أبناء بلدتي يموتون بالصواريخ وأنا أموت شوقا للعودة إليها
كانت مدينتي دوما من أوائل المدن التي خرجت في المظاهرات ضد نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة في 18 آذار/مارس 2011. كان والدي يمنعنا من الخروج في المظاهرات أو في أي جنازة. وقد كان منعه الدائم لي ولإخوتي يزعجنا كثيراً. فحماسنا واندفاعنا كانا يزدادان يوماً تلو الآخر، وخاصة بعد مشاركة أقاربنا ومعارفنا في المظاهرات. ومع أننا لم نشارك في التحركات الاحتجاجية، أو بأي شيء يدعو لإسقاط النظام، إلا أننا لم نسلم من قسوته ووحشيته.
تزوجت أختي الكبيرة في 22 حزيران/يونيو 2011، حينها بدأت القذائف تتساقط على مدينة دوما، وبدأ القصف العشوائي. نزحنا إلى عدة مدن في الغوطة، أول نزوح كان لمدة 15 يوماً. وبعدها عدنا إلى دوما، ونزحنا مرة ثانية لمدة شهر تقريباً، لأن القذائف بدأت تتساقط ليل نهار.
يوم هادئ مرّ بلا قصف، ولكن هذا الهدوء لم يستمر طويلاً. جاءنا خبر اعتقال زوج أختي على أحد حواجز النظام بتهمة أنه يحمل جرة غاز. كان ذلك في شهر رمضان الذي صادف في حزيران/يونيو2012 ، ذهبنا بعد ذلك لنسكن في بيت أختي، التي علمت بعد أيام قليلة من اعتقال زوجها بأنها حامل. وكانت قد فقدت الأمل بعودته. يوم مأساوي مرّ علينا، امضيناه بالبكاء.
أسابيع قليلة وبدأ القصف بالصواريخ والبراميل. خرجنا من دوما وكانت الآلام تنتظرنا. أقمنا في قبو مع الفئران والروائح الكريهة، ومرة أخرى في غرفة بلا أبواب ونوافذ على سطح بناء، والبرد شديد وقارس. ومرة في غرفتين مع أربعة عوائل أخرى.
بدأ مرض والدي بالتهابات في فمه، وبسبب انعدام الإمكانية لمعالجته بدأ المرض يزداد. أخذ والدي يتناول حبوب المسكن فقط. وفي 5 شباط/فبراير 2013، رزقنا الله بأول حفيد للعائلة. كان أول حدث جميل منذ بداية الثورة. أعاد لنا القليل من الفرح والسرور. بعد بضعة أشهر عادت أختي وابنها إلى مدينة دوما لتزور عائلة زوجها. حوصرت هناك ولم تستطع الخروج من الغوطة إلى العاصمة دمشق. باتت وحيدة تعاني الحصار والجوع بعيدة عن زوجها وعائلتها.
كان النزوح الأخير لنا منذ سنتين إلى لبنان. اليوم الأول لنا كان عند صديق والدي حيث أقمنا في سقيفة غرفة لا تتجاوز المترين بثلاثة أمتار، وارتفاع متر ونصف، لمدة شهر. لم نستطع البقاء في هذه السقيفة أكثر، وبعدها استأجرنا غرفة كبيرة. شتاء بارد ونحن لا نملك سوى الثياب التي نرتديها، وأربع بطانيات أيضاً لمدة شهر.
عمل أخي في البناء، كان يذهب من قبل شروق الشمس ولا يعود إلا بعد غروبها، لكي يؤمن لنا كلفة السكن وعلاج والدي. وعملت أختي ووالدتي لفترة قصيرة أيضاً، لكي يعينوا أخي في مصروف المنزل. مرض والدي ازداد حيث تحولت الالتهابات إلى كتلة سرطانية. أجرى والدي عملية وبمساعدة ودعم أحد المعارف مادياً. تمت العملية بنجاح، وهو الآن يتلقى العلاج بجرعات كيماوية وجلسات أشعة.
لم أعد أرى مدينتي دوما إلا على التلفاز. بيوتها المهدمة أطفالها الذين يموتون كل يوم، الشوارع التي لطالما مررت بها وقد أصبحت الآن ركاماً. لا زلت أحلم بإكمال دراستي، فارتفاع تكاليف الدراسة في لبنان جعلني أتوقف عن الدراسة. أحلم بالعودة إلى دوما، ومدرستي وأن ألتقي بأختي، الشعب اللبناني لا يدعم السوريين ولا يساندهم، فأنا أفضل الموت في دوما على العيش هنا غريبة في بلد لا يشعر بآلامنا وأوجاعنا، اسأل الله الفرج القريب والعودة إلى بلدي الحبيب سوريا.
ريم الحسن (19 عاماً) تركت الدراسة بسبب ظروف الحرب. تعيش مع أهلها، حيث تعمل كمذيعة ومراسلة لراديو فرش في كفرنبل في إدلب.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي