مرضى السرطان في مناطق المعارضة يواجهون مصيرهم
غرفة العمليات في مستشفى كفرنبل الجراحي تصوير رزان السيد
ينطلق أبو ثائر (42 عاماً) في رحلة طويلة وشاقة إلى دمشق كلّ شهر، برفقة إبنه أيهم (4 سنوات) المصاب بمرض السرطان، كي يحصل لهُ على جرعة دواء مجانية. يعانيان العديد من المضايقات والضغوط النفسية التي طيلة الطريق، تُضاف لأوجاع أيهم ولأوجاع أبو ثائر بسبب الحرب.
أيهم من معرة النعمان، واحد من عشرات المرضى المصابين بالسرطان، والقاطنين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، يعانون من غياب أدوية علاج السرطان والمراكز العلاجية في مناطقهم، وبالتالي من صعوبة الإنتقال إلى مناطق النظام.
يقول أبو ثائر: “يعاني صغيري أيهم من كتلة سرطانية في رأسه منذ أكثر من عام، وأضطر لأخذه في كل مرة والسفر إلى دمشق من أجل العلاج. نمر على حواجز النظام وأُعرّض نفسي للمخاطر وإمكانية الإعتقال لأني أتٍ من منطقة للمعارضة”.
يُضيف الأب: “كل ذلك في سبيل منح ولدي علاجاً مجانياً في مستشفى البيروني في دمشق… وأنا لا أملك المال، فلا يمكنني السفر بإبني للعلاج في تركيا أو أي بلد آخر، فلا يوجد حل أمامي إلا دمشق”. ويسأل: “لماذا لا يكون هناك مراكز تخصصية لمرضى السرطان في مناطق المعارضة؟ فنحن بحاجةٍ ماسة لذلك، حتى لو كان عبر إنشاء مركز واحد فقط على الأقل!”
“عدد مرضى السرطان ازدادَ كثيراً في الفترة الأخيرة، بحدود عشرة بالمئة بعد أن كان من 4 إلى 5 بالمئة قبل الحراك…” يقول الأخصائي بالجراحة العامة الطبيب زاهر (38 عاماً)، وينبّه إلى أنّ المشافي المحلية في ريف إدلب وكافة مناطق سيطرة المعارضة، لا تستطيع تقديم المساعدة لمرضى السرطان، بسبب افتقارها للأجهزة الإشعاعية والأطباء المختصين بالمرض.
ويضيف الطبيب زاهر: “بسبب غياب الخدمات، فإنّ نسبة الشفاء من المرض تصبح ضعيفة جداً، بينما يكون العكس، لو استطاع المريض اكتشاف مرضه باكراً وتلقّي العلاج اللازم، فقد يرتفع احتمال الشفاء بدرجة ربما تصل إلى 90%”.
ويذكُر الطبيب زاهر بأنّ سرطان الرئة هو الأكثر انتشاراً عند الرجال المصابين في ريف إدلب، وسرطان الثدي لدى النساء. ولكن مؤخراً انتشر سرطان القولون عند الطرفين، والسبب برأيه هو شدة التوتر والخوف في حرب حرق الأعصاب التي يعيشها الشعب السوري في كل لحظة، “ولا سيما في المناطق اتي تسيطر عليها المعارضة، حيث المجازر اليومية التي يرتكبها النظام”.
سلوى (40 عاماً) أُصيبت بمرض السرطان منذ وقتٍ بعيد، لكنها لم تكتشف مرضها إلا من وقتٍ قليل، بعد أن ساءت حالتها الصحية… تقول سلوى: “كنت أعاني من التهاب قولون تقرحي، وأعالجه بأدوية الإلتهاب العادية، لكن مؤخراً حصل لي نزف ومضاعفات، وبعد إجراء التحاليل تبيّن بأني مصابة بالسرطان، وفي مرحلة متقدمة”! سلوى بحاجة ماسّة لتلقي علاجٍ مكثّف وسريع لمحاربة المرض، وليس لديها من خيار إلا السفر إلى دمشق.
المشرف على حالة سلوى، الطبيب أحمد (52 عاماً) يقول: “نحنُ نفتقر في مناطقنا حتى لأجهزة التحاليل التي تشخّص مرض السرطان، لذا عند شكّنا بوجود مرض خبيث لدى المريض، نقوم بأخذ خزعة ونرسلها إلى دمشق، وقد تستغرق هذه العملية أكثر من شهر”. ويؤكّد الطبيب أحمد أنّ الإكتشاف المبكّر للمرض قد يٌسهم في سرعة الإستجابة للعلاج، غير أنّ هناك بعض أنواع السرطان، التي يكون فيها المرض ساكناً غير متحرك، ولا تظهر أعراضه إلاّ في المراحل المتقدمة كما حدث مع سلوى.
سلوى بدأت برحلة علاجها في دمشق، ولو كان ذلك متأخراً… إنما تختلف عن علياء(41 عاماً)، التي لا تستطيع الذهاب إلى دمشق.علياء تعاني من سرطان الثدي، ورغم إجرائها لعملية استئصال للورم قبل سنوات، إلاّ إنها لم تُشفَ منهُ تماماً.
تقوم علياء بشراء جرعات السرطان بمبالغ باهظة، وذلك خوفاً من الذهاب إلى مناطق النظام فقد يتم اعتقالها لأنّ زوجها وابنها وأخيها انشقوا عن النظام… وتقول: “كان لدي بعض الممتلكات، قمتُ ببيعها من أجل تلقي العلاج، فكل جرعة علاج تُكلفني 250 دولاراً أميركياً، وأنا بحاجة دائمة لجرعة كلَّ أسبوعين”.
تحصل علياء على الجرعات عن طريق الصيدلاني أحمد (35 عاماً)، والذي يتحدث عن صعوبة تأمين هذه الأدوية، ويقول: “يقتصر توافر أدوية السرطان على صيدلية واحدة فقط في كل من حلب واللاذقية ودمشق، وبما أنّ تكاليفها باهظة جداً، فأنا أقوم بتأمينها لمن يستطيع دفع ثمنها وتكاليف إحضارها، أمّا المرضى معدومي الحال، فليس أمامهم أي حل سوى انتظار دورهم للحصول على الدواء المجاني من مشافي دمشق، أو اللجوء لعلاجات تقليدية ربما تكون عديمة الفائدة”.
أبو محمد (56 عاماً) واحد من وجهاء معرة النعمان وأحد أعضاء المجلس المحلي فيها، يُبدي استغرابه من تهميش مرضى السرطان في مناطق المعارضة، فلم تسعَ أي منظمة لتبني قضيتهم، مع أنّ أعداد المرضى بازدياد.
ويتخوّف أبو محمد من تزايد العدد أكثر بسبب الإهمال، ويُضيف أنّ الأطباء المحليين يتحدثون عن ازدياد متوقع للمرض أكثر، بسبب التأثير طويل الأمد لمخلّفات الحرب كالتلوث بالمواد الكيماوية والعضوية والمعدنية… ويُعلّق: “مع كل ذلك ما يزال الصمت سيد الموقف حيال مرضى السرطان”!
مرضى يتوجّعون، بعضهم يموت في صمت، وآخر يمر برحلة علاج إلى دمشق، الأشد مرارة فيها، أن تتوسل جنود النظام على الحواجز من أجل السماح بالمرور… فإلى متى يبقى هذا الحال لمرضى السرطان في مناطق سيطرة المعارضة؟