الدفاع المدني في حلب في مواجهة القصف

عاملو الإنقاذ يتحملون نقص المعدات وتدني الأجور وخطر الموت.

زيد محمد

(حلب، سوريا) – يعاني قطاع الدفاع المدني في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب من نقص حاد في الموارد والكوادر البشرية. معظم المراكز الخدمية تقع ضمن الجزء من المدينة الذي تسيطر عليه القوات الحكومية، بينما يتعرض الجزء الآخر لحملة قصف بالبراميل المتفجرة تستمر منذ بداية العام الحالي، تترك خسائر فادحة في الارواح والممتلكات.

منقذون من مركز مساكن هنانو للدفاع المدني ينتشلون مصاباً من تحت الأنقاض – صفحة "الدفاع المدني بحلب مركز هنانو" على فيس بوك
منقذون من مركز مساكن هنانو للدفاع المدني ينتشلون مصاباً من تحت الأنقاض –صفحة “الدفاع المدني بحلب مركز هنانو” على فيس بوك

 

فقد سجلت “حلب نيوز”، وهي شبكة من الناشطين الإعلاميين المعارضين، سقوط 344 برميلاً في آذار/ مارس، وتضاعف العدد تقريباً في الشهر الذي يليه ليصبح 641 برميلاً متفجراً. بحسب “مركز توثيق الإنتهاكات في سوريا”، فإن أعلى رقم من القتلى المدنيين في الشهرين الماضيين كان في محافظة حلب، حيث سجل مقتل 426 مدنياً في آذار/ مارس و606 مدنيين في نيسان/ أبريل.

لفترة طويلة كان انتشال الجثث والجرحى من تحت الأنقاض التي يخلفها القصف الجوي تتم بسواعد المدنيين الذين يدفعهم ضميرهم إلى القيام بهذا العمل. إلا أن غياب الاختصاصيين والأدوات كان يؤدي إلى نتائج سلبية، قد تنتهي بموت من تبقى حياً تحت الأنقاض.

 حي مساكن هنانو هو على الأرجح أكثر أحياء حلب تضرراً من القصف. يكاد الحي يخلو من السكان، في ما عدا بعض العائلات التي تعاني وضعاً سيئاً للغاية. استهدف الحي بـ 73 برميلاً متفجراً في آذار/ مارس بحسب “حلب نيوز”.

في هذا الحي واحد من ثلاثة مراكز للدفاع المدني في الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب، وعدة مراكز أخرى في بلدات المحافظة. خالد حجو، الذي توقف عن دراسة الحقوق ويعمل حالياً رئيس لمركز الدفاع المدني في هنانو، يصف انخفاض عدد السكان بـ”المفرح المبكي”، إذ إن نزوح معظم المدنيين خفف عدد الإصابات.

تمتلك مراكز الدفاع المدني مجتمعة في مدينة حلب خمس سيارات إطفاء وخمس شاحنات، بالإضافة إلى المعدات الفردية الخفيفة والمتوسطة.

يقول حجو إن الأحياء التي تتعرض للقصف بحاجة إلى ضعف هذه التجهيزات لتغطية احتياجاتها، بالإضافة إلى افتتاح مركزين إضافيين، أحدهما يتم تجهيزه حالياً في حي باب النيرب بينما الآخر فيأمل مع زملائه بإنشائه يوماً ما.

وقد أثار ناشطون إعلاميون في حلب موضوع تأخر وصول المعدات المطلوبة لعمل فرق الإنقاذ. وقد تلا ذلك تراشق التهم حول التقصير في إيصال المعدات والآليات اللازمة إلى فرق الدفاع المدني بين الحكومة السورية المؤقتة المعينة من قبل “الائتلاف الوطني” المعارض، ومجلسيّ مدينة حلب ومحافظتها.

يتذكر حجو أن غياب الأدوات الضرورية أدى في الماضي إلى موت العديد من الجرحى تحت الأنقاض، كما حدث لدى قصف حي بستان القصر في 16 آب/ أغسطس 2013، الذي أودى بحياة نحو 40 شخصاً على الأقل. استمرت حينها عمليات انتشال الجثث والجرحى تسعة أيام. أما مع وصول المعدات الجديدة، فيقول حجو إن انتشال الضحايا لا يأخذ أكثر من يومين في حال علقوا تحت أنقاض الأبنية.

عدد الضحايا الكبير الذي يستمر بالسقوط يبرز أهمية جهوزية فرق الإنقاذ. ففي 30 نيسان/ أبريل قتل ما لا يقل عن 25 طفلاً في غارة جوية أصابت مدرسة في حي الأنصاري. لكن في مقابل هذه التحديات، لا يقتصر النقص على المعدات، بل يتعداه إلى الكادر البشري. يضم كل مركز للدفاع المدني حالياً بين 20 إلى 30 عنصر، بينما العدد المطلوب لسد احتياجات كل مركز هو 50 عنصراً، بحسب حجو.

العمل في صفوف الدفاع المدني ليس فقط شاق بل خطر أيضاً، إذ يستهدف الطيران الأماكن المقصوفة خلال عملية الإنقاذ. في 9 آذار/ مارس خسرت المدينة ثلاثة عاملين في الدفاع المدني في قسم هنانو أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني في حي الحيدرية.

ويضيف حجو إن العاملين في الدفاع المدني يتلقون أجوراً زهيدة لا تتعدى 70 دولار في الشهر، بالإضافة إلى معونات غذائية شهرية، ما يسبب عزوف المترشحين عن تقديم طلبات التوظيف.

بعد بدء الحملة القصف بالبراميل المتفجرة الحالية، قام الكثير من العاملين في المركز بتأمين عوائلهم في تركيا وعادوا ليتفرغوا بشكل كامل للعمل، متحملين شح المعدات والمردود المادي بالإضافة إلى الضغط النفسي الذي يتعرضون له كل يوم.

وعن الضغط الذي يتعرض له المركز يقول حجو إن العاملين قد يتم استدعاؤهم ثلاثين مرة يومياً، إذ إن مهامهم لا تقتصر على انتشال الجثث والجرحى، بل تتعداها إلى إزالة الركام من الشوارع. يضم عمل هذه الفرق أيضاً توعية الجمهور. فقد وزع مركز هنانو في بداية شهر آذار/ مارس مناشير توعوية تهدف إلى تعريف الناس بما يجب القيام به أثناء القصف، وقد عيّن ثلاثة عناصر للتحدث مع الناس حول استفساراتهم.

أبو قاسم، وهو عامل بناء سابق ويعمل حالياً في مركز هنانو للدفاع المدني، تحدث عن صعوبة العمل والضغط النفسي البالغ الذي يعيشه. يروي أبو قاسم تفاصيل مرعبة عن انتشال جثة طفل يبلغ من العمر حوالي 12 عاماً، تمزقت جثته في غارة جوية على حي الأحمدية.

يقول أبو قاسم: “الأطفال الذين نقوم بانتشال جثثهم هم أكثر ما يؤثر بي”.