هيئة حقوقية تعنى بقضايا الأسرى والمعتقلين السوريين

من اجتماعات الهيئة لمتابعة قضايا المعتقلين والمفقودين في السجون السورية

فرحة عظيمة انتابت الخمسيني خالد العلوش حين توصل لمعرفة مصير ابنه هيثم المعتقل في سجون النظام منذ أربع سنوات. هيثملايزال على قيد الحياة وهو في سجن حماه المركزي.

ملف المعتقلين السوريين لا يحظى بالاهتمام الكافي من قبل معظم المنظمات الحقوقية.هذا الأمر دفعمجموعة من المعتقلين السابقين والناشطين الحقوقيين،إلى تأسيس “الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين“، وهي منظمة مدنية تعنى بشؤون الأسرى والمعتقلين،عبر السعي الحثيث لنيل حقهم في الحرية والكرامة.

وعن آلية تواصله مع الهيئة يقولالعلوش:”أرسلت بطلب عن طريق الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين للاستفسار عن ولدي المعتقل منذ العام2015. وصلني الرد بعد شهر بأنه في سجن حماه المركزي،ويمكن زيارته.وهو ماأفرحني وأعطاني الأمل برؤيته ثانية”.

هيثم كان في طريقه إلى جامعة البعث في حمص لإكمال دراسته في السنة الأخيرة بالهندسة المدنية،حين تم اعتقاله من قبل أحد الحواجز التابعة للنظام. ومنذ ذلك الوقت والوالد يسأل عن مصير ولده دون جدوى إلى أن توصل لذلك بمساعدة الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين.

عن الهيئة وانطلاقتها يروي رئيس مجلس إدارتها المعتقل السابق والمحامي فهد الموسى(48عاماً)فيقول:”اعتقلت في سجون النظام ما يقارب العام بتهمة حيازة منشورات تدعو لتغيير نظام الدولة السياسي والاقتصادي.وخرجت من السجن أواخر عام 2012 لأفاجأبعدم وجود أي هيئة من هيئات المعارضة تهتم بقضية الأسرى والمعتقلين والمختفين قسراً”.

ويضيفالموسى:”لا أزال أتذكر الأمانة التي كلفني بها رفاقي في السجن والذين قاسوا كل أنواع العذاب والاضطهاد والذل والهوان،لا تنسونا فنحن أمانة في أعناقكم،عبارةً لا يزال صداها يرن في أذني وكأنها اللحظة”.

كل ذلك دفع بالموسى لإجراء مشاورات مع ناشطين مدنيين وقيادات مجتمعية وشرعيين وقادة فصائل ومحاكم،للعمل على تأسيس منظمة مجتمع مدني سورية في الداخل السوري، تهتم بقضية الأسرى والمعتقلين والمفقودين.

وبعد مشاورات عديدة استغرقت حوالي 6 أشهر تم وضع دراسة تعريفية ونظام داخلي، وعقد المؤتمر التأسيسي الأول للهيئة بتاريخ 23 شباط/فبراير 2015 في ريف حلب الغربي.

عديدة هيأهداف الهيئةأهمها:الحفاظ على حياة الأسرى والمعتقلين.تبيان مصير المفقودين ومعاملتهم معاملة إنسانية حسنة.التفاوض على تبادل وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمخطوفين.تعزيز القيم الأخلاقية لدى الأطراف المتحاربة وفق الشرائع السماوية والأعراف الدولية والقانون الإنساني الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.التخفيف قدر الإمكان من المعاناة الإنسانية عن الأسرى والمعتقلين والمخطوفين والمفقودين وأهلهم وذويهم بإرجاعهم لأهلهم.إيجاد صلة وصل بين كافة الأطراف المتحاربة لإنهاء هذا الملف وفق القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان والقرارات الدولية ذات الصلة، وأخيراً تمثيل الأسرى والمعتقلين والمخطوفين بالمحافل الدولية والمحلية.

ويؤكد الموسى بأن كافة المؤتمرات والأعمال التي تقوم بها الهيئة هي أعمال تطوعية وجميع التكاليف المالية يتبرّع بها أعضاء المنظمة، إذ لم تقدم لهم هيئات المعارضة أو الفصائل وحتى المنظمات الحقوقية أي دعم مالي والسبب كما بحسب الموسى هو “الحفاظ على مبدأ الحيادية والاستقلالية للهيئة”.

