قطار الزواج في القامشلي
"كانت تطلعاتي تفوق تطلعات الأميرات، حتى وصلت إلى درجة فقدان فرص الزواج رويدا رويداً. اليوم أنا مضطرة لتقديم التنازلات"
“تغيرت الدنيا كُلها ولم تتغير عادة زواج البكر (البنت الأكبر في العائلة) أولاً لدينا”، تقول هناء سيد إبراهيم. (43 عاماً)، تحمل إجازة في التجارة والاقتصاد، وتشغل منصباً مهماً في إحدى الدوائر الحكومية في مدينة القامشلي.
تتحدث هناء لموقع حكايات سوريا عن مشكلة إصرار والدها على زواج شقيقتها الكبرى أولاً.. شقيقة هناء تكبرها بعدة أعوام، لم تحصل سوى على شهادة التعليم الإعدادي. ما يعني قلة فرص شقيقتها بالزواج سواء بسبب العمر أو التحصيل الدراسي.
والدها أصرّ على رفضه زواج هناء قبل شقيقتها، كما رفض وساطة شقيقتها الكبرى لجهة القبول بتزويج هناء قبلها. تبخرت أحلام وأمال هناء بالزواج، كانت تحلم بفستانها الأبيض وحبيبها الذي وعدها بالتقدم لخطبتها، لكنه أحجم ربما بسبب شرط والدها. وهو ما جعلها تتنازل عن جل أحلامها وشروطها.
تقدم لخطبة هناء تاجر الماس كردي يعيش في روسيا، عن طريق ابنة خالتها المغتربة في موسكو، لكن رغبة بعض النساء في تزويج فتاة يتيمة الوالدين للتاجر دفعتهن للتدخل وإقناع التاجر بالفتاة اليتيمة.
تضحك هناء من الحظ الغريب، وتقول: “الفتاة وبعد ان وصلت إلى تركيا للمغادرة إلى روسيا، رأت الشباب أبناء جيلها وعمرها ما دفعها للتهرب وتغيير رأيها من الزواج بالتاجر المُسن”. وهو الأمر ذاته الذي فعلته هناء التي لم تقبل بالاقتران به من جديد.
لم تخف هناء رغبتها بالزواج والاستقرار ورؤية أبنائها، وهي “مستعدة للزواج من رجل متزوج، وليس لديّ أي شروط مادية أو غيرها، بل مستعدة أن أعيش في نفس البيت مع زوجته الأولى، فقط مع قليل من الحب والتفاهم والودّ”.
وبقيت هناء تخدم والدها في محنته الصحية وبقيت تحترمه وتقول لحكايات سوريا: “لم أحقد على والدي أبداً والحمد الله على كل شيء لي ثقة كبيرة بالله، فقط أتمنى أن أتزوج وأن أصبح أماً”. وتتساءل هناء، هل فاتها قطار الزواج؟
من جهتها تقول نسرين حسين: “كانت تطلعاتي تفوق تطلعات الأميرات، حتى وصلت إلى درجة فقدان فرص الزواج رويدا رويداً. اليوم أنا مضطرة لتقديم التنازلات”.
نسرين حسين خريجة المعهد الزراعي وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية في الحسكة. وككل الذين لم ينجحوا في قصصهن العاطفية تُحمل نسرين المسؤولية للظروف التي حرمتها من شخص غني وجميل ومن عائلة مرموقة.
رفضت نسرين الزواج به كونه “لا يحمل أي وثيقة مواطنة (أجانب الحسكة الذين حرمهم النظام السوري طيلة نصف قرن من الهوية السورية) ولكون أن الأب الأجنبي يورث لأبنائه الحالة ذاتها لم أشأ أن أتسبب بمأساة لأولادي”.
تعيش نسرين مع أخيتن لها في غرفة واحدة، وتسعى إلى تامين فرصة زواج مناسبة لها حتى ولو كانت الزوجة الثانية لكن بشرط في منزل مستقل.
تتحدثت نسرين عن زواج الأقارب ورفضها للزواج بابن عمها الذي ألح كثيرا في طلبها لكن وضعه التعليمي والمادي السيء دفعها للرفض. وتشكر نسرين موقف أخيها ووالدها ووقوفهما إلى جانبها وعدم الرضوخ للضغوطات الأسرية والعائلية.
وتتحسر نسرين على العمر وترى لو عادت عجلة الزمن إلى الوراء فإنها ستغير من قناعاتها وقراراتها وشروطها بل أنها ستوافق على الزواج من طالِبها الفاقد للهوية السورية.
