أزمة الكهرباء في سوريا مستمرة
تأمين البدائل يثقل كاهل الفقراء، وتفسيرات الحكومة لا تقنع الكثيرين.
(جرمانا، سوريا) – حنان ( 30 عاماً)، ربة منزل، وأم لأربعة أولاد، تسكن في جرمانا في ضواحي دمشق. تتحدث حنان عن المعاناة اليومية من انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة التي تقطنها، والذي يفاقم الوضع المعيشي الصعب أصلاً.
وتقول حنان: “البيت الذي لا يوجد فيه أي موظف يقضي وقته في الظلام، والبيت الذي يضم موظفاً واحداً، ليس بعيداً عن تسوّل ثمن الخبز. وهذا الموظف، كيف سيقوم بتعبئة قنديل الغاز كل يوم؟”.
انقطاع الكهرباء المستمر خلق مشاكل جديدة أضيفت إلى معاناة السوريين المتمثلة أساساً في استمرار الحرب، وغلاء الاسعار، والنزوح. وينقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة في معظم المحافظات، قد تصل إلى 12 ساعة، وأحياناً قد ينقطع التيار لأيام متواصلة في بعض المناطق.
تتسبب زيادة ساعات التقنين الكهربائي أيضاً في انقطاع المياه عن عدة مناطق سوريّة، منها جرمانا التي تعاني اكتظاظاً سكانياً. الحكومة لا توفر المياه في المنازل إلا بمعدل يومين في الأسبوع، ومع انقطاع الكهرباء، لا يستفيد السكان منها بسبب الحاجة إلى المضخات الكهربائية لرفعها إلى الخزانات.
أبو الياس ( 44 عاماً) صاحب بقالة، يشتكي من انقطاع المياه في الحي الذي يقطنه، ما يضطره والجيران إلى شراء المياه من الصهاريج الجوالة وبأسعار مرتفعة.
ويقول: “مشكلة المياه بدأت تتفاقم مع انقطاع الكهرباء، فعندما ينقطع التيار الكهربائي تتوقف المضخات عن العمل”.
انقطاع الكهرباء دفع السوريين للبحث عن بديل، فبات شراء المولدات الكهربائية وبطاريات الشحن حاجة ضرورية لكل منزل، دون أن يكون للجميع القدرة على اقتنائها نتيجة ارتفاع أسعارها واستغلال التجار حاجة الناس إليها. حتى الشموع والشواحن، وهي ملاذ الفقراء، كان لها نصيبها من الغلاء.
وفقا لأحد تجار المولدات، يتراوح سعر بطارية الشحن باستطاعة 60 أمبير بين 10 آلاف و120 ألف ليرة (حوالي 57 و686 دولار أميركي)، في حين يتراوح سعر المولدات باستطاعة 2000 شمعة، بين 20 ألف و50 ألف ليرة (حوالي 114 إلى 286 دولار).
ومن ضمن الحلول المبتكرة، لجأ البعض ممن يسكنون الحي نفسه ويختلفون في أوقات التقنين إلى تبادل خطوط الكهرباء فيما بينهم، واقتسام الفواتير مناصفة.
آخرون كانت لهم أساليبهم الخاصة للتعامل مع الوضع. يشرح أبو وائل (52 عاماً) وهو قارئ عدادات في شركة الكهرباء، كيف يتفق مع المشتركين ليضمن لهم فاتورة مخفضة، ويضمن لنفسه دخلاً إضافياً. يدفع له المشترك 500 ليرة (حوالي 3 دولارات) كل شهرين، مقابل أن يعيد له الساعة إلى الوراء، ليكون استهلاكه في الدورة 200 ليرة، بينما يكون مصروفه قد تجاوز الآلاف.
يبرر أبو وائل ما يفعله، قائلاً: “أنا الموظف الوحيد في العائلة، وراتبي لا يكفي سداد حتى أجرة البيت. وعندما يبكي ولدي من أجل علبة حليب، لا يمكن أن أشرح له عن الغلاء وانقطاع الكهرباء، يجب أن أحضر له الحليب”.
الحكومة السورية كانت قد بررت انقطاع التيار الكهربائي بالقتال الدائر في أكثر من منطقة، أو عدم القدرة على تأمين الوقود اللازم لتشغيل المحطات الحرارية. وفي خطوة إعلامية أخرى، تنشر وزارة الكهرباء إرشادات على موقعها الرسمي على الإنترنت، تدعو الناس إلى “الاستخدام العقلاني للطاقة”.
وبينما لا يقتنع كثير من الناس بالتفسيرات الرسمية لسياسة التقنين، اجتهد موظفون في مناصب صغرى في شركة الكهرباء أو مواطنون غير مختصين في كشف ما يظنون أنه وراء هذه السياسة، في تفسيرات قد تكون أقرب إلى الشائعات.
قيس (اسم مستعار)، موظف في الشركة العامة لكهرباء دمشق يبلغ من العمر 38 عاماً. يقول قيس إن الحكومة السورية، وإن استطاعت إيجاد تبريرات لعجزها الحالي عن ردم الفجوة بين الحاجة إلى الكهرباء والقدرة على إنتاجها، فلا يمكنها أن تبرر طريقة “الخيار والفقوس” التي تمارسها وزارة الكهرباء في قطع الكهرباء بين المحافظات السورية.
وفقاً لقيس، “التقنين يأتي من الوزارة حصراً، وليس من المحافظات كلاً على حدة، أي أن هناك مخزن أساسي للكهرباء، يضخ إلى جميع المحافظات يتم التقنين من خلاله، وهو ما يسقط أغلب مبررات التباين في التقنين بين المناطق السورية”.
بشار (43 عاماً) وهو موظف حكومي، يقول إنه اكتشف بنفسه غياب نزاهة وزارة الكهرباء.
يقول بشار: “في إحدى الحلقات على شاشة قناة الدنيا، شكرت المذيعة هناء الصالح وزير الكهرباء عماد الخميس، لاستجابته لطلب قدمته القناة، طالبة عدم قطع التيار الكهربائي أثناء إحدى الحلقات عن كافة الأراضي السورية، وخاصة القرى، لمدة ساعتين نظراً لأهمية الحلقة، والتي يجب أن يطلع عليها كافة السوريين”.
يضيف بشار: “بالفعل الكهرباء لم تنقطع خلال بث تلك الحلقة التلفزيونية، ووزارة الكهرباء كانت قادرة على إمداد كافة المناطق السورية بالكهرباء لمدة ساعتين طوال مدة بث البرنامج المطلوب، وهذا يعني أن الوزارة تستطيع إمداد المناطق السورية بالكهرباء، وعدم قطعها لأربع وعشرين ساعة، أي أن ادعاء خروج محطة التوليد من الخدمة بات باطلاً، وكذلك سقطت حجة الأعطال ودورها في قطع الكهرباء”. لم يستطع موقع “دماسكوس بيورو” التأكد من أن التيار الكهربائي فعلاً لم ينقطع ذلك اليوم.
من وجهة نظر عيسى (29 عاماً)، وهو صاحب مكتبة في باب توما، “التقنين الكهربائي الحاصل حالياً مقصود”، ويقول إن الهدف من ورائه “التمهيد لخصخصة هذا القطاع”. ويتساءل قائلاً: “هل نستطيع أن نحصي عدد صفقات المولدات الكهربائية التي استوردتها سوريا في الأشهر القليلة الماضية؟ من الذي استفاد منها؟ وكم عددهم؟”.