لوحات سورية من الأطفال لمساعدة الكبار

بثمن هذه اللوحات ساعد الأطفال أهل المخيم

بثمن هذه اللوحات ساعد الأطفال أهل المخيم

حين رأت أم النور (41 عاماً) رسومات ابنتها ضحى (15 عاماً) وبيان (13 عاماً) اقترحت عليهما جمع صديقاتهما في مخيم الأبرار وتعليمهن الرسم. أم النور كانت تسعى لإيجاد ما يشغل ابنتيها بعد أن توقفتا عن الدراسة بعد رحلة النزوح من سوريا إلى لبنان.
تقيم أم النور وابنتيها في المخيم الذي أقيم في منطقة برالياس في البقاع اللبناني بالقرب من الحدود السورية وهو يتألف من 80 خيمة تأوي نحو 365 نازحا سوريا من مختلف المحافظات.
ويواجه الأطفال السوريون في لبنان معضلة، فالتعليم المجاني في لبنان يقتصر على المدارس الحكومية الرسمية، والتي تتسع لعدد معين من الطلاب، ولكن في ظل الكثافة السكانية وازدياد أعداد اللاجئين اضطر الكثير منهم للتسجيل في معاهد خاصة قد يصل القسط السنوي فيها لما يقارب 5 آلاف دولار أمريكي للطالب الواحد. بالإضافة لمعاناة الطلاب في المدارس الرسمية اللبنانية التي تعتمد في منهاجها التعليمي على اللغة الأجنبية، على خلاف المناهج السورية التي تدرس باللغة العربية.
تقول أم النور: “وعدت ضحى بعرض رسوماتها مع صديقاتها في ساحة المخيم. كانت ضحى سعيدة جداً بالفكرة، وبدأت على الفور بتعليم صديقاتها الرسم. كانت رسوماتهن عبارة عن نقل أحاسيسهن على الورق، و بعد فترة قمنا بعرض الرسومات في ساحة المخيم و حضر العرض أشخاص من خارج المخيم، فأعجبوا بالرسومات وأرسلوا هدايا لجميع الأطفال”.
وتضيف أم النور: “في نهاية شهر أيار/مايو 2017 طلبت الفتيات إقامة معرض بالرسومات الجديدة. واستطعنا بمساعدة من الأصدقاء تأمين ساحة مدرسة أقمنا فيها المعرض. وبعد ذلك بأيام تلقينا مساعدة مالية غطت تكاليف المعرض لجهة إيجار الكراسي و أجهزة الصوت. فأرسلت الفتيات بعض رسوماتهن إلى المتبرع الكريم تعبيراً عن شكرههن.
المتبرع ويدعى براء (29 عاماً) شاب أبناء مدينة حلب، يعيش في مدينة لندن في بريطانيا منذ بداية الثورة السورية. يعمل براء في المجال الإغاثي و الإنساني، قام بترويج رسومات الفتيات في عدة دولٍ أوروبية وبرعاية جمعيةٍ بريطانيةٍ.وهو من قام بترويج رسومات القتيات في عدة دولٍ أوروبية وبرعاية جمعيةٍ بريطانيةٍ.
يقول براء: “رأيت صور المعرض الذي أقامته الفتيات في مدرسة على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد السؤال عن حالهن وعن تكاليف المعرض، أرسلت مبلغاً مالياً لهن كتعويض عن التكاليف لحثهن على الاستمرار. أرسلن إلي عدة رسومات تعبيراً عن شكرهن، فقمت بطباعتها وأقمت بها معرضاً في بريطانيا، وشهد المعرض نجاحاً كبيراً وانتقل إلى ألمانيا وفرنسا و جامعة هاربر في الولايات المتحدة، فتبرع بعض الزائرين بمبلغٍ ماليٍ للأطفال، قمت بجمعه و إرساله لهن”.
المعرض الذي أقامه براء في بريطانيا كان برعاية جمعية “من سورية مع الحب” التي أسستها مجموعة من المتطوعين في لندن مع نهاية عم 2015، وهي تعملون على جمع التبرعات وإرسالها للمحتاجين عبر رابط مباشر بين المتبرع والمستفيد.
كان الرسم عند هؤلاء الفتيات كأي نشاط آخر يشغلن به أنفسهن في أوقات الفراغ. ولم يتوقعن أن يصبح سبباً في سعادة طفلٍ أو شفاء مريض. قامت الفتيات بتقديم المساعدة للفقراء والمرضى و الأطفال في المخيم بالمبلغ الذي حصلن عليه.
ضحى (15 عاماً) تقول: “حصلنا على مبلغ 1833 دولارا أمريكيا من جمعية من سورية مع الحب، فقررنا مساعدة الفقراء والمرضى في المخيم، لأننا نعيش بينهم، ونعرف تماماً ما هو الفقر، وما هي متطلبات قاطني مخيمنا والمخيمات المماثلة، وبعد طرح الكثير من الاقتراحات لطريقة مساعدة الآخرين قمنا بتوزيع 25 سلة غذائية و 10 أكياس حليب للأطفال، واستطعنا تأمين الأدوية لثلاثة مرضى في مخيم الأبرار الذي نعيش فيه مع 80 عائلة تقريباً”.
وتضيف ضحى: “دفعنا إيجار 4 خيام لعائلاتٍ فقيرةٍ جداً كانت مهددة بالطرد من مخيم جمال، الذي يعيش فيه أكثر من 1000 شخص في سهل البقاع ، وقد سمي هذا المخيم على اسم صاحب الأرض الذي قام ببنائه و استثماره، و قسمه إلى قسمين، قسم يحوي نحو 85 خيمة يصل إيجار الواحدة منها إلى 100 دولار أمريكي و قسم للغرف الخشبية “الكرفانات” و يحوي حوالي 50 غرفة يصل إيجارها إلى 200 دولار أمريكي شهرياً، كما قدمنا لأرملةٍ مسنة بعض الغذائيات و المنظفات والمستلزمات المنزلية لتبيعها أمام مخيم جمال الذي تعيش فيه و تؤمن متطلباتها من الأرباح”.
أم رامز (72 عاماً) التي حصلت على مساعدة من الفتيات تقول: “أعيش في مخيم جمال منذ 4 سنوات بمفردي، كما هو حالي منذ وفاة زوجي قبل 10 سنوات، كنت أصنع البطاطا الشيبس، في خيمتي وأبيعها أمام المدرسة المجاورة، لكنني توقفت عن العمل مع بداية العطلة الصيفية، حتى قدَمنَ إليَ أولئك الفتيات بعض البضائع لأفتتح بها بسطة أمام المخيم وأحاول تأمين إيجار خيمتي و بعض متطلباتي من خلالها”.
لم يكن ذلك تجارةً بالمواهب، ولكن لا شيء يفوق شعور الفخر والسعادة عند فتياتٍ لم يتجاوزن الخامسة عشر من العمر أثناء مساعدة الآخرين، سوى التصميم على النجاح و طموحهن بتمثيل أطفال سوريا.