“مركز حماية التراث الثقافي السوري” للحفاظ على الآثار
Preparing a mosaic in Apamea Museum to safeguard it . Photo taken by: Mohammed al-Batal.
قدّمت لجنة الخبراء التابعة لليونسكو في الفترة بين 24 و 26 نيسان/ أبريل2016 تقريراً بالنتائج الأوليّة التي توصلوا إليها في ما يتعلّق بالدمار الذي لحق بمواقع التراث العالمي في سوريا، وذلك فور عودتهم من مهمّة التقييم التقني الفوريّة إلى مدينة تدمر. وقام الخبراء بتقييم الدمار الكبير الحاصل في المتحف. حيث وجدوا التماثيل والنواويس الحجريّة، مشوّهة الملامح ومحطّمة ومقطّعة الرؤوس وبقاياها متناثرة في كل مكان.
وتم توجيه الاتهامات إلى تنظيم الدولة الإسلامية بتدمير متحف تدمر، حيث تُقدّر “اليونسكو” بيع ممتلكات هذه المعابد والمتاحف بمليارات الدولارات.
في الشمال السوري تقع مسؤولية تدمير وتهريب الآثار على النظام السوري وبعض المعارضة المسلحة وتجار الآثار، فبينما تقوم طائرات النظام الحربية باستهداف بعض القرى الأثرية المصنفة على لائحة التراث العالمي، كقرية شنشراح الأثرية في مدينة إدلب، يقوم بعض تجار الآثار بتهريبها إلى تركيا والعراق لبيعها.
هذا الواقع في المنطقة التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وفي ظل القصف والسرقات والتخريب الذي تتعرض له آثار سوريا دفع فريق من الناشطين إلى تأسيس “مركز حماية التراث الثقافي السوري” في إدلب وذلك لتوثيق الانتهاكات بحق الآثار في سوريا وترميم المدمر منها، في محاولة منهم للحفاظ على المواقع الأثرية وضمان عدم التعدي عليها.
ويقول مدير مركز حماية التراث الثقافي مهندس الميكانيك عبد الرحمن اليحيى (45 عاماً) أن “المركز الجديد مؤسسة غير حكومية وغير ربحية تعمل على كامل المناطق المحررة في ادلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي والشمالي، كمؤسسة بديلة عن مديرية الآثار والمتاحف التابعة للحكومة السورية”.
ويوضح اليحيى أن أهداف المركز تتمثل في “حماية كل مكونات التراث الثقافي والحضاري ونشر الوعي الثقافي بكل مكوناته، وتوثيق القطع الأثرية وفق الأسس العلمية، وتوثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية والأبنية التاريخية وفق أسس علمية وفنية، وإعداد مشاريع الحماية والترميم وتنفيذها، ويعتمد المركز في تحقيق أهدافه على فريق من المراقبين كحراس للمواقع الأثرية”.
يضم المركز مجموعة من الأكاديميين مؤلفة من 11 شخصاً، وجميعهم عملوا سابقاً في مديرية الآثار والمتاحف التابعة للحكومة السورية. ويشرف هؤلاء على توثيق الانتهاكات وحفظ الآثار، التي تتعرض للقصف إضافة للعمل على حمايتها بالوسائل الممكنة، ولا سيما في متحف معرة النعمان الأثري المعروف باسم خان مراد باشا، والمصنف من أهم المتاحف في الشرق الأوسط لاحتوائه على العديد من اللوحات الفسيفسائية الأثرية، أهمها لوحة هرقل ولوحة كفرطاب وغيرها. ولا يختلف الأمر في متحف أفاميا الأثري، الذي يقع في بلدة قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي الغربي.
أحمد العنان حائز على شهادة من كلية الآثار بدمشق (40 عاماً) يقول: “توسع عملنا أكثر وازداد مع الاستهداف الممنهج للآثار من قبل النظام والروس، ودائماً نتدخل بإجراءات احترازية لحماية القطع الأثرية في مختلف المناطق”.
وبحسب الموظف السابق لدى المديرية العامة للآثار والمتاحف محمد البطال (35 عاماً) تبرز “أهمية متحف أفاميا الأثري كونه يعود للعهد العثماني، ويعرف باسم خان المضيق، الذي بناه الوالي محمد آغا قزلارفي في عهد السلطان سليمان القانوني في أوائل القرن العاشر من العام 1637 م، وكان محطة للقوافل التجارية والحجاج القادمين من اسطنبول، بالإضافة لاحتوائه على لوحات إغريقية ورومانية وقطع فخارية منها إسلامية وبيزنطية”.
