من الحدود التركية إلى مطعم في كفرنبل

أطفال يمشون في الشارع - تصوير رأفت بيرم

أطفال يمشون في الشارع - تصوير رأفت بيرم

"وبعد عمله في المطعم حاول البحث عن عمل آخر ولكن دون جدوى. وهذا ما دفعه للتفكير جدياً بالهجرة إلى تركيا للعمل وتحسين مستوانا المعيشي."

فقدنا الكثير من الأحبة في الحرب، ومن بقي على قيد الحياة يسعى جاهداً للاستمرار. الاستمرار بالحياة هنا يحتاج إلى دخل جيد.
يضع الناس هنا الكثير من الحلول، منها العمل بدوام إضافي، أو العمل في مهنتين، والخروج من المنزل منذ الصباح حتى منتصف الليل. كل هذه الحلول لا يستطيع الكثيرون تنفيذها لأسباب عديدة منها عدم حاجة سوق العمل للأيادي العاملة الجديدة. وتهدم معظم المعامل، وهروب رؤوس الأموال للخارج، ومعظم الناس هنا لا يمتلكون مهارات تساعدهم في العمل.
بالنسبة لي اتخذت وزجي قراراً آخر، قراراً يبدو في ظاهره مناسباً، لكن في طياته الكثير من المتاعب والصعوبات. القرار اتخذناه بعد تفكير طويل وهو اللجوء إلى تركيا.
بدأ زوجي في شباط/فبراير 2014 التفكير جدياً في اللجوء إلى تركيا والعمل فيها. حاول كثيراُ أن يجد عملاً هنا، أساساً هو يعمل كشيف مطعم، ولكن يبدو هذا العمل صعبا جداً في مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي.
نحن لا نملك رأس مال حتى يؤسس زوجي مطعماً لنفسه، لذلك أصبح يعرض خبرته للعمل لدى المطاعم الأخرى. لكن البدل المالي كان بسيطاً 100 دولار شهريا. البدلات المالية في سوريا هكذا في معظمها.وبعد عمله في المطعم حاول البحث عن عمل آخر ولكن دون جدوى. وهذا ما دفعه للتفكير جدياً بالهجرة إلى تركيا للعمل وتحسين مستوانا المعيشي.
عندما بدأ يسأل عن طريقة الخروج إلى تركيا، بدأ الجميع يرسم له طريقاً سهلاً للوصول إليها. تحتاج هذه الرحلة إلى تركيا، لمهرب محترف يتقاضى 400 دولار عن كل شخص، وإرادة قوية تدفعك لعبور الطريق الطويل والشاق، وإلى وجود من ينتظرك في تركيا لتأمين العمل.
هذه الأفكار أبلغني بها زوجي، فزدت أنا من مخاوفه. أنا لا أستطيع العبور مع طفلي سيراً على الأقدام لمدة 12 ساعة متواصلة عبر الجبال. ولكن بعد تشجيع منه ووعوده لي بالحياة الكريمة في تركيا، ورغم عدم اقتناعي بهذه الوعود، وافقته على الرحلة فقط لأنني رأيت العجز الذي عايشناه هنا.
وانطلقنا إلى الحدود التركية. المهرب بعد أن رأى جسدي الهزيل قال لي: “هل تستطيعين تحمل الرحلة مع طفلك الصغير؟” هممت للإجابة بالنفي قبل أن يتدارك الموقف زوجي مسرعاً: “لا تقلق، لا تقلق فأنا موجود معها”.
انضممنا في ظلام الليل إلى قافلة الراغبين في الهجرة. أغلبهم عائلات من مختلف أرجاء سوريا. وكل عائلة تحمل حلماً مختلفاً عن الآخر. وكل عائلة لديها أطفال يبدو الخوف في عيونهم من الظلام، كما بدأت أطرافهم بالارتجاف على الرغم من أن الطقس يبدو دافئاً.
بدأ المسير من معبر “خربة الجوز” في ريف إدلب الغربي. لا يعد هذا المعبر نظامياً، يستخدمه المهربون فقط، لعبور البشر والبضائع. بدأنا المسير في قافلة تشبه إلى حد كبير القوافل التجارية على طريق الحرير. أنا وعائلتي في المقدمة، وحمل زوجي طفلنا على ظهره، ووجهه باتجاهي، ويتقدمنا أحد المهربين ككشاف للطريق ومن خلفنا مهرب آخر كي لا يتأخر البعض عن المسير.
بعد أن وصلنا منتصف الطريق بدت على زوجي علامات التعب، لم تعد خطواته ثابتة كما في بداية الرحلة، حاولت مساعدته بحمل الطفل لكنه رفض، وعندما بدأنا بالاقتراب من الحدود التركية بدأ الأمل بالعبور يدغدغ أحلامنا، لقد تحققت أحلامنا تقريباً. شاهدنا أنوار مدينة الريحانية التركية في ولاية هاتاي. لكن الأحلام دائماً تتعثر افي نهاياتها.
على الشريط الفاصل بين سوريا وتركيا، خندق كبير كان المهربون قد ردموه بالحجارة حتى نستطيع العبور، بعد أن عبرنا الخندق أصبحنا في الأراضي التركية. بدأ زوجي ينظر إليّ مبتسماً وكأنه يريد أن يقول لي: “أرأيتِ الأمور كلها سهلة”. لم تستمر ابتسامات زوجي كثيراً لتتحول إلى رعب بعد إطلاق النار علينا.
إطلاق النار لم يكن بهدف القتل، أصابنا خوف كبير، لا تستطيع الهرب في هذا الظلام، فقط البكاء والانبطاح أرضاً. وبعد لحظات ألقي القبض علينا من قبل الجندرمة التركية، التي قبضت أيضاً على أحلامنا، وأحلام القافلة كلها.
الوجهة بعد القبض على القافلة، كانت العودة إلى سوريا، العودة من حيث أتينا. حاولنا بعد ذلك عدة مرات العبور إلى تركيا دون فائدة. اليوم زوجي يعمل في مطعم جديد في مدينة كفرنبل بعد أن ساعده أحد الأصدقاء بمبلغ مالي بسيط.

نور خبازة (27 عاماً) من مدينة كفرنبل متزوجة وأم لولد وحيد. درست الادب الفرنسي .