أحداً لم يحضر من التنظيم”. ويضيف:
“بعد عدة أيام حدد أبو أنس المصري أمير الإعلام في دير الزور موعداً نهائياً للمبايعة بتاريخ 11 آب (أغسطس)
وفعلاً تم الاجتماع وحضر أبو أنس ومرافق عراقي وآخر تونسي، ومن الجانب الآخر حضر 13 إعلامياً”.
يقول أبو رامي إن الاجتماع استمر أقل من ساعة، وبعد تلاوة النصائح على الإعلاميين، تسلم كل واحد منهم استمارة ضمت لائحة شروط تداولتها شبكات إعلامية محلية.
أهم ما جاء في هذه التعليمات هو أن يكون المراسلون ممن “بايعوا خليفة المسلمين البغدادي كونهم رعايا في الدولة الإسلامية” وأن يخضع عملهم لإشراف المكاتب الإعلامية التابعة للتنظيم، بما في ذلك عدم نشر أي مواد من دون اسم، مع تشديد الرقابة على التقارير الصحافية أكثر من الأخبارالعاجلة. كما حُدد النشاط الإعلامي ليقتصر على التعامل مع وكالات الأنباء العالمية، مثل “رويترز” و”فرانس برس” و”أسوشيتد برس” ويتم تجنب القنوات الفضائية “الموجهة لمحاربة الدولة الإسلامية” مثل “العربية” و”الجزيرة” و”أورينت” والمخالف لهذا البند سيكون تحت طائلة المساءلة. كما نصت التعليمات على استعمال مصطلح “الدولة الإسلامية” والابتعاد عن الإشارات الأخرى مثل “تنظيم الدولة” أو “ما يسمى بالدولة” أو “داعش” .
أضافت التعليمات أنه “يُسمح للصحفيين بفتح صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعية والمدونات لنشر الأخبار والصور، على أن يبلغ المكتب الإعلامي في الولاية بعناوين هذه الصفحات لمتابعتها”.
يتابع أبو رامي أن من قرأ الشروط ووافق عليها كتب أسفلها اسمه وتوقيعه، وما إذا كان مستقلاً أو ينتمي الى مجموعة ما، و”سُلم كل منا ورقة بيضاء، لكتابة عنوان حسابه الشخصي على “فيس بوك” و”تويتر” و”سكايب” وحتى حساب “واتس أب”، ففعلنا ما أُمرنا به”.
بعدها كان الختام الرسمي لهذه الإجراءات. يقول أبو رامي: “وقفنا جميعاً وبسط يده الأمير إلينا فوضعنا أيدينا فوق يده وقال: رددوا ما أقول. فرددنا: نبايع أمير المؤمنين على الطاعة وعدم معصية الأوامر ومحاربة الكفر. لم أحفظ كل ما ردده أبو أنس من دعاء وكلمات غريبة، إلا أنني بايعت… كنت مجبراً لأن الإعلام مصدر دخلي الوحيد”.
وأكمل أبو رامي متذمراً بأن الأمير شكّل مجموعة على برنامج “واتس أب”، وأضاف إليها من بايع بهدف تسهيل التواصل وأخذ موافقات النشر، وركّز على مقاطع الفيديو دون غيرها.
“طلب منا أن نرسل له المقاطع قبل نشرها أوإرسالها لأي وسيلة إعلام. فأصبحنا نضغط نسخة من كل مقطع مصور حديثاً بحجم صغير ونرسلها للأمير، وغالباً نأخذ موافقة إلا إذا كانت المقاطع تظهر مقرات أو أماكن قريبة من مقراتهم يعتبرونها حساسة، ولكن المشكلة هي أن بعض المقاطع تأخذ 48 ساعة للحصول على الموافقة والبعض الآخر دقائق، دون أن نعلم لماذا! لانستطيع مناقشة الأسباب أبداً، ويوماً عن يوم تتراجع تغطيتنا للأحداث بسبب هذه القيود والعقبات”.
وحتى الآن لم ترد تقارير عن معاقبة أي صحفي رفض البيعة. وتتعدد مصادر الخطر على حياة الصحفيين السوريين الذين يغطون الأحداث على الأرض. فقد أعلن راديو “روزانة” مقتل مراسله محمد قاسم في محافظة إدلب برصاص مجهولين يوم 11 أيلول/ سبتمبر، عندما كان في جولة ميدانية برفقة أحد قادة المعارضة المسلحة.
وكان ناشطون إعلاميون ممن رفضوا المبايعة قد أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت “الهاشتاغ”، #أنا_إعلامي_من_ديرالزور_أرفض_بيعة_البغدادي قال فيها الإعلاميون ومستخدمون آخرون إنهم يرفضون الانتهاكات التي يرتكبها أعضاء التنظيم.
أما باسل (24عامأً)، وهو إعلامي آخر من دير الزور عمل مصوراً في أحد المراكز الإعلامية وهو “معروف” في الوسط الإعلامي حسب قوله، فترك دير الزور متجهاً إلى مدينة أورفا التركية حيث يقيم حالياً. يقول باسل “خرجت منها خلسة قبل دخول التنظيم إليها بأيام بعد أن أودعت المعدات عند أحد الأصدقاء. فوجودي لم يعد له معنى، إما أن أسكت عن الحق أو أُعاقب وربما أصبح في عداد الأموات فوجدت الهجرة إلى تركيا أرخص الأثمان”.
* اسم مستعار لصحافي سوري.