يوميات الثورة السورية…
شبان وفتيات صدقوا ما عاهدوا…
إن ما أفرزته الثورة السورية بثقلها على أكتاف الأطفال والشيوخ والشباب والنساء. جعلت منها أيقونة رمزٍ وطني. متمثلة بحب الوطن والانتماء له. هذا ما عودتنا يوميات الثورة السورية عليه. وهي تكتب لنا على جدرانها التي لطختها الأيادي الغادرة بحق شعبها أجمل المعاني وأسمى لوحات الإنسانية العظيمة. وككل الشبان والفتيات الذين طوعوا أنفسهم للعمل على إيصال صوت ثورتهم ليصدح في كل انحاء العالم. لم تأبه مجموعة من هؤلاء النشطاء على سبيل المثال وليس الحصر(الذين نحن في صدد توثيق يومياتهم الثورية) إلا أن يكونوا نواة جيل يحمل في طياته ثقل الحرية المنطوية تحت سماء “سوريا للجميع”.
شبان وفتيات أدركوا منذ اليوم الأول معاني البطولة والوطنية. للثورة سخروا أنفسهم واجتمعوا من كل حدبٍ وصوب. لا تفرقهم طائفة أو قومية أو حتى دينٍ وأثنية. يبنون هويتهم الجديدة ويصبغونه في وعاءٍ واحد يسمى الحرية والكرامة. مجتمعين كل يوم أمام شاشات حواسيبهم (تلك الوسيلة الوحيد لكشف الحقائق) ليظهروا للبشرية جمعاء الظلم المدقع بحق شعبهم. شباب ما فتأو إلا ونراهم يتشدقون طعم السعادة والمرارة. سعادة النصر القادم ومرارة الأحداث المؤلمة التي تشل النفوس.
“يوسف وجوان وحنين وجورج وعليا ومحمد وشادي” شبانٌ يجمعهم نبض الثورة المتمثل بقناعاتهم ومبادئهم. رغم اختلافهم في أسمائهم (الوهمية لضرورات امنية) وأطيافهم. فإن هذه اللحمة وهذا التأقلم إن دلّا على شيء فهو المحبة واللاطائفية التي يتبجح بها النظام ضد أبناء شعبه. هم قلة العدد لكن أحدهم يوازي ألف رجل وفتاة. جمعتهم الصدفة تحت لهيب الثورة، أو إن البعض منهم أصدقاء من الماضي إلا أن الثورة جعلتهم أصدقاء وأخوة متمسكين بمستقبل وطنهم.
خدمة الثورة هو واجب يقع على عاتق هؤلاء الشباب فعله حتى وإن اختلفت الطرق ولكن الهدف الأهم بالنهاية تغير النظام. يتعطشون للحرية وتنتابهم ريبة الخوف والبطش. ومع هذا الخوف تختلط مشاعرهم الثورية بالمستقبل الزاهي متفاعلة ببعضها البعض بحيث تراهم يتنفسون الصعداء تحت ظل نقاشاتهم وأجواء لا تخلوا من الضحك والابتسامة والتفاؤل. متجاهلين الرعب والخوف لينقضوا إلى عملهم في توثيق ثورتهم بشهدائها ومعتقليها ومتظاهريها.
أحرار تجمعهم سوريا… وهدفهم الحرية.
“يوسف” هو الأب الروحي والمنسق العام للمجموعة حيث تربطه صداقة مع معظم رفاقه في المجموعة. كما هو صمام الأمان لهم فبوجده يكون الأعضاء مطمئنين. أما “حنين” اليد اليمنى ليوسف ودينمو المجموعة فتاة تحمل في نبضها روح الثورة. كما هو شأن “جوان” الصديق المقرب ليوسف شاب يطمح في نيل الحرية لشعبه ويشاركه “جورج” في المزايا والأفكار. أما “علي” وما ادراك ما علي ذاك الهادئ وحمال جرعات التفاؤل في أعتى حالات اليأس لدى الشباب. أما “عليا” الطيبة بقلبها ورقتها حيث تشاهد أنبل معاني الإخلاص والوفاء للوطن بداخلها. الكابتن “محمد” قلب المجموعة والذي يزين صفحاتها بإطلالاته وأخباره السارة عن الثورة كل يوم. أما “شادي” الغامض الغريب الثوري والقوي الرصين. الشجاع المقدام الذي لا يأبه أن يخترقه الخوف فهو مثال الشاب المضحي لوطنه ورفاقه.
