من صور التعذيب في معتقلات سوريا
شارك سعيد في بواكير التحركات الاحتجاجية ضد النظام الحاكم التي جرت في دمشق. كان من الناشطين الأوائل الذين عملوا على تحريك سكان العاصمة وشارك في إيجاد شبكة للتواصل مع ناشطين في محافظات سوريا أخرى بغية التنسيق الميداني. ساهم سعيد في حشد الشباب للمشاركة في مظاهرة الجامع الأموي والتي قُمعت بشدة في أول جمعة من جمع الثورة السورية بتاريخ 18/3/2011. واعتقل بعد عدة أيام حين كان ينوي اللقاء بناشطين آخرين للقيام باعتصام من أجل إطلاق سراح معتقلين. إختطفته سيارة سوداء من وسط دمشق. يروي سعيد التجربة التي عاشها في مركز الاعتقال ويقول:
“إنهالت عليّ اللكمات والصفعات من كل صوب. كانت عيناي معصوبتين بالـ”طماشة” وهي عبارة عن شريط مطاطي تعصب به العيون. بعدها ركلني المحقق على ظهري ووقعت على الدرج. شعرت أن ركبتي تهشمت، لكني لم أصرخ. كانوا يتعمدون وضعي في مكان قريب من الغرفة التي تحوي الكرسي الألماني حتى أسمع صرخات المعتقلين. عرفت بوجود هذا الجهاز من خلال الصوت المنبعث من السلاسل والألواح الخشبية ومن إيعاز المحقق للعناصر بشد السلاسل. يقرص هذا الجهاز فقرات الظهر عبر تقويس الجذع والساقين وهو من أكثر أدوات التعذيب سوءاً في معتقلات النظام السوري.”
يكمل سعيد حديثه فيقول:
“لم أمر بتجربة الكرسي واكتفوا بجلدي بالكابلات حتى وصلت إلى درجة الخدر ولم أعد أحس بالألم، ثم أدخلوني الزنزانة المنفردة. نزعت ثيابي ورأيت قدماي المتورمتان وانحباس الدم بين الأنسجة والعضلات والازرقاق المحيط بالمناطق التي تركز عليها الجَلد. كان المنظر رهيباً وأحسست بأنني سأصاب بعاهة دائمة.”
ينهي سعيد كلامه متبعاً ذلك بشهقة تبرز مدى تأثره وشعوره بالإهانة. لم يمض في المعتقل سوى ثلاثة أيام وكان من حسن حظه صدور مرسوم بالعفو شمله أيضاً. يشاطر سالم سعيداً في تجربة السجن والشعور بالإهانة. سالم الذي يقطن في ريف إدلب استهل سرده لرحلة العذاب والألم بقوله: “بدا لي وكـأني أعيش في قبر يكتم على نفسي.”إقتيد سالم من مزرعته برفقة خمسة من أقربائه من قبل الأمن العسكري. سحلهم رجال الأمن وركلوهم وضربوهم بالعصي وأعقاب البنادق وربطوا أياديهم ووضعوهم على خلفية سيارة بيك آب، ثم جلدوهم وداسوا عليهم. وبعد أن أوسعوا سالم ركلاً، أحس بشيء صلب ينزل بقوة على فكه ويكسر إحدى أسنانه فيما بدا له أنه عقب بندقية. بعد وصول البيك آب إلى مركز الإعتقال، إقتيد سالم معصوب العينين إلى غرفة كريهة الرائحة ثم بُدأ التحقيق معه بشكل فردي مترافقاً باللكم والجلد بالكابلات واستعمال الفلقة. ذاق سالم أيضاً الصعق بالكهرباء مرتين لكي يدلي باسم ناشطين من قريته فروا إلى تركيا. يقول سالم: “يتمنى المرء الموت ألف مرة وهو بين أيدي أناس أعماهم الحقد وجردهم من الإنسانية.” بقي سالم ستة عشر يوماً في المعتقل كانت من أقسى أيام حياته.