ويضيف البطال: “قمنا في المركز بالتدخل من أجل حماية هذه اللوحات خوفاً من تعرضها للقصف من الطائرات السورية والروسية كما حدث في متحف معرة النعمان، حيث وثقنا تعرض موقع إيبلا الأثري وتل مرديخ لأكثر من أحد عشر ضربة جوية للطائرات الحربية الروسية بالإضافة لتعرض متحف معرة النعمان وقرية شنشراح الأثرية المصنفة من قبل اليونسكو كأحد المواقع الخمسة في لائحة التراث العالمي لغارات مماثلة”.
عدة مواقع أثرية تم توثيقها منذ تشكيل المركز، ومنها المساجد الأثرية القديمة والأبنية التاريخية التي تميزت بها سوريا على مر العصور، في جسر الشغور وسراقب والناجية والتركمان وإيبلا وآثار جبل الزاوية. ومعظم المواقع الأثرية في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي.
ولفت البطال إلى أن مركز حماية التراث الثقافي “وثق انتهاكات بحق أكثر من 140 موقعاً أثرياً في إدلب وريفها من أصل 470 موقعاً في المحافظة”.
يقوم مركز حماية التراث الثقافي بالإضافة إلى التوثيق بمشاريع حماية للمواقع التي تتعرض للقصف من خلال ترميم الأجزاء المدمرة وحفظ لوحات الفسيفساء حتى لا تتعرض للإتلاف.
محمد البطال يقول: “نقوم بترميم الجدران التي تتهدم جزئياً نتيجة تعرضها للقصف، ونحفظ لوحات الفسيفساء من خلال طليها بالغراء ووضع قطع قماشية فوق الغراء، وأكياس من الرمل فوقها لحمايتها من شظايا الصواريخ، وبالنسبة للقطع الفخارية حميت من خلال لفها بأكياس فقاعية وأكياس التيباك، وقمنا بمشاريع الترميم تحديداً في متحف معرة النعمان ومتحف أفامياً”.
وبحسب البطال دائماً “يقوم مركز حماية التراث الثقافي بالتواصل مع المجالس المحلية والمحاكم الشرعية في المناطق المحررة لوضع قانون يجرم العبث بالمواقع الأثرية وتخريبها، حيث لاحظ المركز من خلال عمله في المواقع الأثرية عددا من الانتهاكات تمثلت بإقدام تجار الآثار على الحفر في هذه المواقع بهدف البحث عن الآثار وتهريبها إلى تركيا ثم ب
يعها لتجار آثار عالميين”.
وفرضت عدة دول قيود على استيراد القطع الأثرية السورية منها الولايات المتحدة التي أعلنت في 18آب/أغسطس 2016 فرض قيود على استيراد القطع الاثرية من التراث التاريخي والثقافي لسوريا، للتصدي لعمليات النهب والتهريب الدوليين في هذا البلد الذي يشهد حرباً دامية.
وقالت وزارة الخارجية إن “هذه القيود ترمي الى الحد من أعمال النهب وحماية التراث الثقافي في سوريا بشكل أفضل”، معلنةً مع وزارات الجمارك والخزانة والأمن الداخلي تطبيق “إجراءات لمراقبة دخول القطع الأثرية الآتية من سوريا الى الولايات المتحدة”.
وبحسب مدير مركز حماية التراث القافي المهندس عبد الرحمن اليحيى نفذ المركز منذ تأسيسه “عدة مشاريع ترميم لمواقع أثرية منها توثيق وحفظ 1700 قطعة أثرية، وتنفيذ مشروع ترميم الأضرار في متحف معرة النعمان وحماية لوحات الفسيفساء والقطع الاثرية، تنفيذ تغطية وحماية لوحات فسيفساء ضمن المواقع كنيسة بابولين- لوحة التمانعة ولوحة موقا، ومشاريع ترميم للقرى المنسية خاصة وأن السكان المحليين يستخدمونها للسكن وكملاذ آمن، بالإضافة لتوثيق القطع الاثرية المهربة بغية استرجاعها في مرحلة لاحقة.