أطفال كفرنبل يكرهون اللعب والسبب الأطراف الصناعية
مصطفى الجلل
(كفرنبل- سوريا) تتساءل رغد (12 عاماً): “ما ذنبي؟ أنا طفلة صغيرة, بسبب ما حدث لي أصبحت أكره اللعب. لا أحب الأطفال الذين يركضون من حولي لأنني لا أستطيع اللعب معهم ومجاراتهم”.
رغد جهاد برغل بترت ساقها نتيجة صاروخ ألقته طائرة سقط قرب منزلها, تم إسعافها إلى مستشفى في كفرنبل وحُوِلت إلى مستشفى عقربات عند الحدود مع تركيا، حيث أجريت لها عملية فك وتر، وبعد ذلك
نقلت إلى تركيا لتصحيح البتر, حيث حصلت على طرف صناعي إسعافي مؤقت رخيص الثمن.
تعيش رغد الآن في أحد المخيمات داخل سوريا قرب الحدود التركية, ولعدم تجهيزه الجيد تعاني رغد صعوبة في التنقل على أرض المخيم الصخرية المتعرجة أثناء ذهابها إلى المدرسة.
تشير سجلات المشافي الثلاث العاملة في مدينة كفرنبل, إلى إجراء 182 عملية بتر أطراف أغلبها نتيجة إصابات في المعارك. تتوزع هذه الحالات على كل بلدات وقرى ريف ادلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بسبب عدم وجود مشافي عاملة ونزوح معظم الأطباء بسبب القصف المركّز على تلك المناطق.
يبلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون لأطراف صناعية جيدة في كفرنبل عشرة أشخاص، أغلبهم من الذكور بحسب إحصائية المجلس المحلي في المدينة, مع التنويه إلى أن ارتفاع الأسعار يمنعهم من الحصول على أطراف صناعية جيدة.
رئيس المجلس المحلي في مدينة كفرنبل عدنان القاسم يرد سبب تقصير المجلس تجاه هذه الحالات وعدم تقديم ما يلزم لمساعدة أصحابها إلى انعدام الدعم المالي الكافي. ويشير القاسم إلى أن المجلس المحلي أحصى هذه الحالات وقدم لأصحابها السلل الإغاثية الغذائية, ورواتب شهرية تم تخصيصها لهم من بعض مغتربي المدينة في الخارج. تم صرف هذه الرواتب لمدة ستة أشهر فقط ثم توقف المصدر عن الدفع, ولا يستطيع المجلس تعويض هذه الرواتب التي تتراوح قيمتها بين 7 الآف و12 ألف ليرة سورية.
الأخصائي في صناعة وتركيب الأطراف الصناعية سعيد الحسن (35 عاماً) يقول عن تكلفة الأطراف الصناعية: “تختلف الأسعار حسب نوع الطرف ومواصفاته وتتراوح بين ألفين و80 ألف دولار أميركي, مما يضطر المحتاج لتركيب أطراف صناعية رخيصة لا تعطي النتائج المطلوبة”.
الشاب ناصر القدور (26عاماً) كان يساعد في إجلاء الجرحى المصابين بفعل إحدى الغارات الجوية التي أعقبتها موجة غارات سريعة أصيب نتيجتها إصابة بليغة, تم إسعاف القدور وتحويله إلى تركيا لخطورة إصابته التي أدت إلى بتر رجله اليمنى من فوق الركبة.
يقول القدور: “أنا أب لطفلين صغيرين، يقع منزلي عند أطراف المدينة, كنت أخاف أن يشتكي أحدهما من المرض وأنا لا أستطيع أن أحملهما إلى الطبيب لأنني أتحرك على عكازتين, أما اليوم وبعد تركيب طرف صناعي جيد لم أعد أخاف من أي شيء. تغيرت حياتي كثيراً وأنا أعتبر من المحظوظين لأنني حصلت على طرف صناعي جيد”.
