أحزاب معارضة علنية ترفض الاتهامات بتأييد النظام

(دمشق، سوريا) – بعيداً عن جبهات القتال وضجيج المعارك، توجد تنظيمات معارضة داخل سوريا تقول إنها تؤمن بالعمل السياسي سبيلاً للتغيير. نشاط هذه الأحزاب العلني في دمشق يدفع البعض إلى اتّهامها بالعمل كـ”واجهة” للنظام، في وقت يقول ممثلوها إن الأجهزة الأمنية تستمر بالتضييق عليها واعتقال كوادرها.

أحد هذه التنظيمات هو “تيار بناء الدولة“، الذي أعلن تأسيسه في 10 أيلول/ سبتمبر 2011. يرأس لؤي حسين التيار، وهو معارض سوري اعتقل بين عامي 1984 و1991 بسب انتمائه لـ”حزب العمل الشيوعي”، وقد تعرّض أثناء الاعتقال للتعذيب ووثّق جانباً منه في كتابه “الفقد”.

وبحسب الوثيقة التأسيسية للتيار، فالأعضاء “لا يشتركون بالضرورة بخلفية نظرية أو أيديولوجية واحدة” ويسعون إلى تأسيس “دولة مدنية ديمقراطية”.

للتيار مكتب علني في منطقة الطلياني وسط العاصمة دمشق، ورغم صدور قانون الأحزاب في آب/ أغسطس 2011، فهو يعمل بدون ترخيص. وعن هذا الأمر يقول عضو مكتب العلاقات العامة في “التيار” يامن بلان “النظام غير شرعي، ولا نعتقد أننا بحاجة للحصول على ترخيص من نظام لا شرعي ولا ديمقراطي. طلب الترخيص منه يكسبه شرعية وهو ما نرفضه”. ويضيف بلان: “السرّية هي ما يخيف النظام وأجهزته. العلنية تحميك ليس لدينا ما نخفيه… انسجام خطابنا في الداخل مع ما نعلنه في الخارج يجعل علنيتنا ذات أساس ومنهج”.

مؤتمر صحفي عقده “تيار بناء الدولة السورية” – موقع “التيار” الرسمي

بعبارات مشابهة يتحدث عضو المكتب التنفيذي في “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي“، عضو المكتب السياسي في “حزب العمل الشيوعي” صفوان عكاش، عن نشاط الهيئة العلني: “ليس لدينا ما نخفيه، ونرفض الدبلوماسية السرية لأن القضايا الكبرى تخسر في الدبلوماسية السرية. نعمل في العلن وهذه العلنية انتزعناها بقوة الحراك المدني السلمي في بداية الثورة.” ووفقاً لمسؤول الهيئة جميع التنظيمات الموجودة فيها غير مرخصة، “ثم إن هذا النظام غير شرعي فلماذا نعطيه الشرعية بأن نطلب منه الترخيص”.

ضمّت “الهيئة” عند تأسيسها في 30 حزيران/ يونيو 2011 نحو 12 حزباً وتجمّعاً سياسيّاً عربيّاً وكرديّاً، وشخصيات مستقلّة، كأوسع تحالف للمعارضة السورية وقتئذ، لكنّ بعض المؤسسين انسحبوا لاحقاً.

تعرّض مكتب الهيئة في منطقة الحلبوني في وسط دمشق، لـ”اعتداءات متكررة من الأمن والشبيحة وحملات تحريضية مستمرّة”، كما يقول عكّاش، ويضيف: “تصلنا تهديدات مكتوبة بالاسم لقياديي الهيئة أو للهيئة بشكل عام، وهناك قوائم مطلوبين تضم أسماء أعضاء في الهيئة، إضافة إلى المنع من السفر. أكثر من 200 شخص منعوا من السفر على خلفية حضورهم مؤتمر للهيئة بعد يومين فقط من اختطاف عبد العزيز الخيّر”.

وقد تم اعتقال كل من عبد العزيزالخيّر، وهو عضو المكتب التنفيذي ورئيس مكتب العلاقات الخارجية في “هيئة التنسيق” وإياس عياش عضو المجلس المركزي، وماهر طحان عضو “الهيئة” يوم 20 أيلول/ سبتمبر 2012 بعد عودتهم من زيارة إلى الصين. لا يزال مصير المعتقلين مجهولاً، وأشيعت أنباء عن موت الخير في السجن.

كما اعتقل أمين سر “الهيئة” رجاء الناصر في تشرين الثاني/ نوفمبر، وعضو المجلس المركزي أليس المفرج في كانون الأول/ ديسمبر 2013 على يد أحد الأجهزة الأمنية التابعة النظام، التي أطلق سراحها يوم 6 شباط/ فبراير.

هذه الاعتقالات لم تمنع خصوم الهيئة من اتّهامها بـ”التنسيق مع النظام” خاصّة وأنّها لم ترفض منذ البداية مبدأ التفاوض معه.

غالباً ما توجه إلى المنسق العام في “الهيئة” حسن عبد العظيم ورئيس فرع المهجر المقيم في فرنسا هثيم مناع انتقادات لاذعة بسبب ظهورهما المتكرر على قنوات فضائية توصف بمساندتها الرئيس بشار الأسد، مثل قناة “الميادين” وقناة “العالم” الإيرانية و”روسيا اليوم”. وشهدت صفحات الانترنت في كانون الأول/ ديسمبر سجالاً بين موقع تلفزيون “أورينت” المعارض ومركزه دبي، الذي وصف هيثم مناع بـ”جوكر الايرانيين والروس”، وموقع “هيئة التنسيق” الذي دافع عنه.