ثمة انجازات حققتها الهيئة على صعيد تحقيق أهدافها خلال السنوات الثلاث الماضية يلخصها الموسى بـ “رصد السجون ومراكز ومعسكرات الاعتقال والتواصل مع المعتقلين وأهاليهم،وإصدار تقارير رصد حقوقية وإعلامية، إصدار حوالي 75تقرير حقوقي وإعلامي خلال هذه الفترةوتوجيههاللمنظمات الحقوقية والدولية ومفوضية حقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة والخاصة بسوريا ومكتب المبعوث الدولي ووفد المفاوضات في مؤتمر أستانا ووفد الهيئة العليا للمفاوضات في مؤتمر جينيف بهذه التقارير، إضافة للقيام بحملات مناصرة لدى الهيئات الإعلامية المحلية والدولية.

ويبين الموسى أن الهيئة واكبت حركات العصيانالتي حصلت داخل سجون حمص وحماه والسويداء وطرطوس ورفعت الصوت لمناصرتهاحقوقياًوإعلامياًلمنع وقوع مجازر بحق المعتقلين أثناء التمرد في تلكالسجون.إضافة إلى متابعةعمليات تبادل الأسرى بين النظام والمعارضة التي نجح بعضهاوفشلبعضها الآخر.

حملة “لا للاعتقال التعسفي” كانت إحدى حملات الهيئة التي أطلقتها أواخر عام 2017 بالتعاون مع نقابات المحامين في حلب وحمص وحماه وإدلب ومنظمات المجتمع المدني.ومازال العمل عليها جارياً حتى الآن من خلال التواصل مع الفصائل بغية منع الاعتقال التعسفي في المناطق المحررة.

عضو المجلس المحلي محمد علوان (32 عاماً)يثنيعلى عمل الهيئة ويصفه بالأسلم بالنسبة لأهالي المعتقين كي لا يتعرضوا للنصب والاحتيال في سبيل محاولاتهم معرفة مصير أبنائهم.وعادة ما يتم الرد من قبل الهيئة على طلبات الأهالي بأن ابنهم أو ابنتهم ”في أحد السجون ويمكن الزيارة، أو غير موجود في قيود النظام وبالحالة الاخيرة يمكن تفسيرها بأنه لا زال تحت التحقيق أو أنه مخفي قسراً.ما يعني غالباً وللأسف أنهتمت تصفيته أثناء التحقيق الأولي دون أن يتم تسجيل اسم المعتقل على السجلات”.

من جهتها هيام الرجب (33 عاماً) وهي زوجة معتقل فيسجون النظاملا تثقبعمل المنظمات الحقوقية بما يخص المعتقلين.وتتساءل الرجب:”ما الذي سأستفيده من التواصل مع هكذا منظمات،طالما أنه لا يوجد ضغط دولي على النظام لإطلاق سراح المعتقلين، كما أن توثيق أسماء المعتقلين لدى تلك المنظمات سيزيد من النقمة عليهملعدم توفر حماية دولية جدية لهم”. وتفضل هيام الرجب أن تعيش على أمل أن زوجها سيخرج سالماً ذات يوم.

لم تتخذ الهيئة مقراًثابتاًلها في الداخل السوري،نظراً للاعتبارات الأمنية الصعبة نتيجة عملها على تقارير الرصد الحقوقية والإعلامية.ما يعني أنها ستكون أكثر عرضة للخطر.ما جعلها تعتمد أسلوب العمل كشبكة ناشطين حقوقيين، موزعينفي كل المحافظات السورية.

تمكنت الهيئة على مدى ثلاث سنوات من تشكيل شبكة جيدة من التواصل،للوقوف على أوضاع المعتقلين والسجون ومراكز الاعتقال والاطلاع على ما يجري في السجون والمحاكم، ومتابعة القضايا العامة للمعتقلين،ليكونوا مصدر أساسي لتقارير الرصد الحقوقية والإعلامية التي تزود بها المنظمات الدولية بغية الوصول إلى إجراء دولي جدي ينهي معاناة المعتقلين ويمكنهم من نيل حريتهم.

على الرغم من كلشيء فإن محاولاتالتوثيق والمتابعة والسعي الحثيث لإنقاذ المعتقلين لاتزالدون المستوى المرجو، مع عدم وجود إرادة دولية جدية لحل هذه القضية الهامة والتي لا زالت رهينة الحل السياسي المفقود.

وثّقت الهيئة وجود ما لا يقل عن 350 ألف معتقل في سجون النظام، وما لا يقل عن 150 ألف مفقود.