في ريف إدلب ينتجون الغاز في منازلهم
انتاج الغاز المستخدم في المنزل
"أسرة أم مصطفى من قرية جرجناز، واحدة من مئات الأسر التي استطاعت أن تؤمن لعائلتها الغاز بالاعتماد على ما تملكه من أغنام ودجاج."
لم تعد أم مصطفى (36 عاماً) بحاجة إلى جمع عيدان الحطب كل صباح لاستخدامها في طهي الطعام لأطفالها. أصبح بإمكان أم مصطفى أن تؤمن احتياجات المنزل من الغاز من خلال تحويل روث المواشي التي تربيها إلى غاز طبيعي تستخدمه في نواحي الحياة اليومية.
ارتفعت أسعار أسطوانات الغاز في المناطق المحررة، ومنها إدلب، بشكل جنوني، بسبب ازدياد الطلب عليها من جهة وعدم توافرها من جهة ثانية. الأمر الذي أدى إلى ازدياد عدد الأسر في ريف إدلب التي تستخرج الغاز داخل منازلها من تحلل روث الحيوانات. الذي يشكل مصدراً للطاقة يمد المنزل بالغاز اللازم للطهي والتدفئة وحتى توليد الكهرباء. وذلك تماشياً مع أزمة أنهكتهم وأضافت صعوبات يومية على حياتهم المعيشية.
أسرة أم مصطفى من قرية جرجناز، واحدة من مئات الأسر التي استطاعت أن تؤمن لعائلتها الغاز بالاعتماد على ما تملكه من أغنام ودجاج. وذلك بعد أن عجزت لسنوات عن تأمينه بسبب تدهور أحوالها المادية. تقول أم مصطفى لـ”حكايات سوريا”: “غلاء أسعار المحروقات وشحها في ريف إدلب جعلنا نبحث عن طرق بديلة. ومصادر يمكن الاستفادة منها في الحصول على الطاقة. وقد استطعنا والحمد لله التغلب على هذه المشكلة من خلال إنتاج الغاز الطبيعي من المخلفات الحيوانية على اعتبارها مواد متاحة لدينا. استطعنا من خلالها التأقلم مع الواقع وتخفيف أعباء تكاليف الحياة من خلال الاستغناء عن المحروقات”.
كانت أم مصطفى تجمع الحطب بمساعدة أطفالها، لإشعال النار في موقدها البدائي الطيني. وكانت تجد صعوبة في ذلك وخاصة في فصل الشتاء البارد. ولكنها وفرت من خلال هذه الطريقة المبتكرة جهوداً وتكاليف كبيرة، خاصة بأنها تربي بعض المواشي في منزلها لتعيش من بيع منتجاتها.
المهندس الزراعي أمجد الحسين (33 عاماً) من قرية الصرمان بريف إدلب الشرقي نجح في إنتاج الغاز محلياً، يتحدث لحكايات سوريا عن ذلك قائلاً: “قمت بالمحاولة عدة مرات وأخذت العبر من نماذج سابقة حوت بعض السلبيات. ثم تمكنت في النهاية من إنتاج غاز وفير من النموذج المعدل والنهائي. قمت بحفر بئر في باطن الأرض، وطليت جدرانه بطبقة إسمنتية، وزودت الحفرة بقسطلين الأول لإخراج السائل الزائد والثاني لتزويد الحفرة بالروث والماء، مع وضع مآخذ لخروج الغاز المتشكل حيث يتم وصله بأنبوب إلى الموقد داخل المنزل، وبعد ذلك يتم إحكام إغلاق الحفرة لمنع تسرب الغاز، وننتظر عدة أيام ريثما تتم عملية التحلل، حيث تقوم البكتريا بتحليل الروث فينطلق غاز الميثان بنسبة كبيرة وغاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات بنسب صغيرة ويعتبر الغاز المتشكل غير سام وعديم الرائحة واللون وقابل للاشتعال”.
