إلى عفرين
شبان ينزحون من مدينة الى مدينة اخرى في اليونان - تصوير احمد الخليل
"كنت يومها أذاكر لأطفالي ما تعلموه في المدرسه، عندما دخل زوجي وأخبرني أنه سيذهب في اليوم التالي إلى عفرين مع غيره من اللواء."
كان الجيش التركي قد أحكم سيطرته على مدينه عفرين، عندما قررت بعض الفصائل الذهاب للقتال معه. ذهبت أنا وزوجي إلى بيت اهلي لزيارتهم.
خلال الزيارة استمعت إلى زوجي واخي يتحدثان عن أسرى من بلدة معرة حرمه، لدى الأكراد.
أحسست بالخوف والخشية عليهم. قالوا أنهم نحو 15 شاباً. راحت أمي تندب على أمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم. يالطف ربي بهم ماذا سيحل بهم، بعد مقتل هؤلاء الشباب؟
أحسست بالخوف الشديد. وسألت أمي: “لماذا ذهبوا إلى هناك؟
أجابتني: “يا بنيتي لكل منهم سببه الخاص، ولكن الجميع لديهم نفس السبب. ذهبوا كي يتقاضوا رواتب لهم كي يعيشوا من وراءها بعد أن أصبح الدعم للجيش الحر من تركيا فقط.”
كان زوجي قد التحق بفصيل تابع للجيش الحر منذ أشهر. وبدأت أتساءل هل سيطلبونه الى هناك؟ وبعد ان أمضينا السهرة وعدنا الى منزلنا، وقبل النومي بدأت بالتحسر. سألني زوجي: ” مابكِ؟”
أجبته: “أحزن لحال هؤلاء الشباب”.
قال لي: “لن يحصل إلا ما كتب الله لهم.”
أحسست ببعض الارتياح، ثم غرقت في نوم عميق.
استيقظت صباحاً، هيأت أطفالي للذهاب إلى المدرسة. ذهب زوجي إلى المقر الذي كان يداوم فيه 6 ساعات يومياً. كان دوه ضمن فرقة الحرس النهاري للمقر. كنت أحمد الله كثيراً أنه يعمل هنا، ولا يضطر للذهاب إلى المعارك.
قبيل منتصف النهار وقبل موعد قدوم زوجي بساعة، أغارت إحدى الطائرات الحربية على المقر الذي كان يحرسه. سمعت من الجيران أن الغارة استهدفت المقر التابع لبلدة معرة حرمه من الجهة الغربيه.
إنه المقر الذي يعمل فيه زوجي .أصابني الهلع. قدماي ترتعد، وقلبي يدق بعنف. وما هي إلّا دقائق حتى قدم زوجي والغبار يغطيه. ركضت نحوه بجنون عانقته وسألته: “هل أصبت بمكروه؟”
أجابني: “حمدا لله لم أصب بشيء عدا تلك الرضوض التي في قدمي بسب السقوط على الأرض.”
حمدت الله على سلامته. أخبرني عن وجود العديد من الإصابات الخفيفه بين أفراد الحرس الذين كانو بالمقر، والحمد لله.
وبعد أيام على تلك الحادثة، قرر قائد اللواء أن يقوم بإقفال المقر وصرف عناصر الحراسة، ونقل الأسلحه المتواجدة هناك إلى مقر آخر، لم تكن المرة الاولى التي يتم استهدف المقر فيها.وقرر إرسال جميع العناصر الذين كانوا يقومون بالحراسة إلى عفرين. فلم يعد لهم عمل هنا. والذي يرفض سيفصل ويحرم من مرتبه الذي يعتاش منه.
كنت يومها أذاكر لأطفالي ما تعلموه في المدرسه، عندما دخل زوجي وأخبرني أنه سيذهب في اليوم التالي إلى عفرين مع 9 غيره من اللواء.
أصبت بالصدمة والخوف. ففي ذاك اليوم أحضروا شهيدا من عفرين استشهد بفعل لغم أرضي زرعه الأكراد. الخوف عليه والخوف من الفقر والضيق أمران متلازمان، لم أستطع الاختيار بينهما. حاولت إقناعه بعدم الذهاب لكنه لم يقبل. وأخبرني أن حاله كحال الكثيرين، وأنه سيذهب شاء أم أبى .
استسلمت للأمر الواقع، وذهب زوجي في صباح اليوم التالي. أخبرني أنه سيعود بعد 10 أيام. ودعته ودعوت الله أن يعيده لي سالماً. أحسست حينها بغربة موجعه. بدأت أحس بفقدانه. أجبرت نفسي على التحمل ولكن في ساعات الليل الأخيرة كانت حالة من الاختناق تنتابني. أين سأذهب وأين المفر من ذاك الضيق الذي يسكن روحي؟
هروب من كل شيء. من جحيم الحرب من الفقر من الخوف من الطيران من الظلم .لم أشأ أن تنتهي حياتي على تلك الشاكلة. كنت أحلم بالسلام فقط، أنا وزوجي وأطفالي. ولكن هذا أصبح مجرد حلم ولن يتحقق أبداً. الهروب من كل شيء أصبح مستحيلاً. حيثما أذهب تعود تلك الحرب لتلبسني حلّة من وجع وألم رغماً عني.
ذهب زوجي ولم يكن معي سوى ألف ليرة سورية. لم تكن تكفي أبداً. وبدأت أستدين، الخبز من بائع الخبز، والخضار من بائع الخضار. أما الغاز والكاز وغيره، فقد نسيته بسب قلته وغلاء سعره. أصبحت أطبخ على بقايا أكياس النايلون وما شابه، منتظرة الفرج من الله، لعله يكون قريباً وأنا لا أدري…
ضحى عباس (40 عاماً) من ريف إدلب، ربة منزل، وأم لخمسة أبناء.