لم تستطيع المُهندسة شمس يوسف إخفاء قلقها من المستقبل، ومع بلوغها سن الـ 27 عاماً ورفضها المُكرر للزواج حتى من شخصيات ميسورة الحال، آخرهم ابن عمها الذي تقدم لطلب خطبتها.
تقول شمس لحكايات سوريا: “لا أعتقد أن أحداً كان سيرفضه فهو يحمل شهادة عالية جداً، ويمتاز بوضع مادي جيد، ومستوى اجتماعي وثقافي وسياسي مرموق. أعتقد أنني سأندم لرفضي الاقتران به، لكنه لم يستطع أن يدفعني إلى حبه. كان يحمل من الصفات ما تعجز النساء عن رفضه، هو الآن يتحضر للزواج من أخرى، أما أنا فأعتقد سيكون حظي إما زوجة لعانس، أو مُطلق، أو أرمل. لا استطيع أخفاء شدة تقديري لقلبه النبيل، لكن ربما قلبي صعب المراس”.
الأخصائية النفسية روجين شاويش ترى أن القضية تتعلق بإرث ومفهوم مجتمعي قديم يقوم على تجاهل الزواج من الفتاة التي تتخطى سن الـ 25 عاماً، وتعتبرها ميزة سيئة في مجتمع محافظة الحسكة مقارنة بالبنية المجتمعية لباقي المحافظات السوريات. والأمر متعلق بازدواجية وعقلية الشاب الشرقي وتنظيراته عن قضية العوانس ورغبته بالزواج من صغيرات.
تُعيد روجين هذه العقلية إلى الصورة النمطية السائدة حول قدرة الصغيرات على الإنجاب اكثر من المتقدمات بالعمر، و”هو ما يدفع أغلب الشباب في الحسكة، إلى التفكير بالزواج من العشرينيات بدلاً من الاقتران بمن تجاوز عمرهن الـ 25 عاماً. علماً أن العلم اثبت القدرة على الإنجاب حتى سن الأربعين”.
الباحثة روجين تصف حالة اللواتي يقبلن بالزواج من رجل متزوج بـ”أصحاب الشخصيات الضعيفة أو اللواتي وصلن إلى درجة متدنية من الثقة بالنفس ونسين مكانتهن الاجتماعية ضمن محيطهن وقدراتهن التي لا تقل عن قدرات الرجل”.
وتعتقد روجين “إنهن يربطن وجودهت بوجود زوج لهن إلى درجة اعتبار أن الزوج هو بمثابة الهوية للمرأة”.
وتعيد روجين رغبة الزواج المبكر للفتاة إلى الثقافة القديمة وتخلف أولياء الأمور، لكن الأمور تغيرت أكثر وأصبح هناك مُستجدات كثيرة. والمتغيرات المجتمعية اليوم خدمت الفتاة أكثر من السابق وأصبحت هناك مجموعة من الخيارات لجهة فتح أفاق جديدة إمامها للعمل ما دفع بأغلب الفتيات للبحث عن العمل أكثر من التركيز على الزواج.
وتلفت روجين إلى “أن أغلب الفتيات يبحثن عن العمل ضمن المنظمات وليس البحث عن زوج. وأصبح للمرأة قيمتها ومكانتها بعد الحدث السوري”. وترفض روجين وصف رغبة الفتاة بالوظيفة أكثر من الزواج بالتمرد على حالة الزواج، والموضوع لا يرتبط بتغير رؤية الفتاة للزواج والزوج بمقدار أن الأمر يعود إلى حالة الثقافة الشخصية وقيم العيش المشترك.
خطيب جامع عمر بن الخطاب عمار موسى يرى أن تعدد الوجات حلال وهي حكمة ربانية لزيادة النسل، ويقول “إن الأديان السماوية أجازت تعدد الزوجات، وعللت ذلك باسباب مختلفة تتعلق بالنسل أو الرغبة شريطة العدل. مهما تعددت الزوجات فإن الأب واحد للمولود”.
الناشطة المدنية الأشورية اورشينا حنا تقول: أن تعدد الزوجات حرام وممنوع في الديانة المسيحية، ولا يجوز تحت أي بند أو ظرف أن يتخذ الرجل زوجة ثانية. الكنيسة ترفض تعدد الزوجات رفضاً قاطعاً، مهما كانت الظروف، بما فيها عدم الإنجاب”.
وتشير بعض التقديرات والأرقام لمنظمات المجتمع المدني في محافظة الحسكة إلى أن نسبة الإناث باتت تساوي 5 أضعاف نسبة الذكور، ما يُلقي بآثار سلبية على التركيبة السكانية للمجتمع في محافظة الحسكة.