شبكة لحماية الطفل من الانتهاكات في إدلب

A facebook post of the campaign's page

A facebook post of the campaign's page

"الشبكة تعمل على إقامة ندوات وورشات تدريب، تستهدف أفراد المجتمع في المجالس المحلية والمعلمين في المدارس وأجهزة الدولة البديلة في المجالس المحلية، ومديريات التعليم التي تنشط في المناطق المحررة للحد من إيذاء الطفل واستغلاله من جهة، وتوعية المجتمع من جهة أخرى."

محمد الحسن

بلال (14 عاماً) اختار الهرب للتخلص من العنف الذي كان يتعرض له يومياً من قبل والده، بعد اجباره على ترك المدرسة وإرساله للعمل في ورشة حدادة على الرغم من صغر سنه.
يقول بلال: “أجبرني والدي على ترك المدرسة منذ عامين، عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي رغم أنني كنت من الأوائل في صفي، وأرسلني إلى العمل عند أحد أصدقائه في ورشة حدادة لأتعلم هذه المهنة وأجني بعض المال لمساعدته في تأمين مستلزماتنا اليومية”.
يضيف بلال: “تعرضت للضرب من قبل صاحب الورشة أكثر من مرة خلال فترة العمل، وخاصة بعد توصية والدي له بتكليفي بمهام إضافية مقابل زيادة في راتبي الشهري الذي لم أره طيلة فترة عملي، فقد كان والدي يأخذ الراتب الشهري منه ويتصرف به”.
يتابع بلال رواية قصته: “بعد مدة من العمل المضني، أخبرت والدي أني لا أريد متابعة العمل عند هذا الرجل، وأنوي البحث عن عمل آخر وشكوت له سوء المعاملة والتعب والألم الذي أشعر به يومياً، فمنعني من ذلك، وضربني للالتزام بما يقول، فلم أجد أمامي سوى الهرب من المنزل”
التجأ بلال إلى منزل عمته ولم يقم عندها سوى نهار واحد. أتى والده واصطحبه عنوة إلى المنزل بعد ضربه. تحين بلال الفرصة وهرب إلى منطقة خان الشيح القريبة من مدينته الكسوة.
بقي بلال في خان الشيح قرابة الثلاثة أشهر برفقة عناصر فصيل عسكري من أبناء مدينته. بعدما روى قصته لهم، وافقوا على بقائه عندهم وكلفوه بتنظيف المكان الذي يعيشون فيه، مقابل مبلغ مالي في نهاية كل شهر.
بلال اليوم نازح في إدلب، حيث يعيش دون أن يتواصل مع أي فرد من أفراد أسرته. يقول بلال: “الحياة هنا مريحة أكثر من الحياة في منزل أسرتي، فبعد الانتهاء من واجباتي استطيع فعل ما أشاء والذهاب إلى أي مكان أريده دون توجيه أي كلمة مسيئة من الشبان الذين أقيم معهم”.
أم عماد (34 عاماً) من سكان ريف حلب، اعتقل زوجها في بداية عام 2012 وبقيت مع ابنتيها وطفلها الرضيع دون معيل.
تقول أم عماد: “بعد اعتقال زوجي وغياب المعيل الوحيد لأسرتي لم أعد قادرة على تغطية مصاريف منزلي ودراسة ابنتيّ، فاضطررت إلى منع الفتاتين من متابعة التعليم، انقطعت بنا السبل ولم يكن أمامنا سوى التسول لإيجاد بعض المال الذي يساعدنا على تأمين مستلزماتنا”.
تتابع أم عماد رواية رحلة عذابها: “حصلت على مبلغ مالي من أحد المتبرعين، افتتحت به بسطة لبيع الخضار في سوق البلدة، نتناوب عليها أنا والبنات، وشاهدت بعض الشبان يتحرشون بالبنات أكثر من مرة، بالكلام تارة وباللمسات تارة أخرى، كونهن تجاوزن الـ 15 من العمر، ولم يكن بوسعي الكلام أو اتخاذ أي تصرف ضدهم كونه مصدر رزقي الوحيد، ويمكن أن ينقطع عقب أي مشكلة”.
وتتابع أم عماد: “كنت ألجأ إلى الكذب وتهوين الموضوع على البنات عند تذمرهن، وأحاول اقناعهن أن هذه الكلمات عادية واللمسات عفوية وغير مقصودة، منتظرة خروج زوجي من المعتقل إن كان لا يزال حياً لتعود حياتنا على ما كانت عليه من قبل”.
