أين ذهب النّحل السوري؟
مناحل أبو ياسر تصوير مؤيد العقدة
يحاول أبو ياسر جاهداً تغطية خلايا النحل التي يمتلكها بشادر من النايلون، حتى يقيها من برد الشتاء. في مثل هذه الأيام من السنة كان أبو ياسر ينقل خلاياه من النحل إلى اللاذقية حيث مراعي بساتين الليمون والبرتقال المزهرة، أما اليوم ينقلها في جهات عدة من أحراش المدينة، علّها تكون أقل برودة.
تراجعت تربية النحل في محافظة إدلب مع اندلاع الأحداث في سوريا في العام 2011. تعتمد تربية النحل على التنقل بين المحافظات للبحث عن مراعي، في مناطق أقل برودة. ومع اندلاع الأحداث، لم يعد بإمكان المربين في إدلب أخذ مناحلهم إلى اللاذقية معقل النظام (تخضع لسيطرة الجيش التابع للحكم في دمشق) خوفاً على أنفسهم، ولا حتى إلى محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خوفاً أيضاً من قصف التحالف الدولي، ومن تنظيم الدولة نفسه.
إضافة إلى عدم القدرة على التنقل بين المحافظات، ارتفعت أسعار الأدوية التي تستخدم في علاج النحل تسعة أضعاف، وعدم توفرها أحياناً، مع إصابة خلايا النحل بأمراض جديدة لم تكن موجودة، كل ذلك أدى إلى وفاة معظم خلايا مربّي النحل.
وبحسب المهندس الزراعي عبد الرحيم البحوش (39 عاماً) “كانت محافظة إدلب تحتل وفق إحصائية أصدرتها وزارة الزراعة التابعة للحكومة السورية، المرتبة الأولى من حيث إنتاج الخلايا للعسل، قياساً بالانتاج الكلي في سوريا، ويقدر عدد الخلايا بـ 700 ألف خلية”.
ويضيف البحوش: “تراجعت محافظة إدلب إلى المرتبة الثالثة في مجال تربية النحل بعد محافظة ريف دمشق وحمص واللاذقية منذ العام 2009، وتتركز تربية النحل بشكلٍ أساسي في محافظة إدلب في كل من معرة النعمان وسهل الروج الشمالي والجنوبي ومدينتي أريحا والدانا”.
يعاني أبو ياسر(54 عاماً) وهو مربي نحل من مدينة كفرنبل من مشاكل عدة، تبدأ بعدم قدرته على نقل خلاياه، وموت أكثرها، وإصابتها بأمراض جديدة مع عدم توفر الدواء. ويقول أبو ياسر: “في مثل هذه الأيام من السنة كنت أجهز الخلايا من أجل نقلها إلى اللاذقية حيث الجو المعتدل، وتفتح أزهار البرتقال والليمون. االلاذقية تعتبر مراعي جيدة للنحل، أما الآن لا أستطيع أخذ النحل إلى الساحل، ما يعرض الخلايا للموت بسبب البرد”.
كان يمتلك أبو ياسر أكثر من ألف خلية قبل اندلاع الأحداث في سوريا، أما اليوم وبعد موت معظم خلايا النحل بقي لديه 300 خلية.
أبو ياسر يقول: “بسبب شدة البرد في محافظة إدلب تعرضت أكثر من نصف الخلايا التي امتلكها للموت، وأنا أحاول أن أنقلها إلى منطقة أدفأ في أحراش المدينة، وأحفظها أحيانا بتغطيتها بشوادر من النايلون، لا أملك سوى ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
يواجه علي الخلف (44 عاماً) مربي آخر من مدينة بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي، الصعوبات نفسها في نقل الخلايا من محافظة إلى أخرى، ويعاني أيضاً من تعرض النحل لأمراض جديدة، ومع ارتفاع أسعار الدواء أصبح من الصعب على الخلف الاستمرار في تربية النحل. ما دفعه إلى بيع ما تبقى لديه من خلايا النحل، وترك العمل في تربية النحل حتى تهدأ الأوضاع.
ويقدر المهندس الزراعي عبدالرحيم البحوش “ارتفاع نسبة قيمة الأدوية إلى أكثر من عشرة أضعاف عما كانت عليه في ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا، بالإضافة إلى عدم توفر معظم هذه الأدوية، ما دفع معظم مربي النحل للتخلي عن تربيته”.
تراجع تربية النحل في محافظة إدلب أثر بشكل كبير على إنتاج العسل وتجارته، فمعظم تجار العسل هم من المربين أنفسهم، حيث يقول تاجر العسل دفاع العقدة (50 عاماً): “من الطبيعي أن يؤثر تراجع تربية النحل على إنتاجه وتجارته، فمعظم إنتاجي من العسل تراجع إلى أقل من النصف، ومع ارتفاع سعر الكيلو الواحد من العسل إلى أكثر من سبعة آلاف ليرة سورية، تراجعت رغبة الناس بشرائه”.
وبحسب طبيب الأعشاب صالح الشعبان (43 عاماً) أن “رغبة الناس في شراء العسل تراجعت، بسبب تراجع دخل الفرد مع تدهور الليرة السورية أمام الدولار، واقتصر استخدامه على أغراض التداوي الطبيعي”.
أم أيمن ربة منزل من مدينة كفرنبل (37 عاماً) كان منزلها لا يخلو من العسل، لكنها تعتقد اليوم أنه من الترف أن يكون العسل في منزلك، وهناك ما هو أبدى من شرائه.
المهندس الزراعي محمد البحوش يقول “إن محافظة إدلب ووفقاً لآخر إحصائية لوزارة الزارعة في حكومة النظام، تشير إلى تراجع عدد الخلايا فيها من 700 ألف خلية، إلى 100 ألف خلية، ومن ثلاثة آلاف طن من إنتاج العسل سنوياً إلى ما يقارب ثلاثمئة طن من العسل في العام الماضي”.
على الرغم من الخسائر الكبيرة التي عرفها مربّو النحل يؤكد أبو ياسر أنه لن يستسلم وسيتابع عمله في تربية النحل. ويقول: “لا أبالي كثيراً بخسائري في تربية النحل، فأنا أعشق تربية النحل، وعملي فيها هواية أكثر منها فائدة مادية، وسأتابع تربية النحل حتى لو تبقى لدي خلية واحدة فقط”.