أحنّ إلى عملي في سوريا
امرأة سورية نازحة تقوم بنشر الغسيل على حبل في مخيم الامل بريف محافظة القنيطرة - محمد أبا زيد
"لم أرد جمع المال، من عملي، فقط كنت أريد أن أسعد عائلتي، لا أريدهم أن يشعروا بالنقص أمام أي من أقرانهم والحمدلله وصلت لما تمنيته. أتمنى أن تكون هذه السعاده وهذا الرضا بقلب كل طفل محروم في سوريا وبقلب كل أم"
بسبب ضيق الأوضاع في سوريا، وفي ظل تزايد مصاريف الحياة اليوميه أبو بسبب النزوح وإستئجار البيوت في أماكن أكثر أمناً، فكرت أنه يجب أن أجد عملاً يعين عائلتي والمساعده في الطلبات.
فكرت وزوجي بأنّ أفضل عمل لي هو بيع الألبسة، إذ أنه بإمكاني فتح محل قريب من البيت في قريتي. وبهذا لا أقصّر في مهامي تجاه زوجي وبيتي وأولادي. كنت أملك سوارين من الذهب، كنت قد خبأتهما لوقت الحاجة. عزمت على بيعهما لاتمام المشروع الذي فكرت فيه. لم نكن نملك من المال ما يكفي لإحضار كمية مناسبة من البضاعة.
ارسلت السوارين مع زوجي إلى الصائغ وكان ثمنهما لا بأس به بالنسبه لمشروع في بدايته. اتفقت مع أحد محلات الألبسة النسائية أن يبلغني عند حضور تاجر الجملة. كان أصحاب محال الألبسه قبل الثورة يذهيون بأنفسهم لإحضار بضاعتهم من المعمل والمدن الصناعية في حلب غالباً.
ولكن بعد الثوره لم يعد يذهب إلا أشخاص معدودين. يتفقون مع حواجز النظام على بدل نقدي محدد، على أن تعبر بضاعتهم الحواجز بسلام دون مضايقات. وكان علينا أن ندفع لتجار البضاعة السعر الذي يطلبونه حتى لو لم يعجبنا ذلك، لأننا لا نملك خياراً آخر.
كنا حين نساومهم على السعر يقولون: إذهبوا أنتم واجلبوا بضائعكم. كانوا يعرفون أننا لن نذهب وسنرضخ لاستغلالهم. جاء التاجر وأخذت منه كمية من البضاعة على قدر نقودي. وبدأت بالعمل في بيتي بداية. لمعاينة الاقبال على الشراء، فإن كان جيداً إستأجرت محلا، وان لم يلبّ طموحي سأبحث عن عمل آخر.
أرسلت لأهلي واقاربي والجيران، أنني باشرت العمل ومن يرغب بالشراء فليتفضل. كانت محلات الألبسة قليلة في قريتي. وكان الناس يذهبون إلى قرى مجاورة لشراء مسلتزماتهم. لذلك كان الإقبال جيدا الحمدلله. كنت سعيدةً بكل قطعة أبيعها وأقبض ثمنها. شعرت أنني أنجزت شيئاً لأولادي.
بدأ الناس يطلبون مني إحضار أحذيه وأحياناً أدوات مطبخ وغيرها. وبدأ الطلب يتزايد على بضاعتي يوماً بعد بعد يوم. لم أكن أرفع الاسعار إلا بالشيء المعقول جداً، لأنني أعرف وضع الناس في القرية. وأعرف صعوبة أحوالهم. كنت أعطي أناساً أثق فيهم ما يطلبونه ويدفعون لي حين تتواجد النقود.
حين توسّع عملي وكثرت الطلبات، قررت أنه حان الوقت لأجد محلاً قريباً من المنزل. وكان المحل موجودا، مقابل بيتي تقريباً. لم يكن بحالة جيده ولكنني إضطررت لاستئجاره لقربه من المنزل، وسهولة التوفيق بينه وبين الاولاد. ولأن جاري لم يطلب إيجاراً مرتفعاً.
رتبت المحل ونقلت البضاعة التي كانت قد ملأت المنزل. بدأت العمل في المحل وأصبح التجار يأتون إلي ويطلبون مني شراء البضاعة، ويرضخون قليلاً لو تجادلت معهم بالأسعار، لأنهم وجدو الإقبال الجيد على بضاعتي، وبذلك هم أيضاً يستفيدون بحيث ستتزايد طلباتي على بضاعتهم.
كنت أجلس في المحل من التاسعة صباحاً حتى عودة زوجي من وظيفته في الساعة الثانية بعد الظهر. وبذلك يجلس هو في المحل وأذهب لإتمام أعمال المنزل وتحضير الطعام، وعندما يأتي زبائن وأنا قمة في إنشغالي فيناديني زوجي لعدم معرفته بالاسعار، ولأن النساء غالباً تخجل من الشراء من رجل! كنت أترك أعمال المنزل وأذهب مسرعة إلى المحل.
أحياناً كان الأمر يتطلب ساعة جدال مع الزبون دون فائدة، أكون عطلت أعمال منزلي لشيء لا يستحق. ولكن في كل مرة أقول ربما سيشتري لأذهب وأرى، بشكل عام كان العمل ممتعاً وينسيني هموم الأوضاع والقصف قليلاً. والأهم أنه كان يسد طلبات البيت والأولاد بالإضافة إلى راتب زوجي.
كنت سعيدةً جداً بهذه التجربه، شعرت أنني أنجزت شيئاً في هذه الحياة غير الأكل والنوم وتوضيب حقيبة النزوح. كنت سعيدة لأن أولادي أصبحت طلباتهم كلها موجوده دون تأجيل. وكنت ألمح السعاده والفخر في عيونهم في كل مرة أبيع شيئاً من البضاعة. كان اولادي هم دافعي الأقوى في هذا العمل رغم صعوبته. الحمدلله تمكنت من إنجاز شيء وزرع السعادة في قلوبهم رغم كل هذه الحرب التي قتلت كل فرحة في قلوب الأطفال والكبار.
هذا جلّ ما أردته فعلاً. لم أرد جمع المال، من عملي، فقط كنت أريد أن أسعد عائلتي، لا أريدهم أن يشعروا بالنقص أمام أي من أقرانهم والحمدلله وصلت لما تمنيته. أتمنى أن تكون هذه السعاده وهذا الرضا بقلب كل طفل محروم في سوريا وبقلب كل أم. شعور لا يضاهيه شيء، ولا نقود العالم.
أتمنى أن يعود الهدوء لبلدي وأعود للعمل في هذه المهنة التي إشتقت لها هنا في تركيا، الظروف هنا لا تسمح لي بالعمل بسبب غلاء البضائع وارتفاع إيجارات المحلات.
فاطمه إبراهيم (38 عاماً) ربة منزل، أم لثلاثة أطفال. نازحة مع أسرتها في تركيا حيث تبحث عن عمل.