وبحسب المهندس الحسين يستغرق تجهيز البئر حوالي الأسبوع، بكلفة تتراوح بين مئة ومئتي دولار أمريكي بحسب مساحة البئر. كما يعتمد حجم الغاز المنبعث أيضاً على حجم الحفرة وكمية المخلفات المستخدمة.
وعن فوائد هذه العملية يقول المهندس الحسين: “يعتبر توليد الغاز بهذه الطريقة من المشاريع المهمة من وجهة نظر بيئية واقتصادية. فناهيك عن أنه خفف عن العائلات الفقيرة بعض النفقات والأعباء الاقتصادية، فهو يقلل من التلوث البيئي في الماء والهواء والتربة، من خلال التخلص من الفضلات ومخلفات الحيوانات. إضافة إلى أننا نستخدم بقايا التخمر كسماد خال من البكتيريا وغني بعناصر الكالسيوم والفوسفور الهامة في تغذية النباتات ونموها. ولكونه خال من الملوثات الحيوية يصلح للاستخدامات الزراعية كافة”.
عدنان العلوش (26 عاماً) من قرية معردبسة في ريف إدلب استفاد من هذه الفكرة، وعن ذلك يحدثنا قائلاً: “سمعت بالفكرة وأصريت على تنفيذها. وقد حققت نجاحاً تاماً إذ تمكنّا خلالها من تحقيق اكتفاءنا الذاتي من الغاز بطريقة سريعة وآمنة، حيث تمر عملية إنتاج الغاز بمراحل كثيرة أهمها توفير مقومات إنتاج الغاز الأساسية وهي ( الماء – المخلفات) وبعد حوالي أسبوعين من تاريخ تجهيز البئر يبدأ الغاز بالصعود، لنتمكن به من إشعال الموقد، ثم أقوم بجمع الروث بشكل يومي وأخلطه بكمية مماثلة من الماء مع التحريك، وأسكبه داخل البئر من المكان المخصص لذلك، كما أننا نستطيع أيضاً أن نستخدم بقايا النفايات والمخلفات المنزلية القابلة للتحلل لإنتاج الغاز، مما يخفف من التلوث البيئي الناتج عن الإنسان”.
اتخذ العلوش من هذا العمل مصدر رزق له. فهو يعمل على تجهيز الآبار للأهالي نتيجة ازدياد خبرته في هذا المضمار، كما يلفت إلى أنه يستطيع تطبيق الفكرة داخل خزان أو برميل.
عبد الكريم الأسعد (41 عاماً) أحد أعضاء المجلس المحلي في قرية تلمنس يقول: “شهد الابتكار الجديد إقبالاً ورواجاً من الأهالي كونه يوفر عليهم مشقة تأمين الغاز، بعد أن بات شراء أسطوانة الغاز أشبه بالحلم لدى البعض، ومن الهموم التي تثقل كاهل الأهالي لأنها باهظة الثمن حيث ارتفع سعرها إلى مايقارب 9 آلاف ليرة سورية.
ويرد الأسعد سبب ارتفاع السعر إلى كون “المصدر الوحيد لاستقدام اسطوانات الغاز إلى المناطق المحررة عي مناطق تخضع لسيطرة النظام الذي لا يسمح بتصديرها خارج مناطقه. يقوم بعض التجار بتهريبها بالتعامل مع الحواجز المنتشرة على الطرقات العامة. ويعمدون إلى بيعها بأسعار مرتفعة تفوق قدرة الناس الشرائية مستغلين بذلك الحاجة الماسة إليها”.
ويختم الأسعد حديثه قائلاً : “وبما أن الحاجة هي أم الإختراع. لا يكف الأهالي عن ابتكار ما يساعد عجلة الحياة على الاستمرار، عبر استخدام أساليب بديلة. وهذا دليل على إرادة هذا الشعب الذي لا يعرف اليأس ويثبت دائماً قدرته على التكيف مع أقسى الظروف”.