وجدت في تركيا وظيفة تناسبني وتحقق طموحي

نعم للتعليم الآمن في سوريا صورة خاصة لحكايات سوريا

قرأت أختي الصغرى إعلاناً على أحد المواقع في شبكة الانترنت عن طلب موظفات للعمل في حضانة أطفال. ذهبت وقدّمت على الوظيفة وتم قبولها سريعاَ، لأن لديها الخبرة في التعامل مع الأطفال. 

كانت أختي قد عملت مدة 6 سنوات مع الأطفال قبل أن تترك عملها السابق. اتصلت بي لتبلغني أنه تم قبولها ولكنهم بحاجة للمزيد من الموظفات. إذ أن العدد لم يكتمل بعد. ولعلم اختي برغبتي في العمل وحاجتي الماسة له. في نفس الوقت أخبرتني بأن اتقدم للوظيفة بأسرع وقت.

ذهبت سريعاً فربما يحالفني الحظ أيضاً وأرتاح من عناء البحث عن العمل، لمساعدة زوجي في مصاريف المنزل بعد الغلاء الكبير للأسعار من طعام وشراب. والغلاء الكبير في ارتفاع إيجار المنازل  وأسعار فواتير المياه والكهرباء. 

كانت الوظيفة في مركز ترفيهي أو ما يسمى صالة ألعاب مغلقة، للعب الأطفال ورعايتهم  لساعات محددة. كان مكان العمل جميل جداً، والفريق العامل الأكبر فيه من النساء. وهذا ما شجعني على الذهاب والتقدم للوظيفه. 

قرار أحد الأشخاص، وهو سوري الجنسية  افتتاح مركز ترفيهي للأطفال في مدينة الريحانية التركيه، كانت الفكره جميلةً جداً. ومهمة بالنسبة للكثير من الأهالي الذين  يبحثون عن أماكن نظيفة وهادئة للعب أطفالهم غير الحدائق المكتظة بالناس. 

مركز ترفيهي للأطفال مسألة مهمة، خاصةً بالنسبة للنساء العاملات، إذ يمكنهن ترك أطفالهن بدون الحاجة للقلق عليهم. 

كان المركز ينقسم إلى عدة أقسام تلبّي معظم حاجات الطفل الترفيهية. إذ أنه يوجد قسم للألعاب البلاستيكية مثل الكرة والأرجوحة ومسبح الكرات وغيرها. وقسم للألعاب الكهربائية مثل السيارات وقسم آخر لألعاب البلايستايشن. فضلاً عن أنه يوجد مكان جداً مريح لانتظار الأهالي، وتتوافر فيه خدمة البوفيه من شاي، وقهوة ومشروبات عديدة  .

كنت بحاجة للعمل، إذ أن عمل زوجي غير ثابت. كان عاملاً في إحدى المنظمات التي يقلّ دعمها يومياً. وكان لا بد من أن أجد عملاً تحسباً لأي طارئ في عمل زوجي. وفي نفس الوقت كنت أحب العمل مع الأطفال. 

ذهبت وتقدمت للعمل، لم تكن هناك من عوائق. وتم قبولي بالفعل في العمل، ووضعت تحت فترة تجريبية مدتها 15 يوماً. وكان عليّ أن أثبت نفسي خلال هذه الفتره. 

اكتمل عدد العاملات حيث كنا أنا وأختي بالإضافة إلى 3 فتيات أخريات وشاب واحد في مقتبل العمر.  كانت إحداهن أم لثلاثة اطفال، توفي أبوهم في الحرب اثر قصف مروحي على قريتهم. والأخرى أم لطفلتين صغيرتين كانت الصغرى ما تزال في شهورها الأولى. والد الطفلتين كان قد فقد في الحرب، خرج لجلب الخبز إلى منزله ولم يعد. أما الثالثة فكانت ما تزال عزباء.

كانت الفتره التحضيريه للافتتاح مهمة جداً بالنسبة إلي. إذ أنها ستكون تقييماً لعملي. وعليه يترتب إن كنت سأبقى في العمل أو أعود لأبدأ رحلةً جديده في البحث عن عمل جديد. كنت أعمل بجد، لأنني أحببت العمل أولاً، ولأن البحث عن عملٍ جديد ليس بالأمر السهل. 

وخلال هذه الفترة كان يتوجب علينا العمل من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة العاشرة مساءً، كي نكسب الوقت ونكون جاهزين في الوقت المحدد . جاء يوم الافتتاح 14 فبراير/شباط 2019 وبدأت الناس بالتوافد لحضور حفل الافتتاح. 

حينها بدأت مرحلة التحول بالنسبة لي. كنت أعمل بجد وبكل همة ونشاط. لم أكن أحسب بأن أحداً ما لاحظ وجودي في ظل كل ذلك الازدحام. كنت أحسب انه قد ضاع وجودي وذهب كل الذي كنت أفكر به من إثبات للذات ولنفسي. 

وكنت أحسب بأن النهاية اقتربت قبل أن تأتي البداية، إذ أن صاحب العمل كان قد قال لي سابقاً عدة مرات بأنني يجب أن أعمل بجد أكبر لأحافظ على هذا العمل. 

كانت أختي تقف إلى جانبي دائماً عندما كان يتكلم معي بهذا الخصوص. وكانت تطلب منه أن يصبر عليَّ قليلاً، وتقول له بأنها المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة العمل والتعامل مع الناس، ومن الطبيعي جداً أن أكون مرتبكة في البداية. هنا تركت كل تلك الأفكار جانباً وبدأت أعمل لأرضي ما يمليه عليَّ ضميري وواجبي.

بدأت أعمل بحب مع هؤلاء الأطفال متجردة من كل الأفكار السابقة . ومرّت الساعات سريعاً وأنا منهمكة في العمل ولم اشعر. في نهاية يوم الافتتاح وكان الوقت في حدود الساعة العاشرة والنصف مساءً، في هذا الوقت لم يتبقَّ أحد سوى نحن وصاحب العمل وزوجته وأطفاله. 

وجاء الصوت المرتقب وبدأ ينادي لنا صاحب العمل ليقوم بشكرنا على مجهودنا وعلى ما قمنا به. بدأ يتشكرنا فرداً فرداً، وعندما وصل الدور إليَّ كانت المفاجأة. قال لي بأنني كنت الأفضل على الإطلاق، وأنه لم يتوقع مني كل هذا النجاح وأنه كان يراقب كل تحركاتنا رغم أننا لم نلحظ ذلك . وقرر صاحب العمل إبقائي والاعتماد عليَّ في كثير من الأمور . 

اليوم أنا لا أزال في العمل الذي اخترته وأحببته، وأصبحت مسؤولةً عن جميع الفتيات العاملات، فضلاً عن أن مرتبي الشهري قد تضاعف وأصبحت لا أخاف من نهاية كل شهر عند دفع الإيجار. أصبحت اليوم أقوى بكثير لأني بدأت أشعر بمكانتي، وأهمية أن أكون امرأة عاملة ذات انتاج خاص، ولها دور فعال في مجتمعها. أصبحت أشعر بالفخر بنفسي وازدياد ثقتي بنفسي …