هربنا من قصف القذائف إلى قصف الطائرات

كنت أقطن مع عائلتي في منطقة السبينة، الواقعة في ريف دمشق. بتاريخ 21 تموز/يوليو 2012، اليوم الأول في شهر رمضان استيقظنا مرعوبين على صوت قوي كصوت الانفجار. امتلأت غرفتنا بالغبار، نظرت وأنا خائفة عبر النافذة. وكأن المنزل أصيب بهزة أرضية. بدأت أنا وأختي بالبكاء والصراخ.

لم أكن أعلم ماذا حدث؟ كانت أول قذيفة تسقط على الحي الذي نسكن فيه. استيقظت عائلتي وجميع أخوتي. بدأت أمي تبكي فقد كان أخي وخالي نائمين على سطح منزلنا. اعتقدت أمي أنهما اصيبا بأذى. نظرت وقد رأيتهما أخي وخالي واقفين أمامي خائفين، ولا يعرفان ماذا حدث؟ ومن ثم سمعنا صوت الجيران وهم يبكون. بعضهم قرر الخروج من الحي.

ذهب والدي ليعاين ما هذا الذي أصابنا عند هذا الصباح. قذيفة اخترقت جدران منزل جارنا أبو رشيد، ودمّرت جزءاً كبيراً من المطبخ والغرف، ودخلت إلى منزل جارنا الثاني. ولكن القذيقة لم تنفجر، لم تقع إصابات بالأرواح. حمل أبو رشيد رأس القذيفة، وهو يقول: “هذه هي القذيفة التي فعلت كل هذا. الحمد لله على كل حال المهم أننا بخير ولم يصبنا أذى”.

نساء ينزحن من منازلهم بعد قصف على حي الأنصاري. تصوير براء الحلبي

وبدأت القذيفة الغير منفجرة تنتقل من يد إلى أخرى. أحضرها لي أخي لكي يريني إياها. أمسكتها وقد كانت ساخنة جداً لدرجة أنني لم أتمكن من حملها طويلاً. ارتدى خالي ثيابه وذهب إلى عمله، بقينا مختبئين في الطابق الأول. كنت خائفة، وأصوات الجيران لم تتوقف. كنت اسمع كلامهم المتقطع. أحدهم يقول أن القذيفة لو انفجرت لكان دمارها أكبر. وآخر يقول: بأن هذه القذيفة جاءت بالغلط على حيّنا. لم يكن بوسعي أن أتحمل أكثر. حاولت النوم من جديد لكنني لم أستطع.

بدأت أراقب جارنا أبو رشيد وهو يخرج بعض الثياب والأدوات المنزلية من تحت الركام. مرّت ساعات على الحادثة، ونحن في انتظار آذان المغرب. ما إن جلسنا إلى مائدة الطعام، حتى وقع انفجار قوي، لم نعرف حينها مصدره. كنت جائعة ولكني لم استطع تناول الطعام. ذهب أخي ليعرف موقع الانفجار. تبيّن انه نجم عن لغم انفجر بأحد الثوار وأدودى بحياته وحياة أربعة آخرين. كان يوم مختلف عن الأيام السابقة، فقد ترك في نفسي خوفاً عميقاً من الغد. لم تكن هنا النهاية، فصوت الطائرات المروحية لم يهدأ ونحن نترقبها وهي تلقي الصواريخ على المناطق السكنية. أمضينا شهر رمضان في خوف، مع القليل من الجوع. فالخبز لم يكن متوفراً دائماً. طائرة تلو أخرى، وفي المساء كانت قوات النظام تقصف الحي بأكثر من ثلاثين قذيفة يومياً. أصبحنا ننتظر الوقت الذي سنموت فيه، اذ أني كلما سمعت صوت قذيفة أظنها قادمة باتجاهنا. مع الوقت تأقلمت مع الوضع، وبات شيئاً اعتيادياً، لم  يتبقَّ أي شيء من مقومات الحياة، الماء والكهرباء والخبز كلها انعدمت. أصبح الحي كمدينة أشباح، لا تسمع فيه سوى صوت الرصاص والقذائف. حتى أننا لم نعد نسمع صوت الآذان. كانت لحظات صعبة. خرجنا من الحي بعد عناء طويل، فالطريق كانت مقطوعة ولكن بفضل الله خرجنا.

لم ينتهِ حمّام الدم الذي يمارسه النظام في دمشق، فبعد أيام قليلة من عودتي إلى مدينتي كفرنبل، حصلت مجزرة مروعة في المدينة، وراح ضحيتها العديد من الشهداء. أصبحت أخشى أن يموت أحد من أفراد أسرتي. ولكني إلى الآن انتظر دوري، دون أن أعلم كيف سأموت بقذيفة أم بصاروخ طائرة روسية، أو حتى ببرميل طائرة مروحية، فمع كل صوت صاروخ يتوقف قلبي للحظات حتى يسقط بعيداً، وأعلم بأنني لا زلت على قيد الحياة، وأن هناك أناساً غيري سرقهم الموت وهم تحت الأنقاض…

ريم الحسن (19 عاماً) تركت الدراسة بسبب ظروف الحرب. تعيش مع أهلها، حيث تعمل كمذيعة ومراسلة لراديو فرش في كفرنبل في أدلب.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي