أحلامنا كانت بقبضة الأسد!

معلمة في أحدى مراكز دورات محو الأمية في ريف ادلب - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

معلمة في أحدى مراكز دورات محو الأمية في ريف ادلب - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

في بداية صيف العام 2014، وقبيلَ أسابيع من امتحانات الشهادة الثانوية، كانت الاحتفالات والتهليل للانتخابات الرئاسية في سوريا، أول انتخابات بعد الثورة، وفيها يتنافس مرشّحون وهميون من النظام مع بشّار الأسد الذي فازَ وسط هذه الكذبة!

كان قد بقي على موعد الامتحانات 20 يوماً، تمكّنت أنا ومجموعة من صديقاتي من إقناع أهالينا بالانتقال وحدنا

من ريف إدلب حيثُ نسكن، إلى مدينة إدلب حيثُ هناك يكون تقديم الإمتحانات الرسمية باعتبار أنّ الريف كان تحت

سيطرة المعارضة… وذلك سعياً لتحقيق حلمنا بالنجاح في البكالوريا ومن ثمَّ دخول الجامعة.

رغم خوف أهالينا، تمكّنا من إقناعهم بضرورة هذه الخطوة، التي كانت بدفع من سلك التعليم، وكان علينا زيارة مبنى

نقابلة المعلمين في إدلب لمساعدتنا في تأمين السكن وإلى ما هنالك…

في الصباح، تجمّعنا أنا وصديقاتي وحجزنا في الحافلة المتجهة إلى إدلب بعد أن ودّعنا أهالينا وسط الدموع، فنحنُ فتيات

وسنذهب للعيش لوحدنا لأسابيع، وسندرس ونُمتحَن دون وجود أحدٍ بجانبنا!
كان الدخول إلى إدلب صعباً، وحواجز النظام كثيرة، وكانوا يطلبون البطاقات الشخصية لجميع الركّاب ويدققون فيها…

ومع ذلك اجتزنا هذه الحواجز على خير… وتمكنا من الوصول إلى مدينة إدلب ونزلنا في أحد الشوارع القريبة من نقابة

المعلمين.

الوضع في إدلب يختلف عن ريفها، صور الرئيس واليافطات والشعارات الموالية لهُ كانت في كل مكان، شيء مُقزّز

فعلاً!

بدأتُ وصديقاتي بالبحث عن منزلٍ للإيجار، ريثما يحين موعد الإمتحانات، على أن نمضي فيه 20 يوماً من الدراسة المتواصلة! بقينا ساعاتٍ طويلة نبحث، لكن وسط زحمة الطلاب والأسعار المرتفعة لم نتمكّن من العثور على المنزل الذي يناسبنا، فاضطررنا للذهاب إلى نقابة المعلمين ثانيةً، علَّ المشرفة هناك تجد حلاً لمشكلتنا!

أخبرتنا المشرفة أنّ وزارة الأوقاف افتتحت مبنى التأمينات الإجتماعية وبأنُ علينا التسجيل لتقديم طلب للسكن فيه…

وبالفعل هذا ما كان، لكن دامت معاملات تقديم الطلب في وزارة الأوقاف مدة يومين وكنا ننام في أحد مساجد إدلب

خلال هذين اليومين…

بعدها انتقلنا إلى مبنى التأمينات الإجتماعية، وهو مبنى ضخم مؤلّف من 7 طبقات… الطوابق الأولى للموظفين، والطابقان السادس والسابع كانا لطلاب البكالوريا الآتين من الأرياف… كانت الزحمة في الطابقين لا توصَف، فأيَّ جو ذاك الذي يمكن أن تدرس فيه؟! لكن ليسَ من ملجأٍ آخَر لدينا…

صرنا ندرك أنَّ الصعوبات لا تنتهي… فقبل الثورة، كان على الطالب أن يدرس فقط، لكن الآن صار عليه أن يفكّر بكثير من الهموم بدءاً من ظروف العيش إلى الظروف الأمنية… تلك الهموم قد تتحوّل لعقبات تحول دون نجاحه.

حال المبنى الذي سكنا فيه كحال جميع المباني الحكومية… مزيّن بالشعارات واليافطات الإنتخابية! مضت أيام وبسبب الضجيج الانتخابي لم نتمكّن من الدراسة كما يجب! حيثُ أصوات الطبول والمزمار بشكلٍ دائم تشجيعاً للمجرم بشار!

ولا يمكنك أن تكف عن التفكير، كيف لأناس موالين يطالبون ببقاء بشار ويهللون لذلك، وأناس أنتَ آتٍ من ديارهم يُقتلون بقصف طائرات بشار؟! كانت أيام صعبة، باعتبار أنَّ الثوّار في الريف استفزهم موضوع الإنتخابات غير الشرعية فأسقطوا القذائف على إدلب…

ومن كثرة خبث النظام وأعوانه، نشروا شائعة بأنَّ الطلاب كي ينجحوا عليهم الإقتراع لبشار! وباعتبار أنَّ هدفنا هو

النجاح، مرت علينا خديعتهم فأُجبرنا على انتخاب ذلك القاتل.

ووسط كل تلك الظروف والضغوطات، صبرنا وقمنا بتقديم الإمتحانات… لكن لأننا لم ندرس كما يجب وسط زحمة المبنى وزحمة الإحتفالات والأصوات المهللة والمقززة، ولأنّ المصحّحين قد حقدوا على طلاب ريف إدلب كما قيل… لم تأتِ النتائج كما كنا نرسم.

بالإضافة إلى السبب الأساسي، أننا طوال العام الدراسي لم نتمكّن من الدراسة كما يجب، كنا بمرمى الصواريخ وصوت

الطائرات وتحتَ الحصار في ريف إدلب…

نعم بعضنا نجح لكن ليس بالجدارة التي كان يحلم بها، والبعض نجح بمعدلات ليست بعالية، والبعض رسب… لكن

جميعناً مصرّون على التعلُّم والنجاح، ولن نسمح لأحلامنا أن تبقى بقبضة ذاك القاتل الذي صدرت نتائج انتخاباته

ونتائج امتحاناتنا معاً… لكن شتّان بين الناجح بالكذب والتسلّط والناجح بالنضال والسعي المُحق!
شهد العمري (21 عاماً) تقيم في ريف إدلب الجنوبي، كانت طالبة في كلية الآداب في جامعة إدلب – قسم التاريخ السنة الثانية، لكن لم تستطع إكمال دراستها بسبب الأوضاع الأمنية في البلد.