“محكمة الشعب” وسجون “الأسايش”: حجر في بناء الإدارة الذاتية في القامشلي
بختيار حسن*
(القامشلي، سوريا) – في وسط مدينة القامشلي على الطريق المعروف باسم شارع عامودا تقع “محكمة الشعب”، التي تشغل الطابق الأرضي من بناية مؤلفة من ثلاث طبقات، وتعج خلال أيام الأسبوع بالمراجعين من سكان المدينة.
أسس المحكمة بعض الحقوقيين ووجهاء الصلح في شهر آب/أغسطس 2012 برعاية “حركة المجتمع الديمقراطي”، القريبة من” حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” (PYD)، لسد الفراغ الذي تركه تراجع أداء محاكم الدولة، ولتطبيق الخطة التي يتبعها الحزب بإنشاء مؤسسات إدارة ذاتية كردية. وفي مؤتمر نظمته “حركة المجتمع الديموقراطي” تمّ انتخاب القضاة وأعضاء النيابة العامة، منهم القاضيتان روفند علي وهمرين عثمان والنائبة العامة هي الاكاديمية التربوية خوناف أحمد.
عضو المكتب السياسي في حزب “يكيتي” الكردي عبد الصمد برو انتقد أداء “حركة المجتمع الديمقراطي” وقال إن حزبه اقترح أسماء العديد من المحامين ذوي الخبرة للعمل في المحكمة كقضاة ونواب، إلا أن الحركة تجاهلتهم واكتفت بترشيح المحامين من أنصارها.
في المقابل تقول خوناف أحمد إن المحامي قهرمان عيسى، الذي يشغل وظيفة قاضٍ في المحكمة، دار على كل المحامين في القامشلي في مكاتبهم، سواء أكانوا كرداً او عرباً أو سريان، وطرح عليهم المشاركة في تأسيس المحكمة لكن الكثير منهم لم يبادر بالحضور.
وأضافت أحمد إن العاملين الآن في المحكمة ليسوا كلهم من مؤيدي “حركة المجتمع الديمقراطي”، فهناك العديد من المستقلين يعملون مع المحكمة. كما أن هناك أسباب أخرى غير سياسية لم تسمح للكثيرين بالمشاركة في المحكمة، منها أن بعضهم موظفين في دوائر تابعة للحكومة في دمشق ويخشون تعرضهم للفصل وخسارة التأمينات الاجتماعية والصحية، على حد قولها.
تستند “محكمة الشعب” في عملها حالياً على مجموعة متنوعة من القوانين، منها القوانين السورية الرسمية والعادات والتقاليد السائدة في منطقة الجزيرة، ولا تحظى أحكامها باعتراف خارج المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي”، لذلك فهي تركز على القضايا الجزائية من سرقات وخلافات، وتقوم في أغلب الأحيان بحل الدعاوى عبر لجان صلح وبتوكيل من طرفي النزاع بحلها. أما ما يخص تثبيت الزواج والطلاق والملكية فما زالت حكراً على محاكم الدولة.
ولا تستقبل “محكمة الشعب” أي قضية مسجلة في محاكم الدولة، إلا بعد أن يقوم صاحب العلاقة بسحب قضيته من هناك “تجنباً لإصدار حكمين قضائيين مختلفين في المسألة نفسها”، كما قال النائب العام خليل شيخموس.
يعود لـ”ديوان العدالة” وهو أعلى جهة قضائية يقع مقرها في حي الهلالية في القامشلي الإشراف على عمل المحاكم الشعبية في المناطق الكردية. وإحدى مهام” ديوان العدالة” أيضاً النظر في الشكاوى المقدمة ضد القضاة والنواب. وعلى غرار “محكمة الشعب”، فإن غالبية العاملين في “ديوان العدالة” هم من أنصار “حركة المجتمع الديمقراطي”، التي تتهمها بعض الأحزاب الكردية مثل حزب “البارتي” وحزب “آزادي” احتكار السلطة.
يتوجه الكثير من السكان لـ”محاكم الشعب” لامتلاكها القوة التنفيذية، أي قوات الأمن الكرية “قوات أسايش في غربي كردستان”، بعكس محاكم الدولة التي تراجع دورها لتقلص دور جهاز الشرطة الحكومية.
وتستعين “محكمة الشعب” بقوى “الأسايش” لتنفيذ قراراتها المتعلقة بتبليغ الناس مذكرات الحضور والتوقيف والاعتقال والسجن وتنفيذ الأحكام. وتأسست هذه القوة أواخر العام 2012 ، بقرار من “الهيئة الكردية العليا”، أعلى سلطة سياسية كردية، التي تمثل أبرز القوى الكردية السياسية.
