وعرفت أن العيش مرتبط بالعمل

امرأة تسير في حيّ صلاح الدّين

امرأة تسير في حيّ صلاح الدّين

عندما وصلت الى تركيا، لم يخطر في بالي للحظة، أننا يجب أن نعمل لنعيش. العيش هنا مرتبط بالعمل أكثر من أي شيء آخر. ومرتبط بما يوفره لك هذا العمل من مردود مادي، يجب أن إضافة إلى الطعام والشراب أجرة المنزل والكهرباء والماء.
في هذه الفترة كان أخي الأكبر هو الشخص الوحيد الذي يعمل في المنزل. كان المسؤول عن إعالة عائلة مؤلفة من 6 أشخاص براتب 400 ليرة تركية في البداية. وكان اخي الاصغر يبحث عن عمل، لكنه لم يجد. في تلك الفترة لم نكن نعرف أحداً. وكانت البيئة جديدة بكل ما فيها. وكان ما يزال الخوف مسيطراً علينا وعلى أمي بالذات، التي كانت دائما خائفة على إخوتي .
وبعد عدة أشهر جاءت أختي من سوريا، ومعها طفلها الصغير وأخت زوجها. أصبحنا بذلك 9 أشخاص نعتاش على مردود عمل أخي. وبعد أن زاد عددنا اضطر اخي لترك العمل، والبحث عن عمل براتب أفضل. وفعلاً وجد عملاً في مدرسة، كانت تضم الأطفال السوريين. والحمدلله كان الراتب 700 ليرة. وفي تلك الفترة كان هذا المبلغ جيداً كراتب لشخص سوري.
بقينا على هذا الحال مدة ، بعد مجيء أختي بفترة جاء ابن عمي وأقام معنا. وبعد فترة بسيطة أيضا جاءت عائلته من سوريا، ولم يكونوا يملكون منزلاً طبعاً، فمكثوا عندنا ما يقارب الأسبوع. كان هو وزوجته و٣ أطفال بين السادسة والعاشرة من عمرهم. وكنا نقيم جميعاً في هذا المنزل. كان الجو ما يزال بارداً بعض الشيء، وكانت الأغطية لا تكفي لكل العدد الموجود.
أذكر أنه مرت علينا عدة ايام كنت أنام مع أمي وأختي في فراش واحد ونتقاسم الغطاء. أمي كانت تمنح الأغطية للزوار الموجودين عندنا، وعندما كنا نتذمر كانت تغضب منا وتقول: أخفضن أصواتكن لا نريد أن يسمع أحدهم. مع انقضاء الاسبوع ذهب ابن عمي إلى انطاكيا مع عائلته. كان لديهم أقرباء هناك، حيث عثروا لهم على منزل هناك .
أحسسنا بالراحة بعض الشيء، لكن الحال لم يدم طويلاً. كانت الناس تستمر بالمجيء إلى تركيا. وبعدها بأقل من شهر جاء خالي وزوجته. وابن خالي وزوجته ومعه طفل في الرابعة من عمره، بالإضافة لطفلتين واحدة في الخامسة والأخرى في السادسة من العمر. وأيضاً أقاموا عندنا، وعاد المنزل ليمتلئ بالناس والأطفال والصراخ.
ورغم كل هذا أمي تقول: “لا تبينوا شيئاً لأحد”. وفعلاً لم يكن باليد حيلة سوى أن نتحمل، لأن الحال من بعضه، والكل خرج من سوريا مثلنا خوفاً. وبعد ما يقارب شهر على هذا الحال جااء الفرج. قرر أصحاب المنزل الأتراك مغادرة منزلهم، لان عمل صاحب المنزل اقتضى ان يسافر لمدة أربع سنوات. وفور سماعنا بهذا الخبر طلبنا منهم المنزل للإيجار.
بعدها والحمدلله جاء أحد الجيران الأتراك، وكان كفيلاً لإحدى المدارس السورية. حيث كان لا بد من شخص تركي يكفل أي مدرسة سورية داخل تركيا. أبلغني الرجل أنه سيتحدث مع اصحاب المدرسة كي اعمل معهم كمعلمة. طبعاً ذلك كان لأنّني كنت طالبة جامعية. صحيح أنني لم أنهِ دراستي، لكنني كنت قادرة على التعليم.
وفعلا والحمدلله عملت في هذه المدرسة مدة سنة كاملة، براتب 500 ليرة تركية. وبقيت حتى نهاية السنة الدراسية، كانت المفاجأة مع نهاية العام الدراسي. تقرر إجراء مقابلات لكافة العاملين في المدرسة. وطبعا هنا بدأ نظام التزكيات كما يسمونها. وبدأ كل شخص يقوم بتوظيف أقاربه أو أصدقائه.
اعتذروا منّي بحجة أنّني لم أكن متخرجة ولا املك شهادة. وعادت دائرة الضيق من جديد. بقيت في المنزل دون عمل إلى أن جاءت إحدى قريباتنا وأبلغتما أن جيرانها يريدون معلّمة خاصة لأطفالهم، تعلمهم في المنزل بعد العودة من المدرسة، بسبب تراجعهم في دروسهم أثناء تواجدهم في سوريا قبل النزوح الى تركيا.
قالت لي: “أحسن من بقائك في البيت بلا عمل. أقلّه هو عمل ولو للتسلية وتحصلين مصاريفك”. وفعلاً قبلت لهذه الاسباب، وفي اليوم التالي جاءت الأم ومعها 3 أطفال، صبيين وبنت. كانت أعمارهم متفاوتة. فالطفل الأكبر كان في الصف الرابع. والطفل الاصغر رسب في الصف الأول ويقوم بإعادته مع أخته الصغيرة .
كان الأطفال كثيري الحركة وقليلي الانتباه. وبالاضافة الى ذلك كانت جدتهم كثيرة المطالب والكلام. ورغم ذلك ورغم قلة الأجر أكملت معهم مدة شهر… وفي بداية الشهر الثاني أتت جارتنا معتذرة بأن الأطفال لن يأتوا بعد اليوم لعجز الأهل عن دفع أجرة الدروس. توقفت عن التدريس وعادت رحلة البحث المستمر عن عمل …
بلقيس عمار (24 عاماً) من ريف حماة الشمالي تقيم في تركيا متزوجة وتبحث عن عمل.