لاتوجد إحصائيات دقيقة لعدد المعتقلين في السجون السورية. تتفاوت الأعداد حالياً بين خمسة وعشرين وخمسين ألفاً. هناك بعض المنظمات والجمعيات السورية التي تسعى إلى رصد خروقات حقوق الإنسان في مراكز الاعتقال والسجون السورية مثل مركز توثيق الانتهاكات في سوريا ومنظمة داد، وهي المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا، أولجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا. يقول المحامي رديف مصطفى إن الحديث عن الرصد المنهجي الشامل في ظل الظروف التي يمر بها البلد أمر صعب للغاية. فالانتهاكات التي تجري بالفعل، حسب قوله، هي أكثر بكثير من الرصد الذي يمكن أن تقوم به المنظمات والناشطون. مصطفى ناشط حقوقي ومدير مكتب حقوق الإنسان في المجلس الوطني السوري المعارض. يقيم المحامي حالياً في تركيا بعد تعرضه للملاحقة وبعد اعتقال نجليه اللذين شاركا في الحراك الثوري. ويستطرد مصطفى قائلاً: “رغم ذلك نقوم بالرصد والتوثيق وإعداد التقارير ومصادر معلوماتنا هم في الغالب المعتقلون أنفسهم.” ويضيف مصطفى قائلاً إن صلة الوصل بين المعتقلين ومكتب حقوق الإنسان هم العديد من الناشطين على الأرض الذين يقومون بجمع الشهادات بشكل مباشر. ويشرف السيد رديف مصطفى على إصدار تقارير تتناول حالة حقوق الإنسان داخل سوريا ويتم نشرها وتزويد المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية بها.
لاحظ مصطفى من خلال جمعه لتجارب المعتقلين السوريين أن النظام بات يمارس تصعيداً كبيراً في التعذيب الذي يفضي أحياناً إلى الموت أو إلى إصابة المعتقل بعاهات دائمة. وهذا ما تؤكده أيضاً تقارير صدرت أخيراً عن منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس واتش. تقرير صدر آخر شهر يونيو/حزيران عن منظمة العفو الدولية يوثق على سبيل المثال عملية قتل ثلاثة شباب من حلب كانوا قد اعتقلوا في 17 يونيو/حزيران ووُجدت جثثهم في 24 من الشهر نفسه تبرز آثار تعذيب وحشي.
سردار، وهو معتقل سابق، يخضع الآن لعلاج فيزيائي نتيجة لانقراص فقراته وتزحزح إحداها من مكانها بعد أن وُضع على الكرسي الألماني. شارك سردار في تنظيم الشباب الثائر في كل من دمشق والقامشلي. وقد اعتقل في ريف دمشق على أحد الحواجز. يقول سردار الذي بقي ستين يوماً في فرع المنطقة بدمشق الذي يضم أكثر من جهة أمنية: “لم يكن التعذيب الجسدي يؤلمني بقدر ما آلمني التعذيب النفسي الذي يشمل نزع الثياب وترديد العبارات البذيئة بحق المعتقلين والإجبار على الجري عارياً أحياناً خلال التنقل ما بين الزنزانة ومكان التحقيق. إنه الجحيم بعينه!”
يشاركه في الرأي عبدالرؤوف الذي كان نزيل الفرع نفسه الذي يقع في الشارع الواصل بين إدارة التوجيه السياسي وفندق الكارلتون. ويتحاشى الكثير من المعتقلين السابقين المرور على مقربة من ذاك الشارع نتيجة الألم النفسي الذي تحدثه لهم الذكريات المرتبطة بهذا المكان. يؤكد عبد الرؤوف أنه تعرض لسيل من الاتهامات بسبب نشاطه في الثورة السورية وأنه تعرض للضرب المبرح والتعليق من اليدين كي ينطق بأية معلومة كانت عن الجيش الحر أو عن من يدعمهم بالرغم من كونه ناشطاً سلمياً يقتصر نشاطه على التظاهر. ويستطرد قائلاً: “كثيرا ما أرى كوابيس في منامي تتضمن وجوهاً ومناظر لازمتني خلال التوقيف لكن أكثر ما آلمني هو الصفع على الوجه بقوة وكذلك ضربهم للمسنين أمامي. لقد ضربوا رجلاً يزيد عمره عن الستين سنة أمامي بالسياط وكان يبكي ويتوسل بينما لم يمل المحقق من سبه ووصفه بأقذع النعوت بسبب تقديمه مبلغاً من المال لأحد الشباب المطلوبين كما أنهم أجبروني على ترديد شعارات مناهضة للثورة وعبارات أخرى تمجد الدكتاتور بشار الأسد.”
تم جمع المئات من شهادات معتقلين سابقين خلال الأشهر الماضية ولكن علينا الانتظار ريثما يسقط النظام لكي تتضح الصورة المؤلمة بشكل كامل. ستكون هذه المرحلة بالتأكيد من أكثر الحقبات رعباً في التاريخ السوري.