كما أنّ وجود “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي بزعامة صالح مسلّم، الذي يعدّ امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”، في “الهيئة”، قد سبّب لها انتقادات واسعة في أوساط خصومها، بسبب المواجهات بين مقاتلي “الديمقراطي” و”الجيش الحر” في عدد من المناطق الكردية.

ويردّ عكّاش على أصحاب هذه الانتقادات بالقول: “هؤلاء مفصولون عن الواقع، وينظرون إلى ما يجري في الداخل بعيون وسائل إعلام بعيدة عن الموضوعية وتخدم أجندات فئات تدعمها” ويضيف “بعضهم لا يعرف البلاد إطلاقاً أو خرجوا منها مع بداية الثورة”.

“تيار بناء الدولة” ايضاً، وعلى رغم اعتقال عدة أعضاء منه خلال العامين الماضيين، كعبد الرحمن فتوح، دارا عبد الله، جوان أيو، رودي أيو، خالد هربش وغيرهم، وجهت الاتهامات إليه بالعمل لصالح النظام.

وقد اتهم بعض المعارضين لؤي حسين على صفحات التواصل الاجتماعي بالتهاون إزاء النظام بعد تعرض الغوطة الشرقية للقصف بالسلاح الكيماوي في آب/ أغسطس 2013، حين قال حسين إن لا فائدة من معرفة الجهة التي نفذت الهجوم، لأن كلاً من النظام والمعارضة المسلحة انتهكا حقوق الانسان.

ويرد بلان على الانتقادات التي يوجهها المعارضون في الخارج إلى “التيار” بالقول: “من يريد معارضة النظام عليه العمل من الداخل ليكتسب شرعيته من الشارع، وأي نشاط في الداخل يُكسبك مساحة من الفضاء العام الذي يحتكره النظام منذ عقود، والنشاط في الداخل يجعل من الصعب حتى على القوى الخارجية إغفالنا من المعادلة السياسية للحل”.

وبحسب بلاّن يسعى “التيار” لإعادة السياسة إلى الشارع، فيعقد ندوة سياسية أسبوعية تستضيف “سياسيين مختلفي التوجهات تجمعهم قاعدة التغيير الديمقراطي”، بالإضافة إلى تنظيم نشاطات سياسية شبابية وإعداد خطط للمرحلة الانتقالية. كما أن التيار يسعى إلى مخاطبة الجمهور الكردي عبر نشر بياناته باللغة الكردية إلى جانب العربية.

في المقابل ظهرت على الساحة السورية أحزاب جديدة مرخصة يكاد بعضها أن يحمل الاسم ذاته، مثل: الشباب الوطني السوري، الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التضامن، التضامن العربي الديمقراطي، الديمقراطي السوري، التنمية الوطني، سوريا الوطن. وتشير وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية والمقربة منها إلى هذه الأحزاب بصفة “المعارضة الوطنية“، بينما يشار إلى “الائتلاف الوطني السوري” على أنه “المعارضة المرتهنة” للخارج.

 نشاط هذه الأحزاب على الأرض محدود، وهي تركز على القضايا المعيشية، دون الخوض في تحدي أسس النظام. “حزب سوريا الوطن”، مثلاً، أعلن أعضاء مكتبه التنفيذي إضراباً عن الطعام في نيسان/ أبريل 2012 “احتجاجاً على رفع الأسعار”، وتظاهر “حزب الشباب الوطني” ضدّ وزارة الإسكان لأسباب تتعلق بالعقارات المستملكة من قبل الدولة وحلّ مشكلة السكن العشوائي.

إلى ذلك سبق لعدد من هذه الأحزاب الإعلان عن نيّتها خوض الانتخابات التشريعية التي جرت في أيار/ مايو 2012 وعادت لتعلن انسحابها كأحزاب الطليعة والتضامن والأنصار، وقد صدر بحقّ الأخير في وقت لاحق قرار قضائي بحله وإلغاء ترخيصه دون تبيان الأسباب.

على المقلب الآخر تُعتبر أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، التحالف السياسي الذي يقوده حزب “البعث” الحاكم، مرخصةً حكماً وفقاً للمادة 35 من قانون الأحزاب.

يقول عضو “تيار بناء الدولة” يامن بلان إن التنظيم يعتمد في التمويل على تبرعات الأعضاء من المغتربين السوريين في الخارج، بالإضافة إلى تمويل بعض نشاطاته من قبل منظمات أوروبية غير حكومية مهتمة بدعم المجتمع المدني.

تمويل “هيئة التنسيق” يأتي أيضاً من اشتراكات الأحزاب الأعضاء في الهيئة، ومن تبرعات أعضاء الهيئة المغتربين في أوروبا والخليج كما يقول عكّاش، الذي يضيف: “تأتينا عروض تمويل ونرفضها، حتى أنّ أحد الأطراف العربية يعادي الهيئة لرفضها قبول أي دعم مادي منه”.

وعلى الرغم من تكرار اجتماع مسؤولي “الهيئة” مع دبلوماسيين روس منذ اندلاع الأزمة، يؤكد عكاش على الاستقلالية تجاه روسيا وعدم تلقي أموال منها: “استقلاليتنا المالية أحد مصادر قوتنا، وحتى بالنسبة للروس لو أننا نجلس على مائدتهم لفقدنا الاحترام الذي نحظى به لديهم”.