نقاش في غازي عنتاب حول مستقبل سوريا
بيروز بريك
في “مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا” في مدينة غازي عنتاب التركية، يشير الناشط والمعتقل السابق سرور شيخموس (33 عاماً)، الذي أتى إلى المركز في زيارة اعتيادية لتبادل الآراء حول الوضع في سوريا، إلى الخريطة التي تعلو رأسه بقليل للدلالة على مناطق النزاع الطائفي والقومي في سوريا. يسهب شيخموس في التعليق على مقابلة جديدة للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي تحدث فيها عن انهيار الوضع الحالي الناتج عن اتفاق سايكس – بيكو وعن تدخل حزب الله في الحرب السورية. يقول شيخموس: “لا تلوح في الأفق أية بادرة للحل تراعي طموحات الشعب السوري في التخلص من الدكتاتورية والقمع، بل ستكون المصالح الدولية والإقليمية الكثيرة التأثير الأكبر في صياغة أي حل مستقبلي، ففي ظل الفوضى وطول مدة الحرب الدائرة والإمداد العلني والسري للسلاح ليس هناك ماهو مبشر ولكن لا يجب أن تموت الإرادة لإيجاد مخرج سياسي يحقن الدماء، ويحفظ ماتبقى من الموارد والبنية التحتية”.
ظهور إشارات واضحة إلى تقدم نسبي للنظام عسكرياً في عدة مناطق منذ انتصاره في معركة القصير، الذي قابله إعلان مؤتمر “أصدقاء سوريا”، الذي عقد في الدوحة يوم 22 حزيران / يونيو، التعهد بتسليح المعارضة، أثار الجدل بين السوريين العاملين في الشأن العام، أكانوا سياسيين أو ناشطين مدنيين أو عمال إغاثة أو صحافيين. الآراء المختلفة التي استطلعها موقع “دماسكوس بيورو” في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا مالت بمعظمها إلى اعتبار التسليح يكسب المعارضة توازناً عسكرياً مع النظام ولكنه يزيد في أمد الصراع أيضاً في الوقت نفسه.
تعد غازي عنتاب ملتقى يتوافد إليه السوريون لقربها من الحدود السورية، و للأمان التي يسودها أكثر من أنطاكية والريحانية اللتين شهدتا أعمال عنف استهدفت السوريين على إثر تفجيرين أوقعا قتلى وجرحى في شهر أيار / مايو. وعادة يستقر فيها الناشطون في العمل المدني والإعلامي، الباحثون عن وضع أفضل يكونون فيه بمنأى عن اعتقالات وبطش النظام أو القصف و الظروف الصعبة.
رئيس تحرير صحيفة “حنطة”، وهي معارضة مستقلة، توزع في مناطق سيطرة المعارضة علناً وفي بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام سراً، ناجي الجرف يوافق شيخموس على كون السلاح الذي سيمنح للمعارضة، والدعم اللوجستي للنظام من قبل حلفائه، غرضه إطالة أمد الصراع ويضيف قائلاً “الغرض هو إنهاك البنى التحتية، وإضعاف أية قوة أو توجه قد يحمل طابعاً مدنياً مما يحتم على السوريين الوصول إلى توافقات داخلية قابلة للحياة،كي يحيدوا العامل الخارجي قدر إمكانهم”. يشرب الجرف كأس الكركديه الساخن في مقهى صيفي قريب من جامعة غازي عنتاب ويردف حديثه بعرض رؤية أخرى قائلاً: “لا أخاف من الإسلام السياسي أو التطرف الديني، وأظن أن المخاوف في هذا الصدد مبالغ فيها بل أعتقد أن الخطر الأكبر يكمن في المناطقية المتمثلة بزعامات وتنظيمات عسكرية محلية وعشائرية في مناطق عديدة تفرض نفوذها عن طريق الترغيب بالإغاثة والترهيب بالسلاح”.
