وعاد الفدان إلى إدلب
الفدان يجره حماران يوجههما الفلاح تصوير نايف البيوش
"محاصيل الزيتون بعد حراثتها بالفدان أعطت مواسم أفضل من السابق حين كانت تحرث بالجرارات"
يشعر المزارع محمد السليم (56عاماً) بالتفاؤل والرضا. رغم مشقة عمله أثناء فلاحة أرضه بالمحراث التقليدي. أو كما يعرفه سكان المنطقة بـ “الفدان”.
هنا في ريف إدلب الجنوبي يعمل معظم السكان المحليين بالزراعة. معتمدين على ما تجود به الأرض من مواسم. ونظراً لارتفاع تكلفة المحروقات التي تعتمد عليها الآلات الزراعية الحديثة، فقد عادت إلى تلك المناطق وسائل تقليدية في الفلاحة. ومنها الفلاحة بالمحراث اليدوي الأقل تكلفة.
ويأمل السليم، أن يجني موسماً جيداً هذا العام بعد فلاحة الأرض بشكل جيد. السليم وهو الخمسيني من فلاحي قرية بليون. وهي إحدى قرى جبل الزاوية بدأ بفلاحة أرضه المؤلفة من عدة دونمات زراعية مشجرة. كل يوم يخصص 5 ساعات للفلاحة.
يقول السليم: “إن أرضي المزروعة بأشجار الكرز والمشمش تعتبر مصدر رزقي الوحيد. ولذا أعمل جاهداً على خدمتها والعناية بها”. ويتابع موضحاً “لم أعد قادراً مادياً على تأمين تكلفة الفلاحة بالمحراث الآلي المرتفعة، سيما وأن الأرض بحاجة لفلاحة أكثر من خمسة مرات بالعام، لذلك لجأت لطريقة الفدان، وساعدني على ذلك امتلاكي لعدد من الدواب”.
السليم ليس الوحيد الذي يعتمد على الفلاحة بالفدان، بل إن الكثيرين من السكان المحليين ممن يزاولون مهنة الزراعة يلجأون لاستئجار الفدان بأجور زهيدة. تنخفض إلى النصف مقارنة بفلاحة المحراث الآلي.
هذا ما يؤكده المزارع أحمد حاكورة (40 عاماً) واصفاً الفدان بأنه تراث لا يجب دفنه. رغم تطور وسائل الحراثة.
ويروي حاكورة عن أجداده استعانتهم بالفدان قائلاً: “كانوا يستيقظون في الصباح الباكر، ويتجهون نحو أراضيهم الوعرة التي ترامت فيها الصخور لحراثتها بالفدان. فالفدان يتمتع بالمرونة والقدرة على الدخول بين الأدغال والأحراش والصخور الضيقة. ما يؤمن الوصول إلى أكثر المساحات”.
ويردف حاكورة “ها قد عدنا للفدان في ظل الثورة، بعد أن ضاقت بنا الأحوال ولم نعد قادرين على دفع تكاليف إضافية في ظل غلاء المعيشة. وبالوقت نفسه لا نستطيع التخلي عن خدمة أراضينا وفلاحتها بالشكل الأمثل، وهو ما جعلنا نعتمد على الفدان الذي وفر علينا الكثير من الأعباء والأموال، وحافظ على توفير عناية كبيرة للأراضي الزراعية”.
“رغم أن العمل بالفدان يعود بتاريخه للعصور القديمة، منذ عرف الإنسان القديم الزراعة، إلّا أنه وسيلة فلاحة مفيدة جداً للأراضي الزراعية” بحسب المهندس الزراعي مصطفى القاسم (32 عاماً).
ويقول القاسم: “ينتشر هذا النوع من الحراثة في المناطق الجبلية والوعرة التي يصعب على الجرارات العبور فيها. ويتميز الفدان بقدرة سكته الحديدية على الغوص بعمق أكبر في الأراضي حتى القاسية منها، مما يوفر رياً أكبر في فصل الشتاء ومحافظة على هذا الري في فصل الصيف وهو ما ينعكس على إنتاجية الأراضي وخصوبتها”.
القاسم يصف شكل الفدان بأنه مصنوع من الحديد أو من الخشب، وقد يكون بشكل مستقيم أو أنه يأخذ شكل حرف y ، يتوسطه سكة الفلاحة التي تنغرس في التربة بعمق عشرين سم، تجرها الجواميس أو الحمير أو الأحصنة.
ويشير القاسم إلى أن الفلاحة بالفدان ممكن الاعتماد عليها حتى لتقليب التربة بين المزروعات الصيفية أو الشتوية. حيث لا يمكن للمحراث الآلي القيام بهذه المهمة لأنه يمكن أن يتسبب بتخريب المحصول والتربة وتكتلها لكبر حجمه. أما الفدان فهو يدخل بين الخطوط المستقيمة المتوزعة بين المزروعات بسلاسة ومرونة، ما يسمح بالتخلص من الأعشاب الضارة ويسهم في تهوية التربة، ويمنحها طراوة ونعومة ليكون هنالك محصولاً وفيراً.
“وبالمقارنة بين حراثة الفدان والجرارات يتبين أن محاصيل الفدان هي دائماً الأفضل”. بحسب القاسم الذي يشير إلى “أن محاصيل الزيتون بعد حراثتها بالفدان أعطت مواسم أفضل من السابق حين كانت تحرث بالجرارات”.
من جهة أخرى يتطرق القاسم إلى الحديث عن أن هذا النوع من الحراثة لا يخلو من الصعوبات التي يصفها “بالكبيرة” ومعوقات تواجه الفلاح العامل بها، يلخصها بارتفاع أسعار الخيول التي يتراوح سعرها بين 175 و 200 ألف ليرة سورية. فضلاً عن ارتفاع أسعار الأعلاف، عدا عن المجهود العضلي والشاق الذي يتكبده الفلاح أثناء عمله بالحراثة التقليدية.
يحرث أبو محمد (35 عاماً) الأراضي الزراعية بالفدان، مقابل أجرة تبقى زهيدة رغم مشقة عمله. وهو وجد إقبالاً على هذا النوع من الفلاحة وطلبات كثيرة يتلقاها يومياً من المزارعين، غير أنه يشكو من الضغط اليومي، وعدم قدرته على تلبية كافة الطلبات.
المجالس المحلية في ريف إدلب تراقب عودة فلاحي المنطقة لظاهرة الفلاحة بالأدوات التقليدية. أحمد العلي (27عاماً) وهو أحد أعضاء المجلس المحلي في بلدة بليون يقول “أن ثمة توجه قوي لاستخدام هذه الوسائل القديمة”.
ويعزو العلي السبب لغياب الدعم عن الفلاحين، وسط ضعف نشاط منظماتي واضح في هذا المجال وفشل محاولات مخاطبة السلطات الثورية والمدنية في المنطقة، بسبب ضعف الإمكانيات عدا عن بعض المساعدات الخجولة وهي عبارة عن بعض السلات الزراعية من مقصات أشجار وبعض المبيدات والأسمدة.
وبين ارتفاع أجور الجرارات وقلة دعم المنظمات للفلاحين في ريف إدلب ، يجد المزارعون دائما البدائل حتى وإن عادوا للتراث القديم.