ناشطون ينتقدون تغطية القنوات الفضائية
يبدو صادق متجهم الوجه وهو يمعن النظر في صور الجثث التي تعرض على قناة العربية. يعقب سكوته ترديد جملة يظل يكررها على مسامع رفاقه الذين يعمل معهم في تصوير المظاهرات ومواكب التشييع وآثار الدمار التي يخلفها القصف على أحياء دمشق الجنوبية. يقول صادق: “لولا قناتي الجزيرة والعربية لما استمرت ثورتنا ولكان الآن كل الناشطين جزءاً من الماضي، إمّا في القبور أو في المعتقلات أو خارج سوريا.”
في ظل انعدام القدرة على إجراء استطلاعات رأي في سورية لتبيان موقف الناس من قضايا معينة، يضطر الصحفي إلى الاعتماد على احتكاكه بالشارع وعلى سؤال أكبر عدد ممكن من مواكبي الموضوع. ويبدو أن الكثيرين يتفقون مع وجهة نظر صادق ويعتبرون أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في إيجاد زخم للثورة السورية وأن قناتي الجزيرة والعربية استطاعتا استقطاب قطاعات عريضة من السوريين.
ولكن هناك شرائح أخرى متضامنة مع الثورة ترى أن هاتين الفضائيتين لم تخدما الثورة السورية كما خدمتا الثورات الأخرى، كالتونسية والمصرية والليبية، وأن تغطيتها أحداث الثورة السورية جاءت متأخرة. زهير العمر، على سبيل المثال، الذي ينشط في المكتب الإعلامي لتنسيقية داريا التابعة للجان التنسيق المحلية يعود بالذاكرة إلى الوراء حينما كانت الجزيرة خجولة جداً في نقل الأخبار من سوريا ولا سيما في بداية الثورة، حسب رأيه. ويرى العمر أيضاً أن قناتي الجزيرة والعربية لعبتا دوراً في تحويل وجهة الثورة من الحالة السلمية إلى العسكرة. ويضيف قائلاً: “مع زيادة وحشية النظام وارتكابه المجازر كان للقنوات دور كبير في تأجيج مشاعر الغضب وتوجيه الشارع نحو الكفاح المسلح. وبدأت بالدعوة للعمل المسلح من خلال التركيز على استضافة أشخاص يطالبون بعسكرة الثورة وهذا ما سعى إليه النظام منذ بداية الثورة ليثبت صحة روايته بوجود عصابات مسلحة.”
ويرى زهير العمر أن الميل إلى تغييب الجانب المدني والسلمي في الثورة من قبل العربية والجزيرة والتركيز على النشاط العسكري والنزوع إلى المبالغة والتهويل أدى إلى تفضيل فئة من الجمهور السوري متابعة قنوات أخرى كقناة فرانس 24 الفرنسية وقناة سكاي نيوز البريطانية اللتين تقدمان صورة أكثر قرباً من الواقع بحسب الكثير من الناشطين الإعلاميين.
سحر المتخرجة من قسم الإعلام بجامعة دمشق تنتقد بشدة تركيز قنوات معينة كالجزيرة والعربية على أسلمة الثورة، كما تقول، بحيث تبدو وكأنها ثورة سلفية بينما يتم إغفال دور الأقليات. تقول سحر التي تساعد أحد المكاتب الإعلامية الثورية في ريف حماة بصياغة الأخبار وتنقيحها لغوياً: “إن أهم ما أفرزته ثورتنا هو الشعور بتوحيد السوريين حول مطلب واحد بينما يأتي الإعلام النفطي الخليجي ليضخم وجود الإسلاميين في الثورة ويركز على شعاراتهم ويتم عن قصد تغييب القوى الثورية والناشطين العلمانيين وذوي التوجه المدني.”
