فلول داعش تهدد إدلب مجدداً

"بعد معارك الرقة وعقيربات اضطر عدد كبير من زوجات المقاتلين في التنظيم للتوجه مع أطفالهن إلى إدلب وريفها، باعتبارها الأكثر أمناً بالنسبة لهن"

سحر الحسن (41 عاماً) حين أجّرت منزلها السفلي في معرة النعمان لمجموعة من الأرامل اللواتي ظنت أنهن نازحات من ريف حلب، لم تكن لتتوقع أنهن زوجات لمقاتلين في تنظيم الدولة المعروف بداعش.
بعد 3 سنوات على انسحاب التنظيم من منطقة إدلب وريفها، ها هو يعود إلى واجهة الأحداث مجدداً، وتعود التهديدات مع المعارك التي بدأتها فلول التنظيم ضد فصائل المعارضة في ريف حماه الشمالي في محاولة لدخول الحدود الإدارية لإدلب.
تقول سحر “باعتبار أنهن مجموعة من النساء لم يكن ذلك يشكل أي مشكلة بالنسبة لي، إذ لا يمكن الخوف من مجموعة أرامل نازحات. بل وتعاطفت معهن وحاولت مساعدتهن بكل الوسائل بتأمين بعض مستلزماتهن الضرورية”.
وتوضح سحر “اختلف الأمر بوجود رجل أتى مؤخراً وشكله الخارجي يدعو للريبة، على الأرجح ينتمي إلى تنظيم الدولة ، فلحيته طويلة ويلبس ثوباً طويلاً يصل حتى ركبتيه، وغالباً ما يتدارى عن الأنظار. وحين سألتهن عنه أخبروني أنه زوج لاثنتين منهن وأخ لاثنتين، وأنه كان مصاباً في إحدى معارك الجيش الحر مع النظام وعاد من العلاج مؤخراً”.
غير أن هذه الرواية لم تقنع سحر، سيما وأن حديثهن كان يتناقض مع بعضه بين الحين والآخر. والرجل لا يخرج من المنزل إلا ما ندر وفي ظلام الليل. وتتساءل سحر “هل سأكون وعائلتي بخير إن أخبرت المعنيين عنه، أم أنهم سينتقمون مني ومن أسرتي شر انتقام؟”
وتتابع سحر “لا شك أن للتنظيم خلايا خفية في المنطقة، وسوف تنتقم لهم”. هذا ما جعل سحر تتكتم على الأمر وتتظاهر بأنها لا تعلم شيئاً ريثما تتمكن من إيجاد طريقة ما تتخلص فيها من وجود عناصر التنظيم الذين أصبحوا في عقر دارها.
من جهته يتكتم التنظيم على مجريات معاركه على أطراف ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي ، ولم يتحدث عن سير العمليات العسكرية على خلاف المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والتي غالباً ما تتكرر إعلاناته بشكل يومي عن تطوراتها الميدانية عبر وكالته الرسمية أعماق.
تلك العمليات العسكرية لتنظيم الدولة تتزامن مع محاولات اقتحام لقوات النظام والميليشيات المساندة لها شرق إدلب أيضاً للوصول إلى مطار أبو ضهور العسكري الاستراتيجي.
بعد معارك الرقة وعقيربات اضطر عدد كبير من زوجات المقاتلين في التنظيم للتوجه مع أطفالهن إلى إدلب وريفها، باعتبارها الأكثر أمناً بالنسبة لهن. وقد سمح لهن بالدخول من قبل فصائل المعارضة، أما المقاتلين فتم اعتقالهم.
القيادي في الجيش الحر مصطفى أبو القاسم يقول “الرجال والفتيان الذكور الذين تجاوزت أعمارهم 15 عاماً فقد تم اعتقالهم من قبل هيئة تحرير الشام للتحقيق معهم، ومحاسبة من ثبت إجرامه وإدانته بالاشتراك بعمليات التنظيم، ويخضع الفتيان لدورات شرعية للتخلص من تأثير التنظيم على عقولهم وتصرفاتهم في المستقبل”.
أبو القاسم يتهم النظام بأنه يفسح المجال أمام التنظيم لدخول إدلب “ليكون الهجوم على المنطقة شرعياً من وجهة نظر دولية بحجة محاربة الإرهاب” ويردف جازماً “هذا المخطط نفهمه جيداً، ولن يستطيعوا نيل مرادهم، كما لن يستطيع التنظيم دخول المنطقة وفينا عرق ينبض”.
سارة عباس (38 عاماً) أرملة أحد مقاتلي تنظيم الدولة، قتل زوجها في الرقة واعتقل ولدها البكر من قبل هيئة تحرير الشام فيما استقر بها المقام مؤخراً مع أطفالها الخمسة المتبقين في ريف إدلب. وهي ترفض إرسال أولادها إلى المدرسة لادعائها بأن مناهج المدارس في ريف إدلب “علمانية”.
وتقول سارة منتقدة ما تراه في ريف إدلب “النساء هنا يخرجن إلى الشوارع دون وضع النقاب على وجوههن، بل يلبسن الملابس والعباءات الملونة وهذا أمر محرم، كما أن النساء يعملن في منظمات وهيئات تضم رجالاً وهذا أيضاً أمر محرم والبعض يدخن ويقدن السيارات، إنهن متشبهات بالرجال”.
قليلاً ما تخرج سارة من المنزل. وإن خرجت تقوم بتغطية وجهها وكفيها بحيث لا يظهر منها إلا السواد، وتحاول جاهدة عدم الاحتكاك المباشر مع الجيران أو أي أحد من أهالي المنطقة .
أبو ابراهيم (40 عاماً) أحد أعضاء المجلس المحلي في معرة النعمان يقول” نحن كمجالس محلية نعتبر زوجات مقاتلي التنظيم بحكم النازحات الأرامل، فهن ضعيفات ونازحات وباحثات عن الأمان والاستقرار ليس إلا. فلا يمكن الخوف منهن، بل على العكس نحن نقدم لهن مساعدات إغاثية وغذائية ونترفق بحالهن وحال أطفالهن، وبكل الأحوال فإن أعدادهن ليست كبيرة”.
ولكن أبو ابراهيم يشدد على رفض دخول أي عنصر من عناصر التنظيم إلى المنطقة ، فهو “تنظيم متطرف وكل منطقة يسيطر عليها أو يدخلها يحولها إلى جحيم بتشدده وارهابه”.
وبين المساعي لمساعدة أرامل التنظيم، وإصرار الفصائل على منع دخول الأخير المنطقة، تستمر معارك التنظيم الفاشلة في ريف إدلب الجنوبي محاولاً التقدم وإيجاد ملاذ له بين كر وفر.