فلسطينيون قلقون على مستقبلهم
علياء أحمد
“خسرت فلسطين وطناً من قبل ولن أرضى أبداً أن أخسر سوريا وطناً آخر،” تقول هبة (35 سنة) بانفعال واضح إزاء الأحداث في سوريا، والتي طاولت الفلسطينيين بشكل مباشر، لا سيما أولئك في مخيم اليرموك الذي شهد قتالاً ضارياً في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، والذين لجأ عدد كبير منهم إلى لبنان.
هبة فلسطينية تعيش في حي مشروع دمر الراقي في إحدى ضواحي دمشق، بعيداً عن المخيمات، وتعمل مديرة مشاريع في مؤسسة خاصة. تقول هبة إنها لم تشعر يوماً بأنها لاجئة، وذلك بفضل النظام الذي ساوى بين الفلسطينيّين والسوريّين.
“لماذا نقف ضده (النظام) أو نسعى إلى إسقاطه؟ هذا جحود وإنكار للمعروف،” تضيف هبة.
هذا الإمتنان قد يوافقها فيه أو يختلف معها عليه الكثير من الفلسطينيين، البالغ عددهم في سوريا حوالي 540 ألف لاجئ مسجل في “الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)، ويتوزعون على عشرة مخيمات رسمية وثلاثة غير رسمية. ويزيد هذا العدد عن 600 ألف لاجئ حسب “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين”، الجهة الرسميّة التي تعنى بشؤونهم في سوريا، وتتبع “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”. تعتبر إحصاءات “الهيئة العامة” أكثر دقة من إحصاءات “الأونروا”، وذلك لأن الكثيرين قد توقفوا عن تحديث قيودهم في “الأونروا”، بينما يتم تحديث قيود الهيئة بشكل دائم. وتشمل هذه الإحصائيات جميع الفلسطينيين في سوريا داخل المخيمات أو خارجها حتى نهاية العام 2011.
بخلاف هبة، هناك من بين الفلسطينيّين من يتخذ موقفاً محايداً من الأحداث، خاصة عندما بدأت الثورة تأخذ شكلها المسلح.
يقول أبو محمد (53 سنة)، وهو موظف حكومي من سكان مخيم السبينة جنوب دمشق، إن ضرورة إجراء الإصلاحات لا يجب أن يستتبع “حرق البلد” على يد “الجيش الحر”.
ثم يعود أبو محمد ويحمّل السلطة أيضاً جزءاً من المسؤولية: “لا يكترث الجيش النظامي بوجودنا فيطلق قذائفه نحو مناطق يسكنها مدنيون لأن “الجيش الحر” يتمركز فيها؛ نحن واقعون ضحية لكلا الطرفين.”
أما سعيد (33عاماً)، الذي يعيش في مخيم اليرموك ويعمل مهندساً مدنياً في شركة خاصة، فلديه الحجج الكافية للوقوف ضد النظام بشكل واضح.
“لطالما كان هذا النظام فاسداً، ودفعنا جميعاً الثمن، سوريين وفلسطينيين على حد سواء،” يقول سعيد. “هذه ثورة من أجل الكرامة والحرية ويجب أن نثور كلنا ضد هذا النظام الذي استغل القضية الفلسطينية عقوداً طويلة لحفظ مصالحه.”
ضرورة لتشريعات جديدة؟
تتفاوت أوضاع الفلسطينيين في سوريا لعدة أسباب، أهمها تاريخ دخول عائلاتهم التي يتحدرون منها إلى سوريا. فقد كانت هناك موجة لجوء في العام 1948 بعد إعلان دولة إسرائيل، ثم موجة أخرى أتت من قطاع غزة في العام 1956 إثر “العدوان الثلاثي” ضد مصر التي كانت تحكم القطاع آنذاك، بالإضافة إلى اللجوء الذي حدث العام 1967 من قطاع غزة والضفة الغربية بعد “النكسة”. وفي العام 1970 هرب عدد كبير من الفلسطينيين من الأردن جراء أحداث “أيلول الأسود” حين شنت الحكومة الأردنية عملية عسكرية ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة. وفي العام 2006، ترك عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين العراق باتجاه سوريا بعد أن كان سقط نظام البعث.
قبل نحو ثلاثة أشهر من وقوع “العدوان الثلاثي”، أقر مجلس النواب السوري القانون رقم 260، الذي نص على أن “يُعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.” وما زال هذا القانون نافذاً حتى اليوم وينطبق على المتحدّرين من هؤلاء اللاجئين.
“يتمتع فلسطينيّو موجة النزوح الأكبر عام 1948 بكثير من الحقوق التي يتقاسمونها مع السوريين حسب القانون 260 لعام 1956، والذي يساويهم مع السوريّين في الدراسة والعمل ويستثنيهم من حق الترشّح والتصويت في الانتخابات،” يقول المحامي يوسف (31 عاماً) من مخيّم اليرموك.”يحمل هؤلاء تذكرة إقامة مؤقتة، ويؤدي أبناؤهم الخدمة الإلزامية في “جيش التحرير الفلسطيني”، وهم فعلاً يعاملون كالسوريين في معظم القضايا.”
إن اللاجئين الذين دخلوا بعد إقرار القانون 260، كما يقول يوسف، لا يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها أولئك الذين سبقوهم.
“بقية لاجئي عام 1956، مثلاً، يتمتّعون بحقوق الدراسة والرعاية الصحية، لكنهم يواجهون مشكلات في التوظيف ولا يحصلون إلا على عقود عمل مؤقتة وهذا ينعكس سلباً على أوضاعهم المعيشية.”
وعن حل هذه المشكلة يرى يوسف أن هناك حاجة إلى تعديل القوانين التي تنظم أوضاع الفلسطينيين وفقاً للاتفاقات الدولية.
من ناحية أخرى يشير حسام، وهو محامٍ يعيش في مخيم خان الشيح غرب دمشق، أن الفلسطينيّين الذين أتوا بعد إقرار القانون 260 يعاملون على أساس أنهم مواطنون من البلدان التي أتوا منها.
“حسب القانون 260 يحمل اللاجئون الفلسطينيون في موجة النزوح العام 1948… تذكرة إقامة مؤقتة تشير إلى أنهم فلسطينيون سوريون، أما الفلسطينيّون الذين أتوا في موجات اللجوء اللاحقة فهم إما فلسطينيون أردنيون يحملون وثائق أردنية، أو منهم من غزة مَن يحمل وثائق سفر مصرية، وهناك من لجأ إلى سوريا لاحقاً من فلسطينيّي لبنان أو فلسطينيّي العراق، وبالتالي وضعهم مختلف.”
وعن وضعهم القانوني والإنساني في سوريا يضيف: “يعامَلون كما يعامل أي مواطن من أي بلد عربي آخر، فيدخلون المدارس ويستفيدون من الخدمات الطبية ويستطيعون ممارسة المهن الحرة على اختلافها ولكن مسألة توظيفهم بالدولة تحتاج إلى استثناء من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.”
يرى حسام أن مستقبل الفلسطينيين في سوريا لا يقع على عاتق سوريا وحدها.
“إن وضع الفلسطينيين قضية عالمية، تحتاج إلى تضافر جهود دولية لحلها، وتحميل سوء أوضاعهم لبلد عربي واحد يميّع مشكلتهم ويفقدها بعدها الدولي،” يقول حسام. “بالتأكيد ما يحدث في سوريا ينعكس عليهم بشكل واضح لأنهم جزء مهم من المجتمع السوري، ولكن لحل مشكلتهم يجب العودة إلى المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وعدم التنازل أبداً عن حق العودة إلى فلسطين.”
في ظل عدم اتضاح نتائج الصراع بين السلطة والمعارضة على الأرض، يبدو مستقبل الفلسطينيين في سوريا ضبابي هو الآخر.
“أعتقد أننا سنصبح لاجئين مرة أخرى،” يقول أبو محمد. “بدأ كثير من الفلسطينيين اللجوء إلى بلدان أخرى وبدأت معاناتهم من جديد مع لعنة اللجوء التي طالما لاحقتهم وتلاحق أطفالهم الآن.”