يخالف أكرم، وهو ناشط يصورالمظاهرات في مدينة إدلب، رأي سحر ويقول إن من يقوم بالفعل الميداني حالياً هم عناصر الجيش الحر وإن دور الحراك السلمي والمظاهرات بات هامشياً وغير مجدٍ ومن الطبيعي أن يلقي الإعلام الضوء على الأفعال التي تمتاز بالحركة والتأثير وهذا ما يجعل من هذه القنوات تركز على نشاطات الجيش الحر وعملياته العسكرية وكذلك على ممارسات النظام والمجازر المرتكبة بحق المدنين. ويستطرد أكرم قائلاً: “هناك حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن المكون السني في سوريا هو الذي يتحمل العبء الأكبر من ضرائب الثورة وأبناء الطائفة السنية التي تشكل غالبية الشعب السوري يتعرضون لأبشع صنوف القهر والقتل والتعذيب.” ويرى أكرم أنه من الطبيعي أن يرفع السنة شعارات إسلامية توحدهم في وجه نظام قاتل ومن الطبيعي أيضاً أن تكون أسماء الكتائب ذات صبغة إسلامية.
أما من الجانب الكردي، فتقييم تعاطي القنوات الفضائية العربية مع الثورة السورية يتعلق بطريقة تناولها الحراك الكردي ودوره في الثورة. يتحدث ناشطون أكراد يمثلون شريحة واسعة عن غبن إعلامي كبير يتعرضون إليه من قبل معظم القنوات العربية. فبعد أن كانت مظاهراتهم في القامشلي وعامودا ورأس العين تتصدر نشرات الأخبار في بداية الثورة، تم تغييب المشهد الثوري الكردي عن الواجهة الإعلامية لفترات طويلة من قبل الجزيرة على وجه الخصوص. وقد ظهرهذا النمط من التعامل عقب الإشكالات التي حدثت بين المعارضين الأكراد والعرب في مؤتمرات المعارضة. ويتهم ناشطون أكراد وسائل الإعلام العربية، وخاصة قناتي الجزيرة والعربية، بأنها تحاول تزييف الواقع بحذف الأكراد من خارطة العمل الثوري تحت دعوى أن المناطق الكردية باتت تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني وأن المظاهر الثورية قد ولت إلى غير رجعة عن تلك المناطق. يقول آراس وهو ناشط يعمل مديرا في صفحة ثورية كردية على فيس بوك: “هناك تحالف خفي بين القوى التي تحاول فرض الأجندات على الثورة السورية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، ومن ضمنها تهميش الكرد رغم أنهم كانوا سباقين في الثورة منذ أيامها الأولى.”
لكن محمد وهو ناشط كردي أيضا يستبعد فرضية تواطؤ الإعلام مع الجهات التي تختلف مع الأكراد حول حقوقهم وهوية الدولة ويقول: “تعاطي الإعلام مع القضية الكردية بإنصاف يستلزم وقتاً ولن يشكل تغييب الأكراد عن الإعلام، سواء بقصد أو بدونه، قضية ذات شأن كبير،” في إشارة إلى أن النظام لم يمنح مكونات الشعب السوري مجالاً للتعايش فيما بينه لذا فإن تفهم حقوق الأكراد يستدعي وقتاً ومناخاً ديمقراطياً.
هل القنوات الفضائية مع الثورة أم ضدها؟ الجواب على هذا السؤال يحسم في كثير من الأحيان رأي المشاهدين في الوسائل الإعلامية وتفضيلهم قناة معينة. الدقة والحيادية في نقل الأخبار تلعبان لدى الكثيرين دوراً ثانوياً. هالة دروبي صحفية سورية مقيمة في دبي، تكتب في صحف عربية ودولية، تشير إلى هاتين النقطتين وتركز على صعوبة تغطية الأخبار من سوريا ومعرفة ما يجري على الأرض بشكل يومي لعدم سماح الدولة لمعظم الصحفيين بالدخول الى الأراضي السورية. ولكن رغم وجود هذه الصعوبات فإن من واجب وسائل الإعلام العمل بمهنية، كما تقول. وتقول دروبي إنّ الشعبية التي تتمتع بها قناة معينة ليست بالضرورة مرادفاً للمصداقية ولتحري دقة المعلومة وتستطرد الصحفية قائلة: “أذكر في بداية تغطيتي الثورة أن بعض الناشطين كانوا يطلبون مني عدم نشر ما يضر بمظهر الثورة أو تحريف بعض الحقائق ليبدو النظام أكثر إجراماً. وبالطبع كنت أرفض وأقول لهم، هذا لن يخدم قضيتكم ولن يخدم ثورتكم. ليس هدف الصحفي خدمة الثورة أو النظام؛ ليس هدفنا خدمة أي طرف. الهدف الأول والأخير خدمة الحقيقة، وبذلك نخدم الحق ومن هو على حق.”