وعاد زوجي منتجاً
"وبدأ زوجي مشروعه الجديد. وأصبحت الصيدلية، وما تبقى بها من أدوية، وإن كانت قليلة ملكاً لزوجي بالكامل. "
في عام 2016 ومع تدهور أوضاع البلاد وتدني مستوى المعيشة لم يبق لنا إلا الدعاء.
كان زوجي مراقب بيطري، يمارس وظيفته في الدائرة الحكومية في قريتنا. ومع تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، عاث المخربون فساداً في هذه الدوائر وكانها ملك الحكومة لا الشعب. مع انها تخدم الشعب في الدرجة الأولى.
هذه الدوائر كانت تقدم اللقاح المجاني للأغنام والأبقار وحتى للدجاج. كانت تقدم للفلاحين الأدوية للقضاء على فئران الحقول. المراقبون كانوا يجولون على المواشي التي يمتلكها الفلاحون، يقدمون اللقاح المجاني من دون كلل او تأفف. بل كانوا يقدمون كل ذلك وهم بغاية الفرح، لأنهم يخدمون مصالح أهلهم وذويهم.
مع بداية الأحداث هاجمت مجموعة من المسلحين مقر الإرشاد الزراعي في القرية. خربوا كل ما كان فيه، وسرقوا كل ماهو ثمين. ولم يستطع أحد أن يقف في وجههم. لم يفكروا أنهم سيكونون أول المتضررين من هذه الاحداث.
فقد موظفو الدائرة وظيفتهم. وتوقفت الحكومة عن إعطائهم الرواتب. وهكذا خسرنا الراتب الذي كان يوفر لنا نصف مستلزمات معيشتنا. ولا اقول جميعها، لأنه لم يكن ليوفرها كلها. ولكن كان جيداً بالنسبه لنا. كنا ننتظر كل اول شهر بفارغ الصبر. وهكذا أصبح على عاتق زوجي مسؤولية تأمين دخل جديد للمنزل.
وأصبحت الافكار تأخذنا ذهاباً وإياباً. بحر من من الافكار التي لانهاية لها. لم يكن زوجي سابقا قد اعتاد على أي عمل سوى وظيفته. فهو لا يجيد الزراعة ولا يجيد العمل بها. بالإضافة إلى أنه كان يحب وظيفته.
وأصبحت حيرتنا بازدياد من اجل توفير مستلزمات البيت. وفي أحد الايام قال لي زوجي انه تعب من التفكير، وأنه يحس بضائقه في صدره. سيذهب إلى زميله ليخفف عن نفسه. ذهب بخطوات متخبطة وأفكار متبعثره. وكنت كلما رأيته حزيناً أحزن لحزنه.
مضى على ذهابه فترة من الزمن، وقبل غروب الشمس دخل البيت باسماً، وكأنه كان في حلم واستيقظ منه. سألته في دهشة عن حاله فأجابني بأن الله قد اتى بالفرج. زميله اقترح عليه ان يفتح صيدلية بيطرية، أي في مجال عمله. كان زميله دكتور بيطري وليس مراقب. وكانت الفكره أن يجلس زوجي في الصيدلية ويتحمل مسؤوليه البيع، ويكون التمويل من زميله بينما يكون ربح الصيدلية مناصفة بينهما.
لم يطل الأمر كثيراً حتى بدأ المشروع. وتم افتتاح الصيدلية، وبدأ المبيع. الحمدالله ها قد تنشقنا فرحاً بعد غصة.. طالت ومرت الأيام ونحن على هذه الحال ودخل الصيدلية جيد.
إلى أن جاء اليوم الذي أتى فيه شريكه او زميله بعبارة صح قائلاً أنه يريد أن ينهي كل شيء بدأه. كان بحاجه ماسة إلى النقود، وأنه يريد أن يبيع كل شي بنصف القيمة كي يحصل على المال بأسرع وقت. لم يكن بوسعنا إلا أن ننصاع لقراره. فلم يكن لدينا أي خيار، وبدأ بجرد البضاعة وتقسيمها في ما بينهما.
أخذ كل منهما حصته. وفي نهاية الجرد نظر إليه زميله قائلاً: أريد أن أبقي لك شيئاً من الأدوية. كي تبدأ بها مشروعاً خاصاً بك، على أن تعطيني ثمنها لاحقاً. فوجئ زوجي بكلام صديقه. لكنه أدرك أنه يريد أن يعوضه شيئا يسيراً، ومكافأة له على أمانته. ترك له بعض الأدوية بالإضافة الى حصته من الأرباح ومقابل تعبه.
وبدأ زوجي مشروعه الجديد. وأصبحت الصيدلية، وما تبقى بها من أدوية، وإن كانت قليلة ملكاً لزوجي بالكامل. وعاد زوجي منتجاً، يعمل بكد ونشاط وفرح، وعمل الصيدلية بازدياد وتطور يوما بعد يوم.
وما إن مرت السنة الأولى من امتلاكه لها حتى تضاعفت كمية الأدوية فيها ضعفين. والحمدلله وتزداد بشكل ملحوظ. لكن بسبب انقطاع الطرق المؤدية إلى المدينة، تناقصت كمية الأدوية لصعوبة مرور مثل هذه الأدوية على الطرق النظامية. إ
لى أن توفرت مستودعات في قرى جبل الزاوية القربية من قريتنا، فأصبح زوجي يذهب كل شهر يحضر مستلزماته منها. رغم كل خطورة الطريق وكل ما تتعرض له قرى جبل الزاويه من قصف، من قبل الطيران. لكن المعيشة بحاجة الى جهاد وسعي، ونحن الان بحمد الله راضين بما قسمه الله لنا، ونتمنى أن ننعم بالحياة الهادئة والاستقرار لكل البلاد.
نرجس الأحمد (29 عاماً) ربة منزل وأم لطفل تبحث عن فرصة عمل.