تعددت أشكال الانتهاكات التي يتعرّض لها الطفل السوري، ولا سيما في المناطق المحررة، فبعيداً عن القصف والاعتقال العشوائي الذي طال الأطفال، تعتبر بعض التصرفات من قبل الأهالي والمجتمع من أبرز الانتهاكات لحقوق الطفل، كحرمانه من التعليم وعدم وصوله إلى الخدمات الصحية، وتعرضه للأذى الجسدي والنفسي والعمالة الاستغلالية.
هذا الواقع دفع مجموعة من الشبان والفتيات في ريف إدلب إلى تشكيل شبكة لحماية الطفل من الانتهاكات تحت اسم “شبكة أمان المجتمعية”.
يقول مسؤول التوعية في شبكة أمان المجتمعية محمد الحسن لحكايات سوريا: “تأسست الشبكة في نهاية العام 2017، في جبل الزاوية في ريف إدلب. وهب تضم الشبكة فريقاً مؤلفاً من 14 شاب وفتاة ينتشرون في قرى كنصفرة وكفر حايا واحسم وبسامس ومعراتا وكفر شلايا”.
ويضيف الحسن “مع بداية شهر يناير/كانون الثاني من العام 2018، بدأنا العمل على توثيق انتهاكات حقوق الأطفال والبحث عن أسبابها بغياب الرقابة والمحاسبة وعدم إمكانية مكافحة انتشار هذه الظواهر في ظل الظروف الراهنة، والعوز المادي لبعض الأسر التي حرمت أطفالها من التعليم ودفعتهم إلى العمل بسن مبكرة”.
الشبكة تعمل على إقامة ندوات وورشات تدريب، تستهدف أفراد المجتمع في المجالس المحلية والمعلمين في المدارس وأجهزة الدولة البديلة في المجالس المحلية، ومديريات التعليم التي تنشط في المناطق المحررة للحد من إيذاء الطفل واستغلاله من جهة، وتوعية المجتمع من جهة أخرى.
ويتم خلال هذه الورش تعريف المتدربين على أنواع الانتهاكات التي يمكن أن يتعرض لها الطفل والآثار السلبية عليه، ومبادئ حماية الأطفال وبدائل تساعدهم على التخلي عن الممارسات المؤذية.
واختلفت آراء الأهالي حول هذه الشبكة، منهم من وجدها مهمة وضرورية في الأوضاع التي وصل إليها الشعب السوري بعد هذه السنوات.
إيمان الصادق (32 عاماً) تقول: “إن موضوع التوعية الذي يعمل على الحد من الانتهاكات أمر ضروري جداً، وأعتقد أنه جاء في وقته الصحيح، فمن السهل أدلجة الأطفال وجرهم نحو التطرف من قبل بعض الأطراف وزجهم على جبهات القتال”.
وتتهم الصادق بعض الفصائل المعارضة في غوطة دمشق الشرقية بـ “تقديم مبلغ مالي يتراوح بين 10 و 30 ألف ليرة سورية (ما يقارب 60 دولار أميركي) لأطفال لا يتجاوزون الـ 15 عاماً من العمر مقابل خروجهم إلى الجبهات، وربما كان العوز المادي مبرراً كافياً عند بعض الأسر لإرسال أطفالهم إلى مثل هكذا مناطق”.
تضيف إيمان: “على الرغم من أن النتائج الإيجابية ضئيلة في هذه الفترة إلا أنها مفيدة جداً، كما أنه لا يمكن لحملات التوعية أن تكون كافية لمعالجة هذه الانتهاكات والحد منها، فلا بد من تغطية الحاجة المادية لهؤلاء الأطفال عن طريق التعاون مع المنظمات الإغاثية والانسانية لتوفير الاكتفاء لأسر هؤلاء الأطفال”.
يقول أحمد عبد الوهاب (26 عاماً) من جهته: “لم نر من هذه الحملات والشبكات سوى التصوير والتضخيم الإعلامي لرفع اسماء شبكاتهم والحصول على الدعم المادي، ولم يلمس أي من هؤلاء الأطفال أي فائدة مادية منها، فالأولى تأمين المسكن والمستلزمات اليومية لهؤلاء الأطفال ولأسرهم المشردة في المخيمات، وبهذا لا يكون للأهل أي مبرر لدفع أطفالهم إلى ترك المدارس والالتحاق بالعمل، ولا شك أن الأهل سيتفرغون حينها إلى تربية الأطفال وحمايتهم من اتباع أي عادات سيئة”.