في تركيا بحثا عن العمل والأمن والإنجاب

نساء يسرن في إحدى الأحياء المدنيّة في سوريا

نساء يسرن في إحدى الأحياء المدنيّة في سوريا

"كان زوجها وفق ما ذكرت قد أجرى عملية جراحية في في سوريا، وأبلغه الطبيب سيتحسن وسيصبح قادراً على الإنجاب. لكن للاسف وبعد فترة من إجراء العملية بينت التحاليل الطبية أن وضعه أصبح أسوأ من قبل بكثير."

عندما بدأت العمل في المدرسة كان عندي صديقة واحدة فقط أثق بها جداً، وهي كذلك. كانت صداقتنا تعود إلى ما يقارب السنة ونصف السنة.
بعد حوالي ما يقارب الشهر من بدء العمل، جاءت دفعة موظفين جدد والتحقوا بالمدرسة. من بين هؤلاء الموظفين كانت هناك شابة، عمرها من عمري. مظهرها الخارجي بسيط وقريب من القلب. كانت جداً خجولة حتى انها ترتبك بمجرد أن يحادثها أي شخص.
بعد عدة ايام بدأت أنا وصديقتي بالتعرف عليها، ومحاولة التقرب منها وكسر حاجز الخجل لديها. وفعلاً نجحنا في هذا. كان العمل يحتاج إلى سرعة في التعلم وخبرة، فقمنا بمساعدتها وإعطائها بعض النصائح. كانت طيبة بما يكفي، ما جعلنا نقف دائماً بجانبها ونتقرب منها أكثر.
كانت متزوجة منذ ما يقارب الخمس سنوات. وتعيش مع زوجها في قرية صغيرة قريبة من مدينة الريحانية. الله لم يرزقهما بالاطفال بعد. زوجها يعمل في مجال البناء، رغم كونه خريج كلية التربية قسم معلم صف. وهي كانت خريجة نفس القسم أيضاً. لكنه لم يجد عملاً وكان مضطراً أن يعمل أي شيء من أجل تأمين معيشتهما.
العمل في مجال البناء كان يتطلب بذل قوة وطاقة كبيرتين. كان زوجها على ما روت لنا، يذهب من الخامسة صباحاً وحتى السابعة مساءاً. يعمل مع رجل تركي وكان عمله يتطلب منه أن يذهب مع صاحب العمل حيثما يتوفر لهم العمل.
قالت أنه كان يذهب إلى مدينة اسكندرون أحيانا ويعود في نفس اليوم. كان يتحمل مشقة الطريق والسفر بالإضافة الى مشقة العمل وصعوبته وعدد ساعاته الطويلة.
حين كانت تسرد قصتها لنا، بدأت بالبكاء. وعندما سألتها عن سبب بكائها قالت: “عندما ما جئنا الى تركيا لم نكن نملك شيئاً. لم يكن لدينا سوى 10 آلاف ليرة سورية. وكان يتوجب علينا بهذه النقود ـن نستأجر منزل بالإضافة الى مصروفنا… والنقود لاتكفي لكل هذا. أقمنا عند بيت أخي مدة اسبوع وبدأت أنا بالعمل في الاراضي الزراعية”.
وأكملت قائلة: “كنت اخرج عند الساعة 6 والنصف صباحاً من المنزل وينتهي العمل الساعة 3 والنصف. وكل هذا تحت حرارة الشمس الحارقة. كان العمل جداً مرهق ومتعب حيث كان المسؤول عنا شخص تركي لا يسمح لنا بالراحة أبداً، إلا في وقت تناول وجبة الافطار مدة نصف ساعة”.
وأضافت: “باقي الوقت كله نعمل بجد وجهد كي لايغضب المسؤول ونلقبه الجاويش، كنا نعمل في زراعة البصل والقطن والبطاطا. وكل المحصولات التي يقومون بزراعتها في هذه المنطقة.”
سألتها حينها: “لماذا كنت تعملين ما دام زوجك يعمل ويؤمن معيشتكما؟ لست مضطرة للعمل تحت قسوة كل هذه الظروف”.
أجابتني: “نحن لم نأت من سوريا فقط بسبب الخوف. نحنا جئنا لان زوجي يحتاج للعلاج نحن لم ننجب أطفالاً لأن زوجي مريض. ويجب أن نذهب إلى الطبيب والعلاج في تركيا مكلف، وعمل زوجي لوحده لايكفي. خاصة أن وضع زوجي حرج للغاية حيث أن الاطباء يقولون أنه لا يملك أي فرصة للانجاب”.
كان زوجها وفق ما ذكرت قد أجرى عملية جراحية في في سوريا، وأبلغه الطبيب سيتحسن وسيصبح قادراً على الإنجاب. لكن للاسف وبعد فترة من إجراء العملية بينت التحاليل الطبية أن وضعه أصبح أسوأ من قبل بكثير. فقدما إلى تركيا أملاً بوجود العلاج المناسب.
أصبحنا أصدقاء ومضت الأيام، كنا كل يوم سوياً. مضت سنة كاملة على هذا الحال وهي تعمل بجد وجهد كبيرين، كي لاتخسر عملها. كل يوم كنا نشرب قهوتنا الصباحية معاً. كانت صاحبة روح مرحة للغاية رغم همها الكبير. كانت تحب الاطفال والعمل معهم.
مع انتهاء السنة جاء الخبر المحزن. فجأة ومن دون سابق انذار، تقرر في العمل أنه يستم الاستغناء عن خدمات الكثير من الموظفين. بسبب كثرة العدد وتغيير نظام العمل. كانت قد أحست أنها ستكون من المفصولين. وفعلاً بعد عدة أيام جاء القرار المحزن.
كان اسمها على قائمة الاشخاص المفصولين. توقفت عن العمل وبدأت بالبحث عن عمل جديد، لكنها لم تجد أي عمل يناسبها. بقيت ما يقارب الشهرين وهي تبحث. بعد ذلك فقدت الأمل وقررت ترك المدينة والذهاب للعيش في أحد مخيمات السوريين، ويسمى مخيم بخشين.
كان المخيم عبارة عن عدد من الكرفانات التي يقيم فيها السوريون داخل الأراضي التركية. ساعدهما في الحصول على الكرفان أحد اصدقاء زوجها الموجودين داخل المخيم. بالفعل هما الآن يسكنان في هذا المخيم، وتعيش هي وزوجها معاً وما زالا يواصلان رحلة البحث عن عمل ورحلة البحث عن طبيب لمعالجة زوجها من اجل الحصول على طفل…
بلقيس عمار (24 عاماً) من ريف حماة الشمالي تقيم في تركيا متزوجة وتبحث عن عمل.