أخي الذي ذبحه جند الأقصى
- أم تزور قبر ابنها الذي قضى بقصف الطائرات على حلب عام 2015. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"ذهب أهلي وأهل كل معتقل يبحثون في الحفر، حتى وجدوا شهيدنا قد ذبح من الوريد إلى الوريد. كان في حفرة "
في قريتي الجميلة كفرحاية إحدى قرى جبل الزاوية كنا نعيش كأسرة واحدة. البيت واحد، والأرض واحدة، حتى إننا كنا نتقاسم لقمة الخبز. فعندما تخبز جارتي أم أحمد على التنور أسرع أنا ونساء القرية لمساعدتها في العمل وإنضاج الخبز، إضافة إلى أنواع الفطائر المتنوعة، التي كنا نحصل على حصتنا منها.
ثار أهل قريتي الصغيرة، ضد الظلم والفساد منذ اللحظة الأولى. والناس تعرف أن لا خلاص لنا إلا بإسقاط النظام المجرم. ومن منا لا يكره الظلم والجور والفساد، وخصوصا إذا غاب العدل. وكلنا يعرف أساس الملك هو العدل.
أنتجت الثورة فصائل عدة، وكل فصيل يتبع لأمير بعينه، يحكم بطريقة وشرع لم نعهده من قبل. فكان القتل ظلما والسجن جورا والإعتقال تعسّفاً .
أخي حسام (35 عاماً)، متزوج ولديه طفلين إثنين. يعيش مع زوجته في بيت والدي الصغير .قبل ذلك كان أخي الأكبر قد استشهد في عام 2014، أثناء تحرير مدينة إدلب. فأصبحت زوجة اخي حسام تخشى عليه، وكذلك والدتي. غير أن القدر كتب لأخي حسام الشهادة أيضاً ولكن هذه المرة على يد فصيل من الثورة السورية، إنهم جند الأقصى.
في كانون الثاني/يناير من عام 2017، في صبيحة يوم اثنين، ذهب أخي حسام مع عمه، والد زوجته، إلى معرة النعمان لإصلاح عطل في السيارة. قال لهم صاحب الورشة أن السيارة تحتاج إلى قطعة غيار. وهي غير موجودة إلا في خان شيخون التي كانت تقبع تحت سلطة تنظيم جند الاقصى.
فقال له عمه: “أنت إبق هنا وأنا أذهب لأحضارها”. إلا أنه أبى إلا أن يذهب مع عمه. وهو يعرف أن فصيل جند الأقصى يسيطر على مدينة خان شيخون. وعند أول حاجز لهذا التنظيم تم اعتقال اخي، على الرغم من انه لم يكن ينتمي لأي فصيل عسكري، ولم ينخرط ابدا في القتال ضدهم.
وقع الخبر علينا كالصاعقة. لم ندر ماذا نفعل. كنا نعلم ظلمهم واستباحتهم للدماء، ولكننا لم نتوقع أن هذا الفصيل أشد إجراما من نظام الأسد. كنا ننتظر عودته في كل ليلة. في العادة كنا نخاف من الإعتقال على أيدي عناصر تابعة لنظام الأسد وليس من إعتقال الفصائل .
حاولنا التحدث مع قادة الفصائل الذين نعرفهم للتوسط لاخراجه من أيديهم. لم يبق أمير في المنطقة إلا وتحدث مع الفصيل من أجل حسام ولكن دون جدوى. استمرينا نحاول نحاول إخراجه من قبضتهم. وكنا نسأل: “لماذا اعتقلوه؟ وماذا سيفعلون به؟ كيف هو حاله الان؟ ماذا يصنع؟ ماذا يأكل ويشرب وكيف ينام؟”
وبعد مرور 20 يوما على اعتقاله، حصلت صفقة تم بموجبها خروج هذا الفصيل باتجاه شرق سوريا، الى مناطق داعش. كانت الكارثة بعد رحيلهم. حيث وجدت الكثير من الحفر مملوءة بالقتلى ذبحا بالسكاكين .ذهب أهلي وأهل كل معتقل يبحثون في الحفر، حتى وجدوا شهيدنا قد ذبح من الوريد إلى الوريد. كان في حفرة ومعه أكثر من مئة شهيد قُتلوا بالطريقة نفسها.
كان قد مضى على استشهاد اخي أكثر من عشرة أيام. تعرف عليه أهلي من ثيابه. تم احضار أخي حسام إلى القرية التي أصابتها الصدمة والذهول مما رأت .أي أجرام هذا ! أي مجزرة هذه !
أمي المسكينة أصابتها صدمة قلبية لخسارتها ولديها، وهي التي كرست حياتها وفنت عمرها لأجلنا. أما زوجته فكانت صدمتها حالة نفسية لم تعد ترغب بالجلوس مع أي كان، ولم تعد ترغب بالكلام. وأصبح الحزن والألم يرافقانها، والوحدة والصمت يسيطران عليها .
كنا جميعا في حالة مأساوية. أما إبن أخي الصغير الذي يبلغ من العمر 6 سنوات فكانت حالته أشد ألماً، وهو يبكي ويردد أريد الذهاب مع أبي، لقد إشتقت إليه، أين تريدون أخذه؟ يبكي ويركض إلى أمه ثم إلى جدته ثم إليّ ويقول: أرجوكن لا تحفروا قبراً لبابا”. هذا الطفل حرق قلوبنا جميعا .
تم دفن اخي حسام في مقبرة القرية والدموع والقهر تملأ الصدور . شعور صعب جدا بين ليلة وضحاها أن تفقد كل ما لديك في هذه الحياة. بالنسبة لي فقدت أغلى ما لدي. أخي الكبير قتله نظام الأسد المجرم .واخي الأصغرلاالذي كان المعيل لنا وسندي في هذه الحياة الصعبة، تم قتله على يد عناصر إحدى الفصائل قهرا وظلما دون أي ذنب .
لم أعد راغبة بأي شيء. كيف لا وقد أصبحت بعض الفصائل أكثر إجراماً من النظام نفسه! وفي هذه اللحظات أكتب هذا الواقع المرير، اسمع وأشاهد ما يحصل بين فصائل الثورة من إقتتال داخلي. بين جيش الإسلام من جهة، وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى. وبينما هناك فصائل تقدم الشهداء والدم على جبهة ريف حماه الجنوبي .
نسأل الله العفو والعافية والهداية للفصائل المتناحرة، والقوة وثبات والنصر للفصائل التي تقدم أرواحها فداء للوطن. وأسال الله أن يكون لهم معينا حتى الخلاص من طاغية الشام …
أم جمال (29 سنة) زوجة معتقل وأم لأربعة أطفال، لا تعمل وتبحث عن عملٍ تُعيل فيه أطفالها الصغار.