الهدف والعمل…
إن الهدف الموحد لهؤلاء الشباب، وشباب كثيرين مثلهم في الثورة السورية هو إيمانهم النابع والصادق بثورتهم السلمية وهدفها السامي نحو مستقبل مزهر يعيشون فيه بأمان وسلام يتنعمون بالحرية. على عكس معاناة أباءهم وأجدادهم وما لاقوه من بطش النظام طيلة حياتهم. هم شباب طامحون تجمعهم روح الوطنية الثائرة النابعة من صفاء وجدانهم وتطلعاتهم القادمة بعد أن كسروا خوف الماضي بأقلامهم وأفكارهم. كيف لا، وكل منهم يحمل شهادته دونما فرصةً يلقاها أو عمل وكرامة في بلدٍ يقال أنه بلدهم.
هؤلاء الشباب أفدوا أنفسهم في عمل منسق فيما بينهم لجمع وتوثيق أكبر قدر من المعلومات عن أحداث ثورتهم. حيث يتكفل كل منهم بالتواصل مع نشطاء التنسيقيات في المدن الأخرى ليكشفوا الحقائق وينشروها بكل صدق وشفافية وموضوعية. ترى أساليبهم بسيطة وخدماتهم ذاتية ليس لهم سوى حواسيبهم وخطوط الإنترنت. خافين وجوههم وأسمائهم الحقيقية خشيةً على أنفسهم. يحلمون كما يحلم كل شابٍ سوري وناشط في الثورة أن يأتي اليوم الذي يكشفون به عن وجوههم واسمائهم في سبيل بناء وطنهم.
الروح الثورية…
في كل مساء يشتاق هؤلاء الأخوة والاصدقاء للقاء بعضهم البعض جامعين أخبارهم ووثائقهم عن الثورة. بعد أن تركوا ماضيهم والتزاماتهم بل وربما اصدقائهم منذ الطفولة ممن لم يشاركهم الهدف والتفكير. ليلاقوا أصدقاء جدد “أصدقاء الثورة” التي هي أجمل صداقة كما تعبر عنها “عليا” دائماً.
فبعد جمع كل معلوماتهم يقومون بمناقشة الأخبار. يوثقون المؤكدة ويستبعدون الغير مؤكدة لأن شعارهم هو كشف الحقيقة دونما مبالغة.
– “يوسف” ذاك الشاب الصنديد الذي لا يبرح حاسوبه ستة عشر ساعة في اليوم مأكله ومشربه أمام شاشته. يتواصل مع الداخل والخارج يجمع كل شيء ليبني أفكاره النيرة في خدمة الثورة. ويزرع بحكمته ودبلوماسيته روح النقاش الذي يوصل رفاقه لأهدافهم.
– “حنين” الفتاة الواثقة بنفسها وعملها وإيمانها بالحرية لوطنها. أحياناً تقسى على رفاقها ولكن الجميع اعتاد على قسوتها. لأن وطنتيها وصدقها تجاه ثورتها في العمل تجعل احترامها واجب في نفوس أخوتها. كيف لا وهي من أنشط أعضاء المجموعة.
– “جوان” ذاك الشاب المخلص لوطنه والمتفاني في عمله همه الأوحد أن ينال شعبه الحرية. طيب القلب يحترم الجميع ويتحمل كل شيء في سبيل تحرير سوريا حرّة. يواصل عمله لجانب أصدقائه في خدمة وطنه دون كللٍ أو ملل.
– “جورج” ذاك الشاب القوي الذي لا يخشى بطش النظام. يعمل بقدر مئة رجل يحب الخير لجميع أصدقائه ولطالما اعتادوا عليه رفاقه بأن يحذرهم على سلامتهم. كما تراه يجمع كل المحافظات بقلبه وإن حصل نقاش وخلاف حول خبر يكون السباق لتوثيقه أو نفيه.
– “علي” الذي لا تراه إلا نادراً يشارك. ولكن مشاركاته فعالة وحاسمة في بت الأمور. كما يمتلك روح الخفة والنكات حيث يستطيع أن يقلب الحزن المعتم على رفاقه في دقائق ويزرع الابتسامة على شفاههم.
– “عليا” أيقونة المجموعة تلك الفتاة البسيطة الناجحة التي تكاد وطنتيها وحبها لشعبها يسير في دمها. لا يتوقف عملها على النشر فقط. فهي لا تبرح إلا وأن تشارك دوماً في أرض الواقع لجانب الاحرار الشباب الأشاوس في التظاهرات.
