أعدموه ولكنه بقي حياً ليقتص منهم
كانت القذائف تنهمر علينا، يوم 13 حزيران/ يونيو 2012، الرصاص يتساقط على رؤوس أهالي المدينة. قررنا ومعظم أهالي الحي النزوح إلى مكان آخر، لم نعرف إلى أين نتجه. كان لزوجي أصدقاء في بلدة الضمير، شددنا رحالنا عند طلوع الفجر بالسيارة، رغم القصف العنيف. وصلنا إلى البلدة حيث استأجر لنا زوجي منزلاً يأوينا، أحضر الطعام فاطمئن قلبه علينا.
أراد زوجي تقديم المساعدة للأحرار في مدينتنا، فذهب إلى التجار الطيبين الذين يعرفهم، طلب منهم معونة مالية يتبرعون بها. كما يفعل عادة وفي طريقه هذه المرة إلى دوما، مرّ بحاجز طيار (حاجز غير ثابت ينصبه النظام في مناطق مختلفة وبشكل غير متوقع). طلب العناصر على الحاجز من زوجي التوقف جانباً، ارتبك كثيراً واصفرّ لونه. أخذوا هويته وأخرجوه من السيارة رافعاً يديه خلف رأسه. فتشوا ثيابه كذلك السيارة. وجدوا في الصندوق الخلفي التبرعات التي جمعها، كانت بالدولار الأميركي. سألوه عنها قال لهم : تلك حملة تبرعات انسانية. بدا قلقه الشديد جلياً، أخذوا السيارة وأخذوه إلى أحد الفروع الأمنية وهو مغمض العينين. كنت أعلم أن زوجي ذهب إلى مدينتنا، لكن هذه المرة أصابني القلق الشديد، رحت أدعو له في كل صلاة.
فقدت أخباره مدة شهر كامل، إلى أن أتى ابن عمه وأخبرني أنه مصاب في المشفى، سقطت أرضاً فور سماع الخبر،عمل على مساعدتي وقال أن زوجي بخير وهو يطلب رؤيتنا. ذهبنا معه إلى المدينة على الفور، وعندما وصلنا إليه لم يعرفه ابنه الصغير، من كثرة الكدمات على وجهه، ابتعد عنه خائفاً. دمعت عيناي وضاق صدري، اقتربت من زوجي وهدأته، وعيناي تبكي بكل حزن حامدة الله على سلامته.
روى لنا ما حصل معه، منذ اعتقاله أخذوا بضربه في كل أنحاء جسده. عذبوه بكل أنواع التعذيب. أطفأوا إحدى عينيه بتلك السيجارة اللعينة. صار وجهه كحلي اللون من كثرة الضرب. تكسّرت أضلعه، وبعد معاناته لمدة شهر، أخذوه إلى منطقة مهجورة تماماً، وأدخلوه إلى غرفة بجانب الطريق، حيث كان من المقرر إعدامه، نطق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. كان يوم الخميس في 17 تموز/يوليو 2012، أطلقوا الرصاصة الأولى في رأسه، لكن بقدرة العناية الآلهية جرحت جانب رأسه، سال دمه من الجرح فصرخ عالياً: الله أكبر… الله أكبر فقال الذي يوجه المسدس إليه: أين الله لينقذك يا حقير؟ وأطلق رصاصة أخرى في قلبه. أغمي على زوجي، ظنوه ميتاً، فتركوه ورحلوا. بعد ساعات استيقظ وهو عاجز عن النهوض على قدميه، كان للغرفة نافذة بلغها بصعوبة، وتمكن من الخروج منها بعد أن وجد الباب مقفلاً. تابع الزحف حتى بلغ الطريق العام. لم يتجرّأ أحد على إنقاذه، هيئة التعذيب كانت بادية عليه. أحد المارة أسعفه إلى أقرب مشفى ميداني، كان طيب القلب جزاه الله خيراً. كان ذلك المشفى في بلدتنا التي نزحنا منها، هناك تعرف عليه ابن عمه، أخبره عن مكاننا وطلب منه رؤيتنا. وهذا ما حصل.
بعد ستة أشهر تعافى زوجي، فقد عينه اليسرى، وتم استئصال 16 سم من أمعائه. دارت الأيام وأصبح قائداً مع أحرار بلده، واستطاع معهم أن يحرّروا ذلك الفرع الأمني الذي كان معتقلا فيه، و اعتقلوا المجرمين الذين كانوا فيه. تعرّف على الذين قاموا بمحاولة إعدامه وأنزل بهم الحكم الذي أصدرته المحكمة الشرعية العسكرية.