أحراج كفرنبل بلا حماية

هزاع العدنان

“السارق من السارق كالوارث عن أبيه”. هذا ما قاله أبو رشيد، وهو مزارع يبلغ من 55 عاماً، بعدما اقتطع حوالي الدونمين (نحو ألفي متر مربع) من المنطقة الحرجية على جبل كفرنبل، وهي تابعة لأملاك الدولة، وسوّرهما ببعض الحجارة، وفعل مثله أكثر من خمسين شخصاً من أهالي منطقة كفرنبل في محافظة إدلب.

قطعة من الأراضي الحرجية في منطقة كفر نبل بعض اقتطاعها من قبل أحد الأهاليز تصوير هزاع العدنان
قطعة من الأراضي الحرجية في منطقة كفر نبل بعض اقتطاعها من قبل أحد الأهالي. تصوير هزاع العدنان

وقام أهالي كفرنبل، الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة منذ شهر آب/ أغسطس 2012، بوضع أيديهم على معظم الأراضي على جانبي الطريق الممتد من كفرنبل إلى آثار شنشراح، والبالغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات، وهي أراضٍ حرجية عامة.

بدأ مشروع تحريج جبل كفرنبل منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، ضمن خطة الأحراج العامة في سوريا برعاية الأمم المتحدة، وتوقف هذا المشروع مع بداية الثورة. ويحتوي الموقع على العديد من الآثار المنسية الرومانية.

رئيس شعبة زراعة كفرنبل المهندس خالد الخطيب، هو موظف حكومي لا يزال في منصبه، يوضح أن شعبته هي المسؤولة عن هذه المنطقة الحرجية، والقانون يمنع التصرف بأي شبر منها من قبل أية جهة كانت. ولفت الخطيب إلى أن الأهالي سيطروا حتى الآن على ما يقارب الـ 40 هكتاراً من المنطقة المخصصة لكفرنبل، والبالغة مساحتها حوالي 700 هكتار. وأضاف الخطيب: “في السابق كنا نعمل على إزالة التجاوز مهما كان، وبحضور الشرطة والجهات الأمنية إذا تطلب الأمر، أما اليوم فلا يمكننا ذلك، لعدم وجود قوة أمنية قادرة على المعالجة والردع”.

من جهته يؤكد عضو في البلدية التي تتبع للحكومة في دمشق، رفض الكشف عن اسمه، “أن البناء بدون رخصة ممنوع، ولكن لا يمكننا في ظل الظروف الحالية فعل أي شيء لحماية أملاك الدولة أو أملاك البلدية، أو هدم أي بناء مخالف”.

وأصدر المجلس المحلي التابع للمعارضة، المشكل حديثاً، قراراً موجهاً إلى “الكتيبة الأمنية” في كفرنبل (قوة أمنية تابعة للمحكمة الشرعية في كفرنبل)، لإزالة كافة المخالفات المرتكبة في الجبل، ولكن الكتيبة الأمنية لم تنفذ ذلك القرار، بحسب ما أشار إليه أحد أعضاء المجلس نفسه ويدعى أكرم المحروق.

وبحسب نائب قائد الكتيبة الأمنية النقيب ناصر الرحال فإن عدم القدرة على تنفيذ ذلك القرار وغيره سببه ضعف الإمكانيات وعدم جدية المجلس المحلي والكتائب والألوية الموجودة في المدينة في دعمها ومساعدتها. ويضيف الرحال: “إن معظم الغاصبين لأراضي الأحراج مسلحون، ومستعدون لاستخدام السلاح ضد من يريد أن يزيل مخالفاتهم، وينظرون إلى الكتيبة الأمنية على أنها مجموعة أشخاص، لا على أنها هيئة أمنية”.