– “محمد” ذاك النشيط الذي يواصل الداخل بالخارج تراه يوقف المعارضين إذا وقعوا في خطأ ما ليتجرأ في نقدهم. لذا يعتمد الشباب عليه في الأوقات الحرجة. كما يستطيع أن يعطي نتيجة لأي نقاش.
– الشاب الجريء وقوي القلب والفكر والعقل “شادي” هو كالبلابل التي تغرد من بعيد فأحياناً لا تسمع له صوتاً ونادراً ما تراه يناقش. لكنه لا يحمل إلا الأخبار الدسمة التي ترسم في نفوس رفاقه فرحة المستقبل…
ذكريات لن تنسى… ونقاشات جدية
تتنوع نقاشات الأصدقاء ولطالما تشهد العديد من حالات الحزن والفرح والخوف والإصرار فدائماً ما ترى “يوسف” يطرح الأفكار وتوافق عليها “حنين” التي أحياناً لا تتقبل الجدال والنقاش. وتراها لا تتفق دوماً مع الشباب وبالأخص “جوان” ولكنها في النهاية تعتذر بروح عالية لأن مبدأ المجموعة ديمقراطية التصويت وحرية الرأي. حيث يتقبل “جوان” أي جدال ويحترم عمله من أجل ثورته. ولذة النقاش والمرح يمتلكها “جورج” البطل والذي يكرر هذه الجملة دوماً “بأي جامع رح نصلي ونطلع اليوم يا شباب”. يبتسم الجميع ويقولون “أنت أختار ونحنا معك”. أحياناً ترى “جورج” يذكر “محمد” “محمد صار وقت الصلاة شو نسيان”. كذلك بعد سهرة كل يوم سبت تقوم “حنين ” بتذكير “جورج” “جورج بكرا أحد قوم نام لتلحق الصلاة بالكنيسة”. في خضم هذه الأيام القليلة “جوان” و”عليا” اللذان لم يلتقيا يوماً وهم أبناء جيلٍ واحد أصبحا صديقين حميمين وأخوة. وهما يرددان “أيمت رح تخلص الثورة ونلتقي ونفرح بالحرية” هذه هي روح الثورة بصدقها وعفويتها. ولا تبرح “عليا” الفتاة المتفهمة إلا أن تطلب من “جوان” أن يحدثها عن الأكراد وهي تقول له لم أسمع بهم من قبل. لما لم يدرسونا في المدارس عنهم. فهي كما تقول لم نرى سوى الأحجار “السوداء” في محافظتنا. يتابع “علي” دوماً نقاش الشباب الى حدٍ معين يتطلب دخوله فيقول “شو قصتكن يا جماعة” “خلاص ولو الموضوع كذا وكذا” ليقلب النقاش بمرح خفيف ونكتة ثورية تقلب الاجواء “يلعن روحك يا حافظ… الحرية صارت عالباب”. أما الشقي “محمد” الذي يمازح يوسف دوماً ويستفزه “شو يوسف أقول أسمك الحقيقي…” ويكملون ضحكاتهم وهم منغمسين في أعماق عملهم الثوري. “شادي” ذاك البعيد القريب الذي أحياناً وإن شارك يحاول أن يختبر صبر “حنين” ويناقشها وتزداد حدت النقاش بينهم ولكن هدفهم النهائي بلدهم سورية.
إن هذا التوائم وهذه المحبة وهذا الإيمان الصافي الذي يجمع كل هؤلاء الشباب ومن كافة الأطياف في المجتمع السوري ليس إلا لوحة فسيفسائية والوجه الحقيقي المعبر عن مجتمع الشعب السوري ومحبتهم لبعضهم البعض. فلا يفرق بينهم لا لون ولا دين ولا طائفة ولا قومية. لأن كل منهم مستعد بالتنازل للأخر عن كل شيء.
حقاً إنهم شباب سوريا المخلصين الذين أوكلوا أنفسهم للتضحية في سبيل بناء المستقبل. ذلك من خلال تلك اللحمة والوحدة والتعاضد فيما بينهم. إن هؤلاء الشباب مثال سوريا. التي يتهم البعض الأرعن ثورتهم بالطائفية. فليذهب هؤلاء السذّج للجحيم وليأخذوا العبرة من هذا الجيل المتحاب.