الفتى يحيى زكريا السويد (14عاماً), بترت رجله من الفخذ بعد نقله إلى إحدى مستشفيات كفرنبل مباشرة بعد إصابته وهو يلعب أمام منزله جراء انفجار قنبلة ألقتها طائرة حربية. لا يشكو الفتى من بتر ساقه فقط بل من الطرف الصناعي أيضا ويقول: “لم أستفد كثيراً من هذا الطرف، هو يسبب لي مشاكل تمنعني من الحركة لثقل وزنه ولا يساعد إلا في الوقوف. رغم الكثير من المحاولات لم نستطع تأمين طرف صناعي جيد بسبب ارتفاع سعره وعدم توفر متبرع”.
الدكتور حسن جولاق أخصائي الجراحة العظمية يقول: “إن أكثر الأشخاص الذين تم بتر أطرافهم نتيجة القصف على المدينة، تم تحويلهم إلى المستشفيات التركية لخطورة إصابتهم وعدم توفر الإمكانيات المناسبة لمعالجتهم”.
ويضيف الدكتور جولاق:”يؤدي قصف البيوت بالبراميل المتفجرة إلى هدمها وبالتالي هرس عظام المصابين، في أكثر الحالات تم إجراء عملية بتر, رغم أن هذه العملية تكون عادة آخر الخطوات التي نلجأ إليها في معالجة الإصابة”.
ويشير الدكتور جولاق إلى أن معظم الأطراف الصناعية التي يتم تركيبها من النوع الرخيص الثمن، وهي تسبب تقرحات جلدية حادة تسبب الانزعاج والضرر للمريض وتزيد من معاناة المصابين، ويشكل الوزن الزائد للطرف عائقاً أمام حركتهم.
ويطالب الدكتور جولاق بإستحداث مركز لإعادة تأهيل المصابين الذين يحصلون على أطراف صناعية في مدينة كفرنبل بسبب موقعها الهام بين حماة و ادلب, للتخفيف من الكلفة العالية التي يدفعها المصابون كأجور إقامة وتنقلات, رغم وجود فرع أخر للمركز السوري الوطني للأطراف الصناعية في ريف ادلب الشمالي البعيد عن المعارك.
تم تأسيس المركز السوري الوطني للأطراف الصناعية بالتعاون بين الرابطة الطبية للمغتربين السوريين والجمعية الطبية السورية البريطانية وجمعية سيريا ريليف في بريطانيا. المركز الموجود في مدينة الريحانية في تركيا يعمل على تحسين نوعية الإنتاج. وتشير صفحة المركز على موقع فايس بوك إلى أن الأطراف التي يصنعها حالياً تفوق بجودتها الصناعة الأوروبية, مع ملاحظة أن أغلب الأطراف التي صنعت في الثلاثة أشهر الأولى احتاجت لتعديل أو تغيير لأنها كانت مصنوعة بتقنية مختلفة أقل جودة. تحتاج الأطراف دوما لمراجعة خلال العام الأول لتركيبها لأن عضلات الطرف المبتور لا تكون قد أخذت شكلها النهائي بعد ولذلك فالأطراف تكون غالباً مؤقتة. يستقبل المركز الحالات بناءً على موعد مسبق, نظراً لتزايد أعداد السوريين المصابين ببتر أطراف. يتم خلال المعاينة الأولى أخذ قياس الطرف, ليبدأ العمل على صناعته بأسرع وقت ممكن. التسليم يحصل عادة خلال أيام قليلة, وأحيانا تتطلب بعض الحالات وقتاً أطول.
يقول الفتى يحيى السويد بأسى: “حرمت من اللعب نهائياً وأصبحت حركتي محدودة. أنزعج جداً عندما أشاهد رفاقي يركضون ويقفزون وأنا جالس أراقبهم بحسرة لعدم قدرتي على اللعب مثلهم”.