مركز بادر عمل تطوعي وصولاً للسلم الأهلي
من نشاطات مركز بادر الخاصة بالأطفال تصوير مصطفى جلل
“محاكمات لا ثأر” هو المشروع الأهم حالياً في مركز “بادر” في مدينة كفرنبل، إضافة لعدد من المشاريع التعليمية والتوعوية والترفيهية التي ينفذها المركز.
مركز بادر أحد أهم المراكز التي تعنى بالطفل والمرأة خاصة، وبالناحية الاجتماعية للنازحين والمهجرين من مدينة حماه وريفها نتيجة الحرب. ويقول المشرف على المركز أحمد عبد الرحمن (40 عاما): “تم استحداث مركز بادر منتصف عام 2015، بمبادرة من مجموعة من الناشطين الشباب والشابات من مدينة حماه وريفها، بعد التقاء أفكارهم تجاه العمل التطوعي، من أجل تقديم خدمات هادفة لأهلهم المهجرين النازحين عن قراهم وبلداتهم، وجاء إطلاق هذا المركز نتيجة الأوضاع والأحوال الصعبة التي يعانون منها، وخاصة شريحة الأطفال والمرأة المحرومين من أهم احتياجاتهم الحياتية”.
ويضيف عبد الرحمن: “العمل في المركز تطوعي بحت، المعاناة والإحباط والضياع الموجود عند مهجري مدينة حماه، هو ما دفعنا لاستحداث هذا المركز، الذي يتألف من: قسم المرأة وقسم الطفل وقسم التوعية والإرشاد النفسي، وقسم إعداد المشاريع إضافة لإدارة المركز، حيث خضع كافة المتطوعين فيه إلى دورات مختلفة تم تأهيلهم من خلالها للقيام بمهماتهم على أكمل وجه، بالتعاون مع مؤسسة بادر للتنمية المجتمعية.
الإرضاع الطبيعي، مدرسة خطوة أمل، مركز الأنشطة، بعض النشاطات التي يقدمها قسم الطفل. تقول أم محمد (33 عاماً) إحدى المعلمات في المدرسة:” عدد المستفيدين نحو 80 طفلاً من 5 إلى 15 عاماً، يتلقون دروساً تعويضية عن الدروس التي تنقصهم في المدارس بسبب استهداف الطيران الحربي أو لانقطاع البعض عن المدرسة، وخاصة في مادة الرياضيات واللغة العربية والإنكليزية والعلوم”.
وتضيف أم محمد: “بالنسبة للأطفال كان ترددهم على المركز ضعيف، لكن بعد فترة بسيطة، ونتيجة ما وجدوه في المركز بدأت أعدادهم بالازدياد شيئاً فشيئاً. وبالنسبة لي فأنا أحب العمل مع الأطفال، لم أواجه أي صعوبات أو معوقات اجتماعية من ناحية عملي في المركز، خبرتي زادت، والعمل بات أمتع، وجدت تطوراً كبيراً في الحالة النفسية والتعليمية عند الأطفال”.
وتلفت أم محمد إلى أنه “في مجال الأنشطة يمارس الأطفال بعض الألعاب الترفيهية والتعليمية بنفس الوقت، حيث نلجأ لأسلوب التعلم عن طريق اللعب وذلك من أجل الكشف عن مكنونات الأطفال للتعامل معها. كما يشاهد الأطفال عروض أفلام هادفة، تساعد في ترسيخ القيم الأخلاقية الحميدة في عقولهم. إضافة إلى زرع أفكار بناءة تمكنهم من الانخراط في المجتمع بعقلية منفتحة من حيث التعامل وتقبل الآخرين”.