ويعلن مسؤولو “الأسايش” أنهم يسعون إلى حماية المدنيين والأملاك العامة والخاصة، ويسيّرون دوريات في الأسواق والأحياء السكنية. لا إحصاء رسمي بعديد قوات “الأسايش”، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود نحو 20 ألف عنصر في عموم المناطق الكردية الواقعة على الشريط الشمالي والشمال الشرقي من سوريا، وهي المناطق التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديموقراطي”.
يتمركز أفراد “الأسايش” غالباً في مراكز الشرطة الحكومية السابقة إضافة إلى بعض المباني كمبنى مؤسسة التبغ في القامشلي ومرآب السيارات الحكومي في القامشلي. وتتوزع مخافر “الأسايش” على كافة أحياء القامشلي، باستثناء حارة الطي ذات الغالبية العربية التي ينشط فيها “الجيش الشعبي”، وهم مسلحون موالون للنظام.
أما الشرطة الحكومية فقد انسحبت من أغلب الأحياء في المدينة، وتُركز على حراسة بعض المواقع الهامة التي ما زالت تحت سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد كالمطار ومديرية المنطقة في القامشلي.
عمد جهاز “الأسايش” خلال الأشهر الماضية إلى إنشاء سجون تابعة له، مثل سجن الهلالية غربي القامشلي، وهو سجن صغير ملحق بالمخفر، يتم توقيف المتهمين فيه بانتظار التحقيق معهم والإفراج عنهم، أو تحويلهم إلى السجن في شارع “قناة السويس”، وهو السجن الثاني التابع لـ”الأسايش” الذي يقع شرقي القامشلي وكان في السابق مبنى حكومياً تابعاً لمديرية الزراعة.
ويقبع في سجن قناة السويس نحو 20 سجيناً بعضهم محكوم عليه والبعض الآخر موقوف بانتظار التحقيق معه ومحاكمته. وتشير تقارير الى تعرض بعض الموقوفين للضرب على أيدي عناصر “الأسايش”.
قابل موقع “دماسكوس بيورو” بعض الموقوفين، لكن لم يسمح أخذ تصريحات منهم في غياب عناصر الأمن.
من نزلاء هذا السجن حنوش (24 عاماً)، الموقوف بسبب إطلاقه النار أثناء مشاجرته مع زميل له ما أدى إلى إصابته بالشلل.
ويقول: “أنا مقاتل في “وحدات حماية الشعب” (التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي”)، وعدت إلى البيت لقضاء إجازة، وكنت أحمل مسدسي عندما تشاجرت مع أحد الأصدقاء. أثناء الشجار حاولت ضربه بمقبض المسدس، وضغطت على الزناد دون قصد، فخرجت طلقة من المسدس أصابت نخاعه الشوكي”.
ويأمل حنوش أن تنجح لجنة الصلح التابعة لـ”محكمة الشعب” في عقد مصالحة بين عائلته وعائلة المجني عليه.
يتحدث أهالي القامشلي عن أخطاء مختلفة يرتكبها بعض عناصر “الأسايش”، مثل ضرب الموقفين أثناء الحجز أو مصادرة بعض الدراجات النارية من أصحابها، كما حصل مع عنصرجهاز الأمن الجنائي التابع للحكومة السورية رياض عبد الله الحسين الذي قال إنّ دورية “أسايش” أوقفته على حاجزفي نهاية العام 2012 وأخذت منه الدراجة النارية دون أن يفهم السبب. ولم يتمكن رياض من استرجاع الدراجة رغم مراجعات متكررة مع مسؤولي “الأسايش” في القامشلي.
والد رياض زار أحد مراكز “الأسايش” القامشلي لاسترداد دراجة ابنه قبل أشهر، إلا أن أحد المسؤولين هناك قال له بلهجة حادة إن الناس يفقدون حياتهم وبيوتهم بينما هو يسأل عن دراجة. تجنب رياض منذ ذلك الوقت متابعة الموضوع.
يقر المسؤول العام عن “الأسايش” شيار آفاشين بوجود تجاوزات تقع من قبل بعض عناصر هذه القوات في السجون، وعلى الحواجز وأثناء الدوريات، ولكنه يقول “انها أخطاء فردية تُخالف مبادىء “الأسايش” ونظامه “. ويرى آشفين أن السبب يعود إلى قلة الخبرة ونقص التدريب والتأهيل، وظروف الحرب التي تعيشها المنطقة ذات الأغلبية الكردية.
*اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا.