إصابة أخي واحتراق الخيمة!

بدأت معاناتنا بعد أن خسرنا منزلنا، حين أحرقَهُ النظام، واستقرينا في منزلٍ، نزحنا إليه في بلدةٍ أُخرى.

كان المنزل مريحاً يُشبهُ بيتنا، لكنَّ الطائرات كانت تُسقط صواريخها، بالقرب منه. وبعد فترة، من نزوحنا إلى هذا المنزل واعتيادنا عليه، جاء أحد أبناء صاحبه، وقد انشقَّ عن جيش النظام… وعائلته تتألف من سبعة أشخاص. وأرادَ المكوث في المنزل.

بدأ والدي بالبحث عن مكانٍ آخَر نلجأ إليه، خاصة وأنَّ أخي الكبير أحمد، قد انشقَّ عن النظام أيضاَ، وكان قد تزَّوج، ورزقه الله بطفل. وبعدَ بحثٍ طويل، لم نجد مكاناً نلجأ إليه… إلى أن عرضَ علينا أحد أصدقاء أخي مساعدتنا، بإسكاننا في منزل أهله، الذين كانوا في تركيا، ريثما يعودون. فكانت فرحتنا كبيرَة لا توصَف…

بعد أيام، قرَّرَ أخي الصغير أُسامة أن ينضَم إلى صفوف الجيش الحر! لكن بسبب خوف أمي عليه، صارت تحاول منعه من الذهاب. لكنهُ كان مصراً. فالتحق بهم، وخرج في معاركٍ كثيرة. بعد ذهاب أخي، لم تتوقَّف دموع أمي… حتى مرَّ شهرٌ تقريباً، وعادَ إلى البيت في استراحة مُحارِب. عندما رأتهُ أمي ضمَّتهُ إليها بشدَّة… وحضَّرتُ أنا لهُ الغداء، وكانت أمي تجلس بجانبه، لا تُريد أن تفارقه أبداً… جلسنا جميعاً بجانب أخي، وبدأنا نسألهُ عن نضاله في الثورة، ولم نشبَع من الكلام معهُ… أمضينا المساء كله على هذا الحال… وفي صباح اليوم الثاني، ودَّعَنا أخي، وعادَ إلى القتال…

لم تكد تمضي بضع ساعات، حتى جاء أحد أصدقائه وأخبرنا، أنَّ الطائرة استهدفت مكان تواجد أخي مع رفاقه… وبأنه أُصيبَ بشظايا في جسمه، وقد تمَّ نقله إلى مستشفى أورينت على الحدود السورية التركية.

عندما سمعت أمي بنبأ إصابة أخي، أُغميَ عليها. وقمتُ برشِّ الماء على وجهها، حتى استيقظت وهي تصرخ وتقول: “أريد الذهاب إليه… أريد رؤيته!”

قصدَ أخي أحمد جارنا الذي يمتلك سيارة… وأخذَ أمي وذهبتُ معهما، لرؤية أخي. عندما وصلنا إلى المستشفى، رأيتُ المُصابين، وقد كانت حالتهم مؤلمة جداً… كان أخي في غرفة العمليات… وانتظرنا خروجه، بفارغ الصبر… بعد ساعة من الإنتظار، خرجَ الطبيب ليخبرنا، أنه تمَّ إخراج جميع الشظايا من جسد أخي بنجاح… ثمَّ تمَّ نقله إلى غرفة، يوجد فيها ثلاثة شبَّان مُصابين… كان أحدهم قد بُتِرَت إحدى قدميه… حمدنا الله على حالِ أخي، قياساً بمصائب أكبر من مصيبته.

بقيت أمي في المستشفى، كي تبات ليلتها إلى جانب أخي… وذهبتُ أنا إلى خالتي، التي نزحت إلى إحدى المخيمات القريبة من الحدود التركية. عندَ وصولي إلى المخيم، وجدتُ أنَّ الوضع فيه مأساوي بشكلٍ كبير… مياه مُتسخة تجري بين الخيمة والأخرى، ويوجد الكثير من الحشرات بسبب تجمُّع المياه! كنتُ مرهَقة كثيراً، فطلبتُ من خالتي كأساً من الماء… لم أكن أعلم في حينها، أنه يتوجَّب عليها الذهاب إلى مكانٍ بعيدٍ، كي تُحضرَ الماء!

ترفع وطفلها العلم في احتفالية ذكرى الثورة في حي الكلاسة في حلب. تصوير صلاح الأشقر
ترفع وطفلها العلم في احتفالية ذكرى الثورة في حي الكلاسة في حلب. تصوير صلاح الأشقر

كنتُ أنتظرُ عودة خالتي، جلستُ على حقيبتي… سمعتُ أصواتَ الناس تصرخ، وتقول: “حريق حريق… الخيمة تحترق!” خرجتُ من الخيمة، فرأيتُ خ

يمةً تحترق على بعِد أمتار… وكان هناك امرأة تقف بالقرب من الخيمة، ولا تستطيع الدخول إليها، وتصرخ: “أنقذوا طفلي… إنهُ يحترق”!

وبسرعة، بدأَ الرجال بإطفاء الحريق… واستطاعوا إنقاذَ الطفل، وهو مُغمى عليه… فحملتهُ أمه وضمَّتهُ إلى صدرها… كان ذلك اليوم من أسوأ أيام حياتي، التي مررتُ بها…

أمضيتُ الليلة عندَ خالتي… وفي صباح اليوم التالي، خرجَ أخي من المستشفى، وذهبنا إلى المنزل. حينها، كل ما كنتُ أحملهُ هوَ فقط، تلكَ الذكريات المؤلِمة.

نور المصطفى (26 عاماً) من كرناز في ريف حماه. متزوجة ولديها طفل وهي ربَّة منزل. نزحت عدة مرات، لتستقر حالياً في إدلب.