يجلس داريوس الدرويش العضو المؤسس في “المركز السوري للعدالة الانتقالية” (مسعى) مع مجموعة من السوريين القادمين إلى عنتاب، للمشاركة في ورشة تتناول حل النزاعات و طرق التفاوض و هو يختلف مع شيخموس والجرف ويرى أن دعم المعارضة بالسلاح هو لـ”فرض توازن يجعل الحل السياسي ممكناً وليس بغرض إدامة الصراع”. وفي رده على سؤال يتعلق بدور الإسلاميين في سوريا المستقبل يقول إنه في حال استمرار تشتت تيارات المعارضة العلمانية وخضوعها لمحاور عدة، سيعزز الإسلاميون ولا سيما الجهاديون منهم دورهم السياسي “بعد أن استطاعوا تحويل الصراع القائم ما بين نظام حكم استبدادي ومعارضة تطالب بالديمقراطية والحريات وتداول السلطة إلى صراع سني – علوي في أذهان جمهور واسع من السوريين، وبذلك تتحول الثورة عن مقاصدها في ظل مسايرة جمهور كبير للقوة المسيطرة على الأرض وتماهيها معها”.
تثير فكرة الدعوة إلى التفاوض مع النظام، مثل الدعوة التي أطلقها مؤخراً الرئيس السابق للائتلاف الوطني المعارض معاذ الخطيب، استفزاز عدد كبير من السوريين، لما يرون في ذلك تساهلاً مع بشار الأسد بعد أن ارتكبت قواته جرائم عدة. إلا أن مسؤولة العلاقات العامة في”مركز المجتمع المدني و الديمقراطية” رجاء التلي ترى رجاء التلي أن التفاوض هو الخيار الأنسب للخروج من دوامة العنف.
تقول التلي: “مع تزايد الأسلحة الموجودة في سوريا و تزايد العنف والقمع الذي يستخدمه النظام ضد الشعب السوري و مع تزايد قوة الأطراف المحسوبة على المعارضة، والتي ترتكب انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الانسان أرى أن بريق الأمل سيكون موجوداً فقط في حال تم اتفاق الأطراف المختلفة على الجلوس إلى طاولة واحدة من أجل البدء في الحوار و النقاش، وذلك لوضع سوريا على بداية طريق الانتقال لدولة مدنية تعددية ديمقراطية”.
النقاش حول شكل الدولة السورية في المستقبل لا يقل إثارة للجدل عن الحديث حول التفاوض بين المعارضة والحكومة. فبينما يرى ناشطون ومهتمون، ولا سيما من العرب السُنّة، أن أي طرح يتعلق بمنح الأكراد حكماً ذاتياً هو تمهيد لتقسيم سوريا، يعتقد ناشطون ومثقفون أكراد أن الفيدرالية هي الضامن الحقيقي لبقاء سوريا موحدة، وأن أية دعوة لدولة مركزية بعد أنهار الدم و لنزاع الأهلي الحاصل و التهميش الذي طال الأطراف على مر العقود الماضية سيكون غايته إعادة فرض دكتاتورية جديدة وعرقلة لتوزيع الثروة بشكل عادل.
يرى ناجي الجرف، وهو عربي من مدينة السلمية في محافظة حماه، أن هذه الاستقلالية يجب أن تكون ضمن حدود اللامركزية الإدارية، دون تشكيل أي حكومة فدرالية.
“اللامركزية الإدارية هي حل مقبول فهناك مخاوف من تنامي دعوات مناطقية ستضر ببنية المجتمع السوري، كما في دير الزور ذات الغنى النفطي، فليس الأمر متعلقاً بنزوع كردي نحو الاستحواذ على المناطق التي يشكلون فيها أغلبية فحسب، وبالمجمل يجب أن تكون اللامركزية إدارية ولا تتعدى هذا الجانب”.
بينما يؤكد داريوس الدرويش، وهو كردي، أن “أي مكون لن يرضى بحكم مكون آخر له مستقبلاً، و الفيدرالية ستنحو بالمناطق نحو التنمية و توزيع الثروة عدا عن مراعاة خصوصية المناطق بحيث لا يطغى مكون على آخر كما في الحقبات السابقة”.