مبادرات يتيمة لدعم مصابي الحرب في سوريا
مساعدة الأطفال المصابين تبقى الأولوية صورة خاصة من مركز شام لإعادة التأهيل
يقف أبو بلال في سوق معرة النعمان مستنداً إلى عكازيه، ليبيع الخضار على بسطة صغيرة بهدف كسب المال اللازم لإعالة أولاده. أبو بلال فقد قدمه في الحرب لكنه لم يفقد كرامته، ودوره كأب يكد ويتعب لتأمين مصروف أبنائه الستة، وتوفير لقمة العيش الكريمة لهم.
أبو بلال (32 عاماً) التحق بقائمة مصابي الحرب من السوريين الذين تعرّضوا للإعاقة. هذه الإصابة التي شكلت نقطة تحول في حياتهم دون أن يفقدوا الأمل بالحياة والسعي لإتمام دورهم فيها، رغم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريقهم.
أبو بلال من معرة النعمان يقول لحكايات سوريا: “تحولت فجأة إلى معوّق، بسبب شظية قذيفة أصابت قدمي بجروح بالغة. تم إسعافي إلى إحدى المشافي الميدانية، ولكن شح الإمكانات الطبية أخرت علاجي، مما أدى إلى بتر قدمي، والاستعاضة عنها بطرف صناعي، وبعد أن استعدت عافيتي عدت للعمل، لأن الحياة لا يمكن أن تتوقف هنا”.
أبو بلال يصارع الموت كل يوم بسبب تعرض السوق للقصف بشكل دائم، باعتباره لا يقدر على المشي والحركة كالآخرين مما يشكل مصاعب إضافية عليه مواجهتها. جرحى الحرب بمعظمهم يعيشون داخل المناطق المحررة التي تتعرض لقصف متواصل.
ويصعب علاج ورعاية جرحى الحرب من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب استهداف المشافي والنقاط الطبية بالقصف، وخروج معظمها عن الخدمة، فضلاً عن توقف معظم المنظمات عن دعم المشافي في الآونة الأخيرة .
يعمل الطبيب أحمد الداني (39 عاماً) في إحدى المشافي الميدانية في إدلب. يقول الداني: “مع استمرار العمليات العسكرية ترتفع مستويات الإعاقة في المناطق المحررة بشكل مستمر، ويعاني المصابون من ضعف الإمكانيات داخل المشافي الموجودة في مناطقهم”.
وينبّه الداني إلى “أن مسألة الحصول على طرف صناعي أمر صعب، فالدعم المقدم لمراكز الأطراف الصناعية محدود، وعملية تصنيعها تتم بأعداد قليلة، كما أن مسألة شراء الطرف الصناعي تعتبر معضلة، باعتبار الطرف الصناعي الواحد يكلف بين 800-1500 دولار أمريكي”.
ويشكل الأطفال ثلث مصابي الأسلحة المتفجرة في سوريا مما يحد من قدرتهم على متابعة تحصيلهم العلمي، ويضعهم أمام مستقبل مجهول. كحال الطفل سامر الحمود (10 أعوام) من مدينة كفرنبل حيث تعرض للإصابة أثناء تواجده في السوق لشراء بعض الحاجات.
يقول والد سامر: “قضت الحرب على مستقبل ولدي الذي أصيب بشظية صاروخ من طائرة حربية، أدت إلى إصابته بشلل نصفي نتيجة دخول إحدى الشظايا في ظهره، لذلك قمت بإدخاله إلى تركيا للعلاج، وخضع لتسع عمليات إلا أنه لم يتحسن حتى الآن، ورحلة علاجه لم تنته بعد”.
يتضاعف حجم المعاناة بالنسبة للمرأة السورية التي فريسة الإعاقة مما يحد من دورها في تربية أبنائها والعناية بهم. فاطمة القطيني (41 عاماً) من مدينة خان شيخون حولها قصف جوي إلى معوّقة. تعود بذاكرتها إلى ما حدث يوم إصابتها فتقول: “عندما انفجر الصاروخ سقطت على الأرض وفقدت وعيي، وحين أفقت من غيبوبتي أحسست بثقل في جسمي، وعندها رأيت قدميّ مقطوعتين”.
عندما أصيبت فاطمة كان أولادها أول من فكرت بهم، فبعد إصابتها فقدت القدرة على رعايتهم وقصّرت بواجباتهم كثيراً، لذلك فإن هاجسها الأكبر هو تركيب طرفين صناعيين لتعود إلى حياتها الطبيعية.
تتفاقم معاناة المصابين في مخيمات النزوح، فهم في مواجهة حياة أصعب، يضفي عليها التشرد وانعدام مقومات الحياة آلاماً جديدة، وسط غياب كبير للمنظمات التي تعنى بشؤونهم.
سالم (25 عاماً)، نزح من الغوطة الشرقية حاملاً آلاماً لا تطاق، ليستقر في مخيمات الشمال السوري، أصيب بشظية أدت لضرر في عينيه، وأفقدته بصره، وعن معاناته يقول: “كنت أدرس التمريض قبل إصابتي، واليوم أعيش في مخيم للنازحين محاولاً أن أتأقلم مع حياتي الجديدة، ومتمنياً أن أعود إلى دراستي وحياتي السابقة يوماً”.
سالم يشكو من انعدام مقومات الحياة في المخيم العشوائي الذي يقطنه، وبعد المراكز الصحية، وغياب مراكز الدعم والتأهيل اللازمة للمصابين.
منظمات المجتمع المدني العاملة على الأرض اهتمت بمصابي الحرب، وقامت بافتتاح مراكز لمساعدتهم وإعادة تأهيلهم منها مركز “شام لإعادة التأهيل” ويهدف لتركيب الأطراف الصناعية المجانية لمن يحتاجها.
مدير مركز “شام لإعادة التأهيل” ماهر زعتور يقول: “عمل المركز يتمثل بتقديم الأطراف الصناعية السفلية بشكل مجاني للمصابين، حيث نقوم بشراء المواد الأولية من تركيا لصناعة الأطراف محلياً، إذ يبلغ عدد المستفيدين شهرياً 12 مريض. علماً أن فريق المركز قادر على تصنيع بين 30 و40 طرفاً شهرياً لكن ضعف الإمكانيات المادية وقلة الدعم المقدم يحول دون ذلك”.
يتسبب القصف اليومي على المناطق المحررة بإصابة العشرات وإعاقة عدد منهم، وبتر أطراف آخرين ليجدوا أنفسهم في مواجهة مصاعب حقيقية تنعكس على واقع حياتهم .