 لكن قائد “لواء فرسان الحق”، وهي مجموعة مسلحة معارضة تعلن نفسها تابعة لـ”الجيش الحر”،    المقدم فارس البيوش أكد أن “اللواء” استجاب لدعوة “الكتيبة الأمنية” لتقديم المساعدة، وأرسل مجموعة مؤلفة من خمسة عشر مقاتلاً مرتين اثنتين لمساعدة الكتيبة الأمنية في مهامها، لكن الكتيبة ألغت العملية. ويضيف البيوش أن “المجلس المحلي غير مهتم بالموضوع” مشيراً إلى أن “فرسان الحق” مستعدون للمساعدة على إزالة المخالفات متى استدعت الحاجة.

ويعتقد أحد عناصر الكتيبة الأمنية علي السويد أن سبب عدم إزالة التعديات هو أن بعض عناصرالكتيبة، وبعض عناصر المجلس المحلي، بالإضافة إلى عناصر الكتائب والألوية المسلحة، مساهمون في التعدي على الجبل.

من جهة ثانية يقول خطيب المسجد الكبير في كفرنبل الشيخ محمد الشيخ خيرو إن الشريعة الإسلامية تحرم الاعتداء على أملاك الدولة، ومنها أحراج جبل كفرنبل.

ويرى المحامي عبد الله الضعيف أنه استناداً إلى القانون المدني وقانون الأحراج “لا يمكن لأحد أن يملك أرضاً حرجية، لا بالتقادم ولا بغيره، ولو وضع يده عليها لمئة سنة أو أكثر، ويلزم كل من أحدث ضرراً مادياً في أحراج الدولة بدفع تعويض عنه”. ويشير الضعيف إلى أن “إدارة قضايا الدولة” هي المكلفة بالدفاع عن أملاك الدولة، ومنها الأحراج. ويضيف أن النيابة العامة هي التي تقيم دعوى الحق العام، كما أن لمدير الأحراج حق ملاحقة المخالفين أمام القضاء جزائياً ومدنياً.

وتنص المادة 19 من المرسوم التشريعي الخاص بحماية وإدارة واستثمار الأحراج رقم 25 لعام 2007 على اعتبار “أحراج الدولة ثروة وطنية لا يجوز التصرف بها أو تقليص رقعتها من قبل أي جهة كانت” تحت طائلة كثير من العقوبات لمن يعتدي على الأحراج، تتراوح بين الحبس والإعدام، بحسب حجم الاعتداء وأثره.

يقول أبو محمود، وهو عامل بناء في العقد الثالث من عمره، إنه هو وأعمامه وضعوا أيديهم على حوالي العشرة دونمات من الجبل، “لأن الدولة منذ حوالي الخمسين سنة استملكت من جده حوالي الخمسين دونماً بثمن تافه”.

أما أبو ماجد، وهو شرطي متقاعد في العقد السادس من عمره، فيقول إنه وضع يده على دونم واحد تقريباً، لأنه رأى معظم الناس يفعلون ذلك.

ويحمّل أحد وجهاء المدينة، ويدعى أبو عصام (رفض ذكر منصبه)، “القوى الثورية الحقيقية” مسؤولية ما يجري، ويرى أن على هذه القوى القيام بحملة توعية هدفها إفهام الناس أن الثورة قامت من أجل إسقاط الرئيس بشار الأسد، لا من أجل إسقاط الدولة، “وأن الدولة وقوانينها قائمة قبله وقبل أبيه وستبقى”.

أما الكاتب عبد العزيز الموسى (67 عاماً)، وهو مدّرس فلسفة متقاعد، فيطالب بمحاسبة المتجاوزين على أملاك الدولة قائلاً: “يجب وضع عنق من يقوم بمثل هذه التجاوزات على خشبة الموت بلا تردد”. ويرد الموسى تلك التجاوزات إلى قلة الدين وفساد التربية وانعدام الضمير، ويرى بأن عصور الاستبداد الطويلة أفسدت فطرة المجتمع، وجعلته عديم الإحساس بالصالح العام.