إنتاج وسائل تعليمية لمساعدة الطلاب السوريين
الطلاب أمام وسائل العرض الإيضاحية تصوير سونيا العلي
أطلقت مؤسسة “بالعلم نرتقي” مشروعاً تربوياً مختلفاً عن السائد. استعانت المؤسسة بالرسام أسامة رسلان (40 عاماً) لينتج مضمونا يلاقي المادة التربوية ويجذب انتباه الطلاب ويشجعهم على التفاعل والتواصل.
بعدما تضررت أبنية المدارس بفعل الحرب الدائرة في سوريا جراء ما لحق بها من دمار، وإشغالها من قبل النازحين في بعض المناطق، وتسرب الطلاب منها. جاء مشروع “بالعلم نرتقي” ليقلب المغادلة من جديد. ويعيد الأمل بجيل متعلم.
يقول الرسام رسلان: “نعمل على تصميم وصنع الوسيلة الداعمة للمحتوى التعليمي. حيث نراعي فيها عنصر التشويق والإثارة، ويهمنها أن تكون ملائمة لموضوع وأهداف الدروس ومتناسبة مع مدارك الطلاب. كما يجب أن تكون بسيطة وغير معقدة حتى لا تشتت ذهن الطالب عن موضوع الدرس”.
يقدم المشروع بحسب رسلان مجسمات ولوحات تشريحية، وخرائط وجمل وحروف وغيرها من الوسائل المستمدة من المناهج التربوية في مرحلة التعليم الأساسي، ويستخدم في تلوينها ألواناً زاهية وجميلة للفت انتباه الطلاب وفهم المعارف والعلوم، كما يستخدم في صناعتها نوعاً معالجاً متيناً من الأقمشة لا يهترئ مع الزمن بسهولة لتتمكن المدارس من الاستفادة منها لفترات طويلة”.
ويضيف رسلان: “نحن نشجع التلاميذ على إنتاج الوسائل التعليمية البسيطة بأنفسهم. ليخرج الطالب من الطرق التلقينية النمطية في التعليم إلى الابتكار والإبداع”.
مديرة المؤسسة مريم شيروط (39 عاماً) من معرة النعمان تتحدث لحكايات سوريا عن أهداف المشروع قائلة: “نحاول الانطلاق بالعملية التعليمية في ظروف صعبة. وتطويرها بشكل إيجابي لنساعد الأطفال على تعويض ما فاتهم من تعليم بطريقة ميسرة ومرنة، وذلك من خلال استخدام وسائل حديثة في التعليم”.
وتضيف شيروط “قمنا بتصنيع الوسائل لتكون عوناً للطلاب على استيعاب المادة الدراسية، بعد أن تنبهنا إلى أن معظم مدارس إدلب تفتقر إلى هذه الوسائل. بداية أنشانا فريقاً متمرناً ومتخصصاً بهذا المجال ومؤلف من عدد من المدرسين والرسامين، وبدأنا في 31 آب/أغسطس 2016”.
وتشير شيروط إلى أن المؤسسة تقوم بتقديم الوسائل لمدارس إدلب بسعر التكلفة، نظراً لعدم وجود جهة داعمة للمشروع، بحيث يقوم ممثل عن المدرسة بزيارة المؤسسة لتقديم طلب بالوسائل التي تحتاجها مدرسته، فتقوم المؤسسة بإنتاجها محلياً وباستخدام أدوات بسيطة.
وتتضمن وسائل الإيضاح التي تم إنجازها من قبل مؤسسة بالعلم نرتقي، الحروف والأرقام والرسومات والخرائط واللوحات التشريحية الموجودة في الكتب المدرسية لمرحلة التعليم الأساسي ولكافة المواد الدرسية. بعض هذه الوسائل مرسومة على قطع قماشية متينة بشكل أوضح مع التسميات، حيث يقوم المعلم بتعليقها على اللوح أثناء شرح الدرس ليستعين بها على إيصال المادة العلمية وسائر المعارف، وإيضاح وتثبيت المعلومات في ذهن الطالب، بحيث لا يعتمد المعلم على الألفاظ وحدها وإنما يقرنها بالخبرات الحسية أيضاً، وبذلك تتيح للطالب استخدام حواسه المختلفة في استيعاب الدرس .
