اعتقلوه بسبب مرضه!
الهلال الأحمر السوري يخرج مجموعة أشخاص إلى مناطق سيطرة النظام بحاجة للعلاج معظمهم من النساء, عبر معبر كراج الحجز في حي بستان القصر في حلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
" محمد بسبب مرض السكري اعتقلوه وغيّروا مسار حياته... ورضوان إلى اليوم، لا أحد يعلم عنهُ شيئاً."
محمد (29 عاماً) يعمل اليوم ممرضاً في صفوف الثوار. يروي لأقاربه حكايته، ورغبته بالحؤول دون تعرّض أي شخص لما تعرّض له في السجن.
يذكر محمد يوم ذهب برفقة إبن عمّه رضوان، من حي برزة البلد في العاصمة دمشق إلى منزل أخيه في ضاحية قدسيا غرب العاصمة. وكان قد دعاهما أخوه خالد للعشاء.
وصلا… أكلوا معاً، سهروا وضحكوا. وقدّمت زوجة خالد الحلوى. أمّا محمد فقد اكتفى بقطعة صغيرة منها، لأنهُ مُصاب بمرض السكري منذ الصغر. كان عمر محمد في حينها،٢٤ عاماً… تلك الأحداث أرويها، وقد حصلت ليلة الثامن من أيلول/سبتمبر٢٠١٢.
محمد ورضوان عادا إلى مكان سكنهما، في غرفة ضمن ورشة بناء في حي برزة. فقد كانا يعملان في الورشة. وفور وصولهما إلى الغرفة، كانت المفاجأة بوجود نقيب للأمن وعناصر آخرين، ينتظرونهما!
لم يقولوا لهما شيئاً، ولِمَ الكلام لطالما أسلوب النظام هو الضرب؟
استقبلوهما بالضرب المبرح بأدوات البناء، فقد كانا يسكنان بجانب حاجزٍ للنظام. بعد هذا الفصل من التعذيب، صرخ محمد يستغيث… كان يقول: “أنا مريض سكّري”. كان النقيب يضربه أكثر، وهو يقول له: “أنت تكذب”.
اعتقلوا محمد ورضوان، وكانت تهمتهما، أنهما يخططان لتفخيخ الحاجز الملاصق للورشة! لِم تلكَ التهمة؟ لأنهما من حماة. نعم فبالتالي هما مشروع إرهابيَين بنظر النظام!
لكنّ حقيقة الأمر، أنّ محمد مريض سكري، وكان أثناء مكوثه في الغرفة الملاصقة لحاجز النظام، يخرج إلى المرحاض بشكل متكرر في الليل، بحكم مرضه! ربما ذلك ما دعا الحاجز للشك بمحمد، ومعهُ رضوان!
لِمَ يخرج؟ يراقب الحاجز؟!
هذا ما دعا بأحد العناصر إلى التبليغ عن الأمر للنقيب. قال لهُ: “إنّ هذين الشابين يحاولان التسلّل ليلاً، وينتظران الفرصة السانحة لأن ينفذا الإعتداء!”
اعتقلوا محمد ورضوان، ولم يعلم بأمر اعتقالهما أحد! حتى ذهبَ متعهد البناء الذي يعملان لديه، نادى من أمام الغرفة: “محمد… رضوان”! لم يجد أحداً!
سأل الحاجز عنهما، فأجابه بوقاحة: “أخذناهما إلى السجن”! اتصلَ المتعهد بأهل محمد، أخبرهم عن الأمر!
وعلى الفور، حضر خالد شقيق محمد، استفسر من الحاجز عن الأمر، قال لهُ النقيب: “اعتقلناهما لضرورات أمنية”!
بدأت رحلة أهل محمد ورضوان، إلى الفروع الأمنية، وبشكل خاص فرع المخابرات الجوية في حرستا.
دامَ التعذيب لأربعين يوماً… ثمّ بعد التاكد من مرض محمد، تمّ فرزه إلى مستشفى تشرين في دمشق.
قاموا بتكبيله بالسرير، وحقنوه بالأنسولين.
مكثَ محمد في المستشفى لثلاثة أشهر، كان وضعهُ مزرياً نتيجة التعذيب وتدهور صحته! كانوا لا يطعمونه سوى قطعة بطاطا مسلوقة، ونصف رغيف من الخبز.
كان كل ذنب محمد أنهُ مريض سكري، تدعوه الحاجة للخروج من غرفته باستمرار! لم يكن يراقب الحاجز ولا نيته قتل مَن عليه! يروي لأقاربه ذلك بحسرة… كيف أنهُ ظُلم…
بعدما اعتُقل بين السجن والمشفى، لحوالي ستة أشهر… خرجَ محمد إلى الحياة مجدداً… رموا به على باب منزل أخيه في حي برزة. هناك بقيَ محمد لفترة في زاوية المنزل، وهو يبكي ويهمس بصوت مرعب: “ابتعدوا عنّي أنا جائع”.
تمّ نقل محمد مجدداً إلى المشفى… مكثَ فيه لأيام، ثمَّ حين تحسنت حالته، عادَ إلى قريته في حماة، وانضمَّ إلى صفوف الثوّار كممرّض. محمد بسبب مرض السكري اعتقلوه وغيّروا مسار حياته… ورضوان إلى اليوم، لا أحد يعلم عنهُ شيئاً.
زهرة الغاب (16 عاماً) من ريف إدلب تحمل الشهادة الأعدادية وهي متزوجة. تبحث عن عمل لمساعدة زوجها على تحمل أعباء المنزل.