ابني الذي رحل باكراً جداً

"كنت قد أسميته عبده، قبل أن تراه عيناي. رحل عبده ولم أكن قد ناديته باسمه. لا أستطيع وصف الحالة النفسية التي مررت بها بعد رحيله. ولا زلت كلما ذكرت اسمه أشعر بآلام الولادة والموت"

في 9 أوكتوبر/تشرين الأول 2013، تزوجت ابن خالتي. كنت قد أحببته قبل الزواج، وأمضيت معه أياماً جميلة لأنني أحبه.
بعد مرور نحو عامين كان حملي بابني، مفاجأة سارة للجميع، ولزوجي خاصة. أنهيت التسعة أشهر وأنا فرحة جدا. كنت أعد ملابس الطفل الصغير، و السرير، والفراش الذي كنت أحلم أن ينام فيه. ورغم ظروف الحرب إلا اني كنت مرتاحة جدا مع زوجي وطفلي الذي سيبصر النور قريباً.
في يوم بارد نوعاً ما. كنت أنا وبيت عمي نازحين في بلده صلوة الحدودية. كنت جالسة هناك معهم. شعرت بوعكة في بطني، ذهبت مع زوجي وأمه الى المشفى في بلدة الدانة المجاورة. في الطريق كنت أتألم بشدة لكنني كنت فرحة. أما وزوجي فكان خائفاً عليّ جدا .
وصلنا اخيراً إلى المشفى بعد طول عناء. كان الألم يمزق أحشائي. إنه الألم الذي يمهد لقدوم طفلي إلى الحياةـ ولكنه ألم يكاد يقتلني. ولكن لم يكن هناك من مفر، الالم واحد ولا يغيره الفرح.
بعدما وصلنا إلى المشفى فحصتني طبيبة، وأرسلتني إلى غرفة بانتظار مخاض الولادة. كانت هناك ثلاث نسوة يلدن في نفس الغرفة. كان المنظر مرعباً بالنسبه لي. إنها الولادة الأولى، ولا أعلم ما سيحدث معي. كان الخوف يجعلني أتصبب عرقاً. جلست جانباً، وبدأت انظر حولي، وادعو الله في كل لحظة.
دخلت أكثر من طبيبة الغرفة التي كما فيها. وصفت لي إحداهن محلولاً، وضعوه لي على شكل سيروم . وبدأت عملية الولادة الطبيعية، إلّا ان الالم كان يزداد ولم أستطع الولادة. بدأت أتألم وكأنّ هناك ما يمزق أحشائي دون أن أستطيع أن أتخلص من تلك المغصات التي كادت تودي بحياتي.
على مدى 3 ساعات كنت أعاني بين الحياة والموت. تم حقني بالكثير من التركيبات الدوائية المحرّضة على الولادة. انها مشكلة الوضع الاستشفائي السيء نتيجة الحرب. لا أدوات ولا تجهيزات، والكثير من الأطباء هاجروا. لم أشعر بأجواء مريحة.
وبعد عذاب طويل ومرير، خرج طفلي إلى الحياة في 9 كانون الأول/اوكتوبر 2015 . ولكنه لم يبكِ، ولم يتحرك. اسرعت الطبيبة بأخذه الى طبيب الاطفال. أما أنا فلشدة ما عانيت غرقت في نوم عميق.
وبعد ساعات على الولادة، استيقظت لأجد زوجي ووالدته بجانبي. ولكني لم أجد طفلي. سألتهم: “أين طفلي؟” قالوا انه في الحاضنة وانه بخير ولا داغي للقلق. ارتحت قليلاً لاني احسست ان طفلي بخير.” ليس به مكروه” سألت زوجي فأجاب: “نعم ليس به مكروه”.
بعد مضي النهار، طلبت من زوجي اصطحابي لأرى طفلي، لكنه رفض. وبعد إصراري أخذني الى قسم الحاضنات يحيث كان طفلي موجوداً. صادف أن دخل طبيب الأطفال خلفنا. سألته عن وضع طفلي أجابني: “الطفل مصاب بحالة اختلاج، وكان يجب أن تكون الولادة قيصرية، لأن عنق الرحم ضيق جداً.
كدت أن أغيب عن الوعي. هل سأفقد طفلي، الذي انتظرته أكثر من عامين. نظرت الى طفلي وكان نائماً، لا يتحرك فيه سوى ذاك النبض البسيط. سألت طبيبي أنا أرتجف: “هناك أمل أن يعيش؟” أجابني الطبيب: “هناك أمل ضعيف جداً، و لكن الأعمار بيد الله”.
عدت إلى غرفتي مكسورة الخاطر. عاش ابني بعدها لثلاثة ايام .استيقظت في اليوم الرابع على صوت زوجي وهو يبكي بشدة خارج غرفتي. عرفت أن ابني فارق الحياة. ذهبت إليه وأنا احمل حسرات الكون في صدري. ضممته طويلاً إلى صدري. وعدنا به إلى القرية حيث دفنّاه.
كنت قد أسميته عبده، قبل أن تراه عيناي. رحل عبده ولم أكن قد ناديته باسمه. لا أستطيع وصف الحالة النفسية التي مررت بها بعد رحيله. ولا زلت كلما ذكرت اسمه أشعر بآلام الولادة والموت. كان زوجي دائما بجانبي يخفف عنذي وهو بحاجة لمن يخفف عنه. لقد خسرنا ابننا البكر.
حملت بعدها بفترة، بابنتي ياسمين. لكنني قطعت عهداً على نفسي انني لن أسمح لأحد بسرقتها مني. لذلك ذهبت في موعد ولادتي في 25 كانون الأول/ديسمير 2016، إلى دمشق حيث يسكن أهلي. وأجريت عملية قيصرية في مشفى المجتهد في العاصمة. وعدت من دمشق ياسمينة سوريا، وانا أضم على صدري ياسمينة عمري ابنتي!!
شيماء الفارس (23 عاماً) نازحة في ريف إدلب، خريجة جامعية، متزوجة وأم لطفلة.