ابتزاز بعد اعتقال أو اعتقال للإبتزاز
"هو الإعتقال الثاني لزوجي، قررت بعده أن هذا الوطن لم يعد يتسع حتى لشهقات بكائنا، فصوتنا قد يزعج ضباع النهار ووحوش الليل. وحينها قررت الرحيل بلا عودة..."
جاؤوا على شكل زيارة ودية، أو هكذا زعموا. كانوا 3 أشخاص والخبث سمة وجوههم ولحاهم النتنة سمة لملامحهم. يدّعون أنهم يرغبون بمصلحتي وإنقاذ حياة زوجي.
سردوا روايتهم وأنا استمع لكلامهم، ما بين مصدقة ومخونة. لكن صمتي بقي صاحب الموقف.
الرجل الرابع الذي اصطحبهم كان الوسيط وهو صديق زوجي. كان ينظر إلي ويطلب مني الاستماع بإيماءة من وجهه للحظة شعرت أن ملامح وجهه باتت تشبههم تماماً. بل كأنه شريكهم في الإبتزاز.
كانوا يحاولون إقناعي أنهم وبعد طول عناء نجحوا بتخفيض المبلغ المطلوب لإطلاق سراح زوجي الذي كان معتقلاً، من 5 ملايين ليرة إلى مليون ونصف المليون ليرة سورية فقط.
زوجي مرمي في فرع الأمن السياسي، مهدد بالقتل أو التغييب إن لم أدفع. بينما هؤلاء الحثالة أمامي يتكلمون عن المال. بدأت أشعر بالضيق بسببهم، أتنفس بصعوبة من كلامهم.
كانت صديقتي في المطبخ تصنع القهوة، كنت قد اتفقت معها أن تتصل بزوجها فوراً عند أي خطر أتحسسه منهم. وهم كان شرطهم ألّا يتواجد أي رجل في المنزل مع إعطائنا الأمان كما يدّعون.
احتسوا قهوتهم بكل هدوء وبكل الجهد المبذول مني كي أبدو مرحبة ً بهم. انتهت الزيارة واتفقنا على المبلغ، ولا ضمانة سوى كلمتهم القذرة. بينما زوجي يقبع في إحدى زنازينهم.
خرجوا وبقيت وحدي أتذكر روايتهم. أخبروني أن زوجي بقبضة الأمن السياسي. وعلي الإسراع بدفع المال قبل أن يتم نقله أو تصفيته. وعندها لن ينفع الندم.
أخرجت من صندوقي الصغير ما تبقى من مصاغي… خاتم زواجي وسوار لا يوحي بأنه سيجلب الكثير من المال… لكن لابأس مع ارتفاع أسعار الذهب. لا شيء رخيص في هذه البلاد سوى أرواحنا وأجسادنا القابعة في بيوتنا العفنة، أو زنازينهم المعتمة.
في اليوم التالي بعت ما بعت، ووقعت على سندات أمانة بما تبقى من مال. في غضون ساعة جاء وسيط حثالتهم وأخذ المبلغ، دون حضور أي ظل يشهد على سرقتهم الموصوفة…
عدت إلى منزلي أنتظر باقي الوصفة السحرية أن أنتظر وأنتظر فقط. بعد انتظار 10 أيام أيقنت أنني خسرت مالي وذهبي وربما زوجي.
حين رنّ جرس المنزل اعتقدت أنها صديقتي فهذا موعد زيارتها اليومية للإطمئنان على حالي. فإذا به زوجي عند باب المنزل مع أصدقائه. كان بحالة يرثى لها. والغريب أن الوسيط صديق زوجي لم يكن معهم.
مضت الأيام لأعلم أن زوجي كان سيطلق سراحه بكل الأحوال، لكن الحثالة الذين كانوا في منزلي، يطّلعون على القوائم ويقومون بابتزاز العائلات لتحصيل ما أمكن من النقود.
هو الإعتقال الثاني لزوجي، قررت بعده أن هذا الوطن لم يعد يتسع حتى لشهقات بكائنا، فصوتنا قد يزعج ضباع النهار ووحوش الليل. وحينها قررت الرحيل بلا عودة…
سمر ادريس (35 عاماً) من قرى حمص أم لطفلة. خريجة حقوق من جامعة دمشق عملت محامية وحالياَ مقيمة في فرنسا. عملت قبل خروجها من سوريا ضمن فريق تطوعي للدعم النفسي للمعتقلات اللواتي تم الإفراج عنهن.