رئيس قسم إعداد المشاريع في المركز ومدرّس اللغة العربية عبد الحميد الشحنة (32 عاماً)، من الشباب الذين شاركوا باستحداث مركز بادر، يعزو مشاركته في المركز إلى تراجع العمل التطوعي عند الشباب، ويتابع الشحنة: “زرع فكرة المبادرة الفردية، والتوجه نحو العمل التطوعي الجماعي الذي تقلص كثيراً بسبب التردي في الأحوال المادية والمعيشية عند أغلب الشباب هو ما دفعنا لتقديم ما نستطيع من خلال مركز بادر. وذلك بهدف تعويض النقص الحاصل في عدة مجالات خدمية وإغاثية. وما نشاهده في المركز من زيادة الحماس لدى الكادر بسبب النتائج المحققة خلال الفترة الماضية، دفعنا للتوسع في مجالات العمل التطوعي حيث تحول المركز إلى نقطة انطلاق للمنظمات المختلفة في نفس المجال. طموحنا كبير وأتمنى الاستمرار في مجال هذا العمل الرائد والخلاق”.
رنا عبد الرحمن (13 عاماً) في الصف السابع من بلدة قمحانة، حبها للتعلم دفعها للحضور إلى المركز. تقول رنا: “نزحنا من بلدتنا في ريف حماه، انقطعنا عن الدراسة فترة طويلة، لم أتغيب يوماً عن الحضور إلى مركز بادر، لأنني وجدت فيه ما يعوضني عن فترة الانقطاع الدراسي، وكذلك التقائي مع صديقاتي من خلال الأنشطة التعليمية والترفيهية التي نتلقاها في مركز بادر”.
الفتى محمود الاسماعيل (12 عاماً) ابن بلدة اللطامنة، عجز عن التحدث حول ما وجده في المركز، لكن بعد دقائق قال: “في أول يوم من حضوري للمركز وجدت عدداً من أصدقاء الدراسة الذين فارقتهم نتيجة نزوحنا بسبب القصف العنيف للطيران، لم أصدق ما رأيت، بكيت كثيراً من الفرحة بلقائهم. أحب الحضور للمركز كثيراً من أجل تعويض الدروس التي تنقصنا، بالإضافة إلى ملء أوقات فراغي ببعض الأنشطة الترفيهية الهادفة ومتابعة عروض بعض الأفلام”.
العلاقات الاجتماعية التي نتجت عن الثورة والأحداث التي أسفرت عنها، وصولاً إلى الحرب، كانت من أهم وأسوأ المشاكل التي واجهت المجتمعات المهجرة في كامل سوريا. كان لا بد من إيجاد مشاريع وسبل لتحسين وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها قبل الثورة على أقل تقدير. مشروع “محاكمات لا ثأر” الذي أطلقته مؤسسة بادر للتنمية المجتمعية يعد من أهم المشاريع في هذا المجال.
ويقول أحمد عبد الرحمن بصفته مدير المشروع والمشرف على مركز بادر: “إن المشكلة التي يتناولها مشروع محاكمات لا ثأر، تُعد إحدى أهم المشاكل التي نشأت وتتنامى حالياً بين المجتمعات المهجّرة، نتيجة مواقفهم المؤيدة للثورة السورية، حيث لجأوا إلى مناطق خارج سيطرة النظام هرباً من بطشه ومضايقات أبناء مناطقهم المؤيدين للنظام”.
ويضيف عبد الرحمن: “المشكلة تتجلى في تنامي مشاعر الكراهية وروح الانتقام لدى هؤلاء المهجّرين من محافظة حماة وريفها تجاه أقرانهم من أقرباء وجيران. والذين بقوا في مناطق سيطرة النظام، الأمر الذي أدى بالفعل إلى حصول عدة حالات ثأرية وأغلبها عشوائية”.
وأشار عبد الرحمن:” إلى أن فكرة المشروع تتمحور حول إقناع مجتمعات النازحين بجدوى المحاكمات العادلة بالطرق القانونية، بدل التفكير بالانتقام والثأر العشوائي. الأمر الذي يخفف من نسبة الجرائم المرتكبة بدافع الانتقام مستقبلا، وإيجاد لجنة لفض النزاعات في منطقة خطاب وقمحانة. هو مشروع يشكل حلقة أولى ضمن سلسلة مشاريع تستهدف هذه الشريحة النازحة، في ما يخدم ويهيئ الأجواء مستقبلاً لمجتمعات مستقرة يسودها السلم الأهلي”.