أيتام إدلب معاناة لا تنتهي مع انتهاء الحرب
طفل يتيم يعمل رغم صغر سنه وعليه توفير الطعام لعائلته تصوير نهى الحسن
لم تخلّف الحرب السورية المدمرة للأطفال على مدار تسع سنوات إلا المعاناة والفقد والحرمان.لم تكتفِبخطف الأب أو الأم أو كليهما، وإنما تطاولت على براءة أحلامهم فحطمتها، وتركتهم عرضة للشارع ومخاطره.منهم بائع العلكة والآخر بائع للسجائر والبعض متسول أو مجند مقابل حفنة من مال لا تسد الرمق.
الطفل سامي(11 عاماً) من مدينة سراقب يحمل بيده كل يوم محفظة لبيع السجائر بدلاًمن الكتب والدفاتر.زمن الحرب ثمن الكتاب ثمن علبة السجائر. سامي اضطر لترك المدرسة بعد أن وجد نفسه بلا أب،وأمه تعاني من نوبة قلبية بالإضافة لمرض السكري، ناهيك عن ثمن الأدوية.
يقول سامي لحكايات سوريا: “أقف على قدميّ من الصباح وحتى أذان العصر، أتنقّل من سائق لسائق لأبيع السجائر.أنتج ما يكفي لقوتأمي وإخوتي الثلاثة، أتناول وجبة طعام واحدة باليوم لتوفير المال، وعندما أعود إلى البيت أعود مرهقا ولا أرغب سوى بالنوم”.
تقول والدة سامي والألم يعتصر قلبها:”لقد فرضت هذه الحرب القاسية علينا أن نضع أولادنا بين فكي العمالة والجهل،وبالتالي القضاء على أحلامهم ومستقبلهم. هم يعملون منذ الصباح وحتى آخر النهار من أجل مبلغ زهيد،ناهيك عن سخرية بعض أقرانهم منهم وتحويلهم إلى دمية وأداة للتسلية بالشارع”.
لاتختلف معاناة سامي كثيرا عن مرارة حياة الطفلة رهف (9 أعوام)،فهي تسابقهفي نفس الشارع بين السائقين لتبيع لهم الجوارب.استشهد والدها وتركها وحيدة مع أمها التي أصيبت بكسر بعمودها الفقري إثر شظية صاروخاستهدفمنزلهم.أرباح رهف من بيع الجوارب في كل يومتقاربالـ500 ليرة سورية، وهي لاتؤمن حتى أدنى متطلبات المعيشة.
فيسوريايتم تجنيد هؤلاء الأطفال للقتال في المعارك إلى جانب الفصائل العسكرية مقابل مبالغ مالية.الطفل مهيب السعيد(14عاماً) من نازحي الغوطة الشرقية.يقطن مع أمه وإخوته الستة في أحد مخيمات ريف إدلب الشمالي.
يقولالفتى مهيب:”بعد وفاة والدي في هذه الحرب أصبحت معيلاًلأمي وإخوتي.اضطررت أن ألتحق بإحدى الفصائل العسكرية المقاتلة في الشمال المحرر مقابل سلة غذائية وراتب قدره 25 ألف ليرة سوريةشهرياً.قلة فرص العمل وسوء الأوضاع الإقتصادية والمعيشية لم يترك لي خيارا أفضل”.
وتكتمل معاناة الكثير من الأيتام عندما يشمل الفقد الأب والأم معا. قسمقليل جداًمن هؤلاء الأيتام حالفهم الحظ، فتكلفت بعض المنظمات بإيوائهم في دور للأيتام.وأمّنت لهم جميع مستلزماتهم اليومية والحياتية من مأكل وملبس وتعليم وعناية طبية.في المقابل فإن الكثير من هؤلاء الأيتام لم يحالفهم الحظ واضطروا للنزول عند أحد أقاربهم الذين بدورهم يدفعون بهم إلى سوق العمل للمساهمة في زيادة دخل العائلة المستضيفة.
الطفل مازن الخطيب (10 أعوام ) من مدينة كفرنبل فقد والديه، واضطر للعيش في منزل عمه الذي بدوره أجبره على ترك المدرسة. ودفع به للعمل في إحدى ورشتصليح السيارات رغم صغر سنه، بغية مساعدته في سد مصروف البيت في ظل الغلاء الفاحش.