مدرس لمادة العلوم جميل المحمد (28 عاماً) من قرية التح في ريف إدلب يعتبر “أن الوسائل هذه تعتبر وسيلة أساسية من أركان العملية التعليمية، ولا يمكن الاستغناء عنها لأنها تمكن الطالب من الاستيعاب والتحصيل بأقل جهد ممكن”.
ويقول المحمد: “أستعين بهذه الوسائل لايصال المادة العلمية والقيم إلى أذهان الطلاب، كما تعمل على إثارة اهتمام الطلاب بموضوع الدرس مما يمنحهم النشاط والرغبة بالتعلم، كما توفر الوقت عند شرح المادة العلمية. وتنقل المعلومات التي قد يصعب فهمها باستخدام الأساليب التقليدية كما تلعب دوراً جوهرياً في إثراء التعليم وتثبيت المعارف في ذهن المتلقي”.
الطالب في الصق التاسع من مرحلة التعليم الأساسي فيصل صوراني (15 عاماً) من معرة النعمان يتحدث لحكايات سوريا قائلاً: “في ما مضى كنا نجد صعوبة في فهم دروسنا خاصة لأننا نضطر خلال سنوات الحرب لاستخدام كتب قديمة لا تحقق لنا الفائدة العلمية كما يجب. ولكن بعد حصول مدرستنا على الوسائل التعليمية أتاحت لنا خبرات متنوعة من خلال المشاهدة والتأمل والتفكير. كما تساعدنا على الابتعاد عن النسيان من خلال تثبيت المعلومات لتذكرها واستحضارها عند الحاجة لأنها تبقى في أذهاننا حية ذات صورة واضحة”.
معلم للصف الأول في إحدى مدارس المدينة أحمد غريب (31 عاماً) من معرة يعتقد أن لا غنى له عن استخدام الوسائل خلال الحصص الدرسية وعن أسباب ذلك يقول : “الطفل في المراحل الأولى من دراسته يعتمد على الصورة والوسيلة التعليمية في تلقي الفكرة وتوضيح المعاني بطريقة مشوقة، مما يجعل التلاميذ أكثر استعداداً وأكثر نشاطاً وحيوية خلال الدرس لذلك أكثر من استخدام الوسائل المحسوسة التي تحاكي الواقع كالمجسمات ومن الممكن في بعض الأحيان الاستغناء عن الكتاب المدرسي في حال توفر الوسائل لإيصال مضمون الدرس بأسلوب مبسط وملائم لفطرة الطفل”.
المعلمة حنان (26 عاماً) تساهم في إنتاج الوسائل بعد الانتهاء من دوام المدرسة. وتجد حنان في هذا العمل سعادة ورضا. وتشير إلى ذلك بقولها: “الحاجة تبعث في الإنسان الرغبة في العمل والاندفاع في مضمار الإبداع والإنتاج، لذلك أردت أن أساهم في إنتاج هذه الوسائل التعليمية لأطفال المدارس، لأنها تجذب أنظارهم وتستهوي أفئدتهم، كما نحاول أن تكون متكاملة مع المنهاج لتحقيق الفائدة المرجوة”.
استفاد من المشروع حوالي 400 مدرسة في إدلب وريفها، بحسب شيروط. وافتتحت المؤسسة معرضا للوسائل المنتجة، حضره عدد من مدراء المدارس والمعلمين والقائمين على العملية التعليمية في إدلب، وقد أبدوا تفاؤلهم بالمشروع وأهدافه السامية .
تختتم مديرة المؤسسة كلامها قائلة: “لا ندخر أي جهد ممكن في تعليم الأطفال وتحسين العملية التعليمية في إدلب وريفها لنزيل ظلمة الجهل عن عقول طلابنا، ونساعدهم على تخطي الصعاب نحو قيادة الحياة وتحقيق مستقبل زاهر”.