يعاني الخطيب من سوء معاملة رب العمل له، فكثيرا مايقوم بتأنيبه وضربه واستغلاله من خلال تشغيله لساعات طويلة مقابل أجر زهيد.
الأخصائي بالإرشاد النفسي والإجتماعي الأستاذ هشام العساف (40عاماً)يقول:”في الوقت الذي يلهو فيه بعض الأطفال في المنزل أو المراكز الصيفية،نجد في الجانب الآخر أطفالاًتلوثوا بهموم الحياة بعد أن أجبروا تحت وطأة الحرب والفقر على العمل والكد لكسب المال،فتغتال بذلك طفولتهم البريئة.وهذا الواقعينذر بخطورة كبيرة على المستوى الشخصي للطفل،وسيؤثر بلا شك على مستقبل المجتمع بشكل عام”.
وأشار العساف إلى الجوانب النفسية السلبية لعمالة الأيتام وأبعادها من خلال تعرض الطفل للاكتئاب في سن مبكرة. حيث أنه يتأثر نفسياًوعاطفياًبعمله وقلة تواصله مع أقرانه والمحيط،فيتأثرسلباً. ويمكن أن يصبحأكثر عنفاًوانطوائية،والبعض ينحرف. ناهيك عن الخوف من ارتكاب الجرائم، كما يتعرض الأيتام للضغط النفسي وللشيخوخة المبكرةوللاكتئاب وعدم احترام ذاتهم. ومنهم من يتعرض للاعتداء الجنسي فضلاًعن استغلال الطفل اقتصادياً.
وينصح العساف بأن يتم تكثيف الجهود لنشر الوعي بخطورة عمالة الأيتام،من خلال التوضيح أن مايفعله الأهل لايزيد عن كونه علاجاًمؤقتا لمشاكل الأسرة المتمثلة بالفقر،والتي ستستمر طول العمر في حال عدم الإهتمام بالتعليم.حيث من المفترض التركيز على صقل الأطفال دراسياًليتمكنوا في المستقبل من انتشال أسرهم من الفقر إلى اليسر.
ويطالبالعساف “المنظمات الدولية والمحلية المعنية بشؤون الطفل،التدخل بسرعة لمنع تفاقم هذه المشكلة التي تؤثر سلباًعلى الطفل،وتمنعه من ممارسة حقوقه.وأهمها حقه بالتعليم وإبعاده عن التأثيرات المضرة وسوء المعاملة والإستغلال”.
عضو المجلس المحلي عمر أبو الفوز (40 عاماً) يقول:”أن الإجراءات التي اتخذتها المجالس المحلية للحد من عمالة الأطفال لم تتعد النصح والإرشاد والتوعيةبخطورة هذه الظاهرة، نظراًللأعداد الكبيرة للأيتام في إدلب وريفها،مع بعض المحاولات لتأمين فرص عمل ملائمة للنساء اللواتي فقدن أزواجهن، وأخرى لتأمين دخل شهري للأيتام وأبناء المعتقلين.”
إضافة إلىدار الرحمة للأيتام في الدانا، فإن جمعية أفنان الخيريةتقوم بتوفير الدعملمدرسة آمال الشام الخيرية في إدلب، والتي وبحسبمديرهاجواد الحسين (33 عاماً)تستهدف بالدرجة الأولى الأيتام فاقدي الأب أو الأم،وتقدم المدرسة لهم المنهاج الدراسي الكامل من المواد الدراسية المختلفة.
ويضيف الحسين: “المدرسة تحاول إشراك الأطفال في نشاطات ترفيهية مختلفة بوجود مختصات في الدعم والإرشاد النفسي”.ويلفت الحسين إلى أن من أهم الصعوبات التي يعانون منها هي قلة الدعم،ونقص في اللوازم الضرورية للأيتام داخل المدرسة،وتهاون المنظمات في رعاية الأيتام”.
آلاف الأطفال الأيتام يدفعون فاتورة الحروب والمواجهات المسلحة المستمرة في سوريامرتين.مرة عندما يفقدون أهلهم، ومرة أخرى عندما لاتستطيع المؤسسات المتخصصة إستيعابهم، الأمر الذي يجعل معاناة اليتيم لاتتوقف عند فقدان الأب أو الأم وإنما